كشفت “مايكروسوفت” عن المعالج الكمومي الجديد “ماجورانا 1″، الذي يختلف عن تقنيات “غوغل” و”آي بي إم”. هذا الابتكار يمثل تحولاً في عالم التقنية، مشابهًا في أهميته للاكتشافات القديمة مثل الترانزستور. يمتاز تصميم “ماجورانا 1” باكتشاف مادة جديدة تُدعى “موصل فائق التوبولوجي”، مما يعزز قدرة تكوين نظام كمومي موثوق. بعد 19 عامًا من الأبحاث، تهدف “مايكروسوفت” لتطوير مليون شريحة تجاريًا بحلول 2027، مُتوجهة نحو الإمكانيات المعقدة للحواسيب الكمومية التي يمكن أن تُدرس وتُحل مشكلات تطلب عادةً سنوات في ثوانٍ.
كشفت شركة “مايكروسوفت” عن معالج كمومي جديد كليًا، يعتمد على مفهوم مغاير لحواسيب ومعالجات الكم الأخرى التي تروج لها “غوغل” و”آي بي إم”. أطلق على هذا الابتكار اسم “ماجورانا1” (Majorana). وبينما تتسابق الشركات من أجل تقديم نماذج الذكاء الاصطناعي الأفضل والمنتجات الأكثر قوة، فإن الوصول إلى الحاسوب الكمومي التجاري يُعتبر نقطة التحول التي ستحدد السباق بين الشركات التقنية خلال العقود القادمة.
من سيتمكن من تحقيق إنجاز الحصول على حاسوب كمومي صالح للاستخدام التجاري، سيهيمن على عالم التقنية في العقود والقرون المقبلة، وذلك لأن قيمة هذا الابتكار توازي أهمية الترانزستورات التي أُخترعت في عام 1947، والتي شكلت الأساس للنهضة التقنية والأجهزة الكهربائية على مستوى العالم.
لذا، تتسابق الشركات بسرية تامة للوصول إلى الحاسوب الكمومي التجاري. بالرغم من وجود العديد من الشركات التقنية العالمية، إلا أن هذا السباق يقتصر على العمالقة الأربعة: “مايكروسوفت” و”آي بي إم” و”غوغل” و”أمازون”، حيث يعود أبرز اكتشافين في السنوات الأخيرة في هذا المجال لصالح “مايكروسوفت” و”غوغل”، حيث صرحت الأخيرة عن حاسوب “ويلو” (Willow) قبل أيام قليلة من إعلان “مايكروسوفت”.

لماذا تحظى الحواسيب الكمومية بكل هذه الأهمية؟
تراجعت المنتجات التقنية في جميع مجالات حياتنا اليومية، ومع ذلك، فإن جميع هذه المنتجات تنحدر من نقطة واحدة وهي وحدة المعالجة المركزية، التي تُعتبر العقل المدبر لتلك الأجهزة الذكية التي تمكّنها من العمل وتنفيذ وظائفها الحوسبية المختلفة.
من المعروف أن قوة الجهاز التقنية وقدرته على التعامل مع الأوامر تعتمد بشكل مباشر على القوة الحاسوبية لوحدته المعالجة المركزية. فعندما تكون المعالج المركزي قويًا، يكون الحاسوب أكثر قوة وسرعة في تنفيذ الأوامر، مما يجعل الهواتف أكثر فعالية وسرعة.
ورغم أن المعالجات المتاحة حاليًا تكفي لأداء المهام التجارية والشخصية المعتادة، إلا أنها قد تعجز عن تنفيذ الاستخدامات العلمية المتطورة، ومن المتوقع أن تصبح غير كافية للاستخدامات التجارية في المستقبل وفقًا لقانون “مور” (Moore’s Law)، والذي ينص على أن القوة الحاسوبية تتضاعف كل عامين، مما يعني أننا سنصل إلى نقطة لن تستطيع فيها الحواسيب التقليدية التعامل مع المتطلبات الحوسبية. وهنا يظهر دور الحواسيب الكمومية.
إذ تمتلك هذه الحواسيب قوة هائلة تتجاوز قدرة الحواسيب التقليدية، ولا تتعامل مع وحدات المعلومات المعروفة “بت” بل تستخدم وحدة خاصة تُسمى “كيوبت” (Qubit)، وهي وحدة تخزين كمومية.
من خلال استخدام الحواسيب الكمومية، يمكن إجراء تجارب علمية كانت ستستغرق سنوات في الحواسيب التقليدية، ولكن في ثوانٍ قليلة. مثلاً، يمكنك إجراء تجربة لاكتشاف تركيبة دواء ناجح في ثوانٍ معدودة بدلاً من الاعتماد على الحواسيب التقليدية وقضاء سنوات في ذلك.
