شنت أوكرانيا هجومًا كبيرًا ضد روسيا، مستهدفة قاذفات بعيدة المدى في سيبيريا، مما تسبب في خسائر تقدر بـ7 مليارات دولار. استخدمت أوكرانيا طائرات مسيرة خفيفة، مع تنفيذ الهجوم من داخل الأراضي الروسية. وقد استهدفت العملية، المسماة “شبكة العنكبوت”، قواعد عسكرية في عدة مناطق، مما أدى إلى تدمير 34% من القاذفات الاستراتيجية الروسية. الهجوم يأتي في وقت تتزايد فيه الجهود الدولية لإنهاء النزاع، قبيل محادثات السلام في إسطنبول. روسيا، رغم صمتها الرسمي، استمرت في قصف أوكرانيا، مما يزيد من التوترات بين الطرفين.
قامت أوكرانيا أمس الأحد بتنفيذ واحدة من أكبر هجماتها في المواجهة المستمر مع روسيا، حيث استهدفت القاذفات الروسية البعيدة المدى القادرة على إطلاق رؤوس نووية في سيبيريا، بالإضافة إلى قواعد عسكرية أخرى، مما نتج عنه أضرار وخسائر مادية كبيرة.
ما حدث أمس في هجوم “شبكة العنكبوت” الذي وُصف بأنه الأكثر عنفاً، كبد روسيا خسائر تقدر بنحو 7 مليارات دولار في دقائق معدودة وباستخدام أسلحة منخفضة التكلفة؟.
كيف وقع الهجوم؟
استهدفت أوكرانيا باستخدام طائرات مسيرة قاذفات روسية بعيدة المدى في قاعدة عسكرية في سيبيريا، وهو الهجوم الأول من نوعه حتى الآن نظرًا لبعد خطوط المواجهة عن بعضها بمسافة تزيد عن 4300 كيلومتر.
قدمت مقاطع الفيديو والصور التي لم يتم التحقق من صحتها والتي تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد لقاذفات استراتيجية روسية، المصممة لإسقاط قنابل نووية على أهداف بعيدة، وهي مشتعلة في قاعدة بيلايا الجوية شمال إيركوتسك بعد دخول عشرات الطائرات المسيرة الأوكرانية عليها.
ونوّهت الأجