تسعى منظمة آسيان، التي تضم 10 دول، إلى تعزيز التعاون مع الصين ودول مجلس التعاون الخليجي لتشكيل كتلة اقتصادية مؤثرة بحجم ناتج محلي يتجاوز 23 تريليون دولار سنويًا. ويشير رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم إلى أهمية القمة الثلاثية في كوالالمبور لتعزيز الشراكات الماليةية والتكنولوجية. يتوقع ولي العهد الكويتي زيادة التجارة بين الخليج وآسيان إلى 180 مليار دولار بحلول 2032. كما يرى رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ بأن التعاون بين المجموعات الثلاث يمكن أن يساهم في بناء حضارة مشتركة. العلاقات تشمل أيضًا الروابط الثقافية والتاريخية، مع التركيز على التكامل الماليةي والتعاون الاستقراري.
كوالالمبور- يعتبر المراقبون للتغيرات السياسية والماليةية في جنوب شرقي آسيا أن منظمة آسيان، التي تضم عشر دول، تسعى لضم الصين ودول مجلس التعاون الخليجي لتشكيل كتلة اقتصادية عالمية فعالة ومؤثرة، حيث يُقدّر حجم الناتج المحلي لهذه الكتل الثلاث بأكثر من 23 ترليون دولار سنوياً.
ونوّه رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم في افتتاح قمة آسيان والخليج، ومن ثم قمة آسيان والصين والخليج يوم الثلاثاء، على أن قمة كوالالمبور تُعدّ استثنائية وتمثل نموذجاً للتعاون في عالم متعدد الأقطاب.
ورأى أن حضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للقمة الثلاثية أعطى زخماً خاصاً، ويشير إلى حرص قطر على إقامة جسور التعاون بين دول مجلس التعاون وآسيان والصين.
عقدنا اليوم في كوالالمبور القمة الثانية بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول آسيان، في إطار تعزيز الشراكة مع هذا التكتل الآسيوي الحيوي.
نتطلع إلى أن تُسهم مخرجات القمة في توسيع آفاق التعاون التجاري والماليةي والسياسي بما يخدم مصالح شعوبنا المشتركة. pic.twitter.com/5uqKvdtC7X— تميم بن حمد (@TamimBinHamad) May 27, 2025
شراكات مرتقبة
ولفت أنور إبراهيم، بصفته رئيس الدورة الحالية لآسيان، إلى الشراكات الماليةية المرتقبة بين المجموعات الثلاث، والتي تهدف إلى خلق مركز للاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات والطاقة، وقد أشاد بالتجربة الصينية الناجحة في مكافحة الفقر وتحقيق أداء اقتصادي متميز، ثم الانتقال إلى التحول الرقمي والتقنية الحديثة.
استنادًا إلى الأرقام الماليةية، فقد لفت رئيس الوزراء الماليزي إلى وجود فرص كبيرة للشراكة الماليةية، موضحًا أن الناتج المحلي لمجموعة آسيان يُقدّر بنحو 3.8 مليارات، مما يجعلها رابع أقوى اقتصاد في العالم، كما بلغت التجارة بين كتلة آسيان ودول مجلس التعاون الخليجي أكثر من 130 مليار دولار، بينما تعد الصين الشريك الماليةي الأكبر لآسيان بحجم تجارة يصل إلى 700 مليار دولار.
بدوره، اعتبر ولي العهد الكويتي صباح الخالد الصباح أن القدرات السكانية والماليةية والتكنولوجية لكل من آسيان والصين والخليج تشكل أساساً لتعاون مثمر في مجالات متعددة، لمواجهة التحديات البيئية ومحاربة التطرف والاستقرار السيبراني والجريمة الإلكترونية.
توقع الصباح، الذي يترأس بلاده الدورة الحالية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن يبلغ مستوى التبادل التجاري بين دول الخليج وآسيان 180 مليار دولار، بزيادة قدرها 30% بحلول عام 2032، مشيرًا إلى إمكانية الاستفادة من تجربة دول آسيان في تكنولوجيا الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.

شراكة وسوق حرة
في كلمته خلال القمة الثلاثية، اعتبر رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ أن الشراكة تهدف إلى تقديم نموذج مثالي للتعاون يتناسب مع الظروف الراهنة والتغييرات في مجالات النمو، بالاستفادة من إمكانات المناطق الماليةية الثلاث التي تشكل ربع إنتاج العالم.
كما أعرب تشيانغ عن استعداد بلاده للمشاركة في حوار آسيان ومجلس التعاون على أمل التوصل إلى منطقة تجارة حرة، وإقامة سوق مشتركة للمجموعات الثلاث “الصين وآسيان والخليج”.
وشدد رئيس الوزراء الصيني على أهمية بناء نموذج للتعاون التنموي على مختلف الأصعدة، مشيراً إلى ضرورة أن لا تكون الفروقات بين الدول عائقاً أمام التعاون والتنمية، بل يمكن أن تكون حافزًا لذلك، معبراً عن استعداد الصين لتقديم خبراتها في مجال التحول للدول الأقل نمواً.
#الصين: نتطلع لتوسيع التعاون مع دول “آسيان” ومجلس التعاون الخليجي لدعم نظام التجارة متعددة الأطراف pic.twitter.com/d6tJnlBrmS
— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 22, 2025
أبعاد غير اقتصادية
تمت الإشارة إلى أن العلاقات بين المجموعات الثلاث تتجاوز الجانب الماليةي لتشمل الروابط التاريخية والثقافية. وقد استحضر رئيس الوزراء الماليزي أهمية العلاقات التاريخية عبر طريق الحرير وممر ملقة الإستراتيجي كوسيلة لتبادل الثقافات بين الشرق والغرب. كما لفت إلى أهمية الممرات البحرية الاستراتيجية في الشرق الأوسط وتعزيز الروابط بين مناطق شرق وغرب آسيا.
بينما اعتبر أنور إبراهيم أن مكة والمدينة تمثلان مركزًا روحياً لمختلف المواطنونات، اعتبر لي تشيانغ أن الثلاثة يمكنهم العمل معًا لبناء حضارة مشتركة تستند إلى قيم التنوع في آسيان وتعزز العلاقات الشعبية بين المناطق الثلاث. ونوّه أن الصين تدعم حوار الحضارات.
ونفى الأمين السنة لمجلس التعاون الخليجي، جاسم محمد البديوي، وجود تكتل اقتصادي جديد على حساب آخر، مشيراً إلى أن دول الخليج تؤكد على تعاطيها المتوازن مع دول العالم بما فيها الولايات المتحدة وأهمية شراكتها الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي.
ونوّه أن دول مجلس التعاون تتسم بمرونة في التعامل مع شتى التكتلات الماليةية، مع التركيز على المصلحة المشتركة.

البناء وتقليص الثغرات
وشدد الأمين السنة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في حديثه للجزيرة نت على أهمية التكامل الماليةي، وضرورة البحث عن إمكانيات تعاون الكتل الماليةية المختلفة.
ولفت إلى تطلع دول الخليج للأمن الغذائي والزراعة والمالية الأزرق، معبراً عن أهمية فتح الأسواق لخدمة شعوب المناطق الثلاث.
من جانب آخر، نوّه يي سن الباحث في مركز آسيا والمحيط الهادي (آسيا باسيفيك) أن الشراكة الخليجية الآسيانية الصينية تواجه تحديات، أبرزها الهوة الكبيرة بين مداخيل الأفراد في كل دولة.
وأضاف أن التحولات الماليةية تسير بسرعة بسبب تقدم التقنية والتواصل الرقمي، وإذا استطاعت هذه الدول تعزيز الشراكات وتبادل الخبرات، فقد تتحقق رؤية آسيان 2045 نحو الانفتاح الماليةي والاجتماعي قبل الموعد المحدد.
ويعتقد سَن الخبير في سياسات آسيان أن الرسوم الجمركية الأمريكية قد أضرت بمركزية مجموعة آسيان، حيث تواجه صعوبة في اتخاذ موقف موحد في التعامل المستقبلي مع الولايات المتحدة، مما قد يؤثر على وحدة آسيان على الصعيد العالمي.

من جانبه، يعتقد الدكتور إي تي كوماراجان، نائب رئيس غرفة الصناعة والتجارة في ماليزيا، أن الوضع الاستراتيجي لآسيان يؤثر على التجارة واحتياج الصين للطاقة، حيث تأتي 80% منها من الشرق الأوسط عبر ممر ملقة.
ويوفر الموقع الجغرافي لآسيان فرصاً كبيرة لربط الشرق والغرب، ليس فقط في مجال المالية، ولكن أيضاً على الأصعدة الاجتماعية والسياسية، حيث اتفقت دول آسيان على الانتقال إلى المرحلة الثانية من علاقاتها مع العالم من خلال شراكات جديدة مع الكتل الماليةية.
نوّه الخبير في التجارة الدولية أن دول آسيان تتيح فرصةً لزيادة استثمارات الصناديق السيادية لدول مجلس التعاون، التي تشكل 40% من احتياطي الصناديق السيادية في العالم، بينما تحتل المرتبة 16 بين الدول المستثمرة في منطقة آسيان.
ويظل رأي الدكتور كوماراجا أن تحتفظ آسيان بهويتها التي تبنتها عند تأسيسها عام 1967، المتعلق بتنوعها الثقافي والانفتاح على الآخرين في إطار نظام دولي عادل، مشيراً إلى الاضطرابات التي يعاني منها النظام الحاكم الدولي حالياً، كما يتجلى في الرسوم الجمركية الأمريكية.