يمكن تشبيه قوة الحواسيب الكمومية بفيلم “أفينجرز: إيند جيم” (Avengers: End Game)، حينما طلب توني ستارك من حاسوبه إجراء محاكاة سريعة للكشف عن طريقة السفر عبر الزمن، وقد تمكن من الوصول إلى النتائج النهائية في دقائق معدودة. ورغم أن هذا المشهد يُظهر مبالغة سينمائية، إلا أنه يعكس الفهم الأساسي لاحتياجات الحوسبة الكمومية. فهي توفر لنا القدرة على إجراء عمليات حاسوبية ضخمة تستغرق عادةً سنوات عدة، ولكن في ثوانٍ معدودة.
بالطبع، ينطبق هذا المفهوم على كافة أنواع العمليات التي تتطلب قوة حاسوبية، مثل تطوير الألعاب وإنشاء العوالم الافتراضية والعملات الرقمية أو حتى إنتاج مقاطع الفيديو ثلاثية الأبعاد. لكن التحديات المرتبطة بتشغيل الحواسيب الكمومية وتكاليف بنائها تتيح لها في الوقت الراهن حصر استخدامها في الأبحاث العلمية المعقدة، وليس في البرنامجات التجارية المعتادة.
ماذا ابتكرت “مايكروسوفت”؟
عندما صرحت “مايكروسوفت” عن حاسوبها الكمومي الجديد “ماجورانا 1″، قدمت 4 اكتشافات استثنائية تُعتبر الأولى من نوعها في عالم الحواسيب الكمومية، وتشمل:
اكتشاف حالة جديدة من المادة تُدعى “موصل فائق التوبولوجي” (topological superconductor)، اكتشاف وسيلة لقياس الحالة الكمومية دون تدميرها، تطوير أسلوب لتخزين المعلومات باستخدام هذه الحالة الجديدة، وابتكار طريقة لمضاعفة وإنتاج هذه الحالة صناعيًا.
تعتبر “مايكروسوفت” أن ما اكتشفته هو حالة جديدة من المادة، تشبه الحالة السائلة والصلبة والغازية. فـ”الموصل الفائق التوبولوجي” يُمثل حالة جديدة للمادة تختلف عن الأنماط المعروفة.
احتاجت “مايكروسوفت” لتطوير هذه المادة الجديدة من أجل التحكم والمراقبة على الحالة الكمومية لجزئيات “ماجورانا”، والتي سميت الرقاقة الجديدة على اسمها. وتمثل جزئيات “ماجورانا” الحالة والمادة المضادة في آن واحد، مما يعني أن كل جزيء من “ماجورانا” يحمل خاصية تلك المادة وما تقابلها من المادة المضادة. بفعل هذه الخاصية، لا تتأثر الجزيئات بأي عوامل خارجية، مما يجعلها محمية من التأثيرات المدمرة المحتملة.
باستخدام الحالة التوبولوجية الجديدة وجزيئات “ماجورانا”، استطاعت “مايكروسوفت” بناء أنظمة كمومية تتسع لمليون “كيوبت” في شريحة صغيرة قابلة للإنتاج التجاري.
بالطبع، هذه الشريحة الصغيرة تقدم حلولاً للعديد من التحديات المرتبطة بالحواسيب الكمومية الأخرى، مثل حجم الحاسوب ومكان تخزينه، بالإضافة إلى صعوبات تبريد الشرائح والرقائق كبيرة الحجم التي كانت مستخدمة سابقًا.
إلى جانب ذلك، فإن أحد التحديات الكبرى التي تواجه الحواسيب الكمومية وشرائحها هو وجود أخطاء تجعلها غير مستقرة وعرضة للتلف، مما يؤدي لفقدان المعلومات. لكن مع اكتشاف “مايكروسوفت” الجديد واستخدام جزيئات “ماجورانا”، أصبحت أسباب تلف الشرائح غير قائمة، مما أدى إلى تقليل معدل الخطأ وفقدان المعلومات بشكل ملحوظ.
البحث الأطول في تاريخ “مايكروسوفت”
لم يكن الوصول إلى حواسيب “ماجورانا 1” عملية سهلة أو مجرد نتيجة أبحاث قصيرة، بل يُعد هذا البحث الأطول في تاريخ “مايكروسوفت” التجاري، حيث قد مر على عدة رؤساء تنفيذيين، وقد بدأ منذ أكثر من 19 عامًا وشمل أكثر من 160 باحثًا.
وعلى الرغم من إعلان الشركة عن الوصول إلى الرقائق المطلوبة وإمكانية إنتاجها، إلا أن هذه الخطوة تمثل بداية أخرى لرحلة أطول، إذ يرى فريق “مايكروسوفت” ضرورة بناء مليون شريحة من “ماجورانا1” لتحقيق الاستفادة المثلى منها في الحواسيب الكمومية. كما تهدف الشركة إلى إنتاج هذه الشرائح تجاريًا بحلول عام 2027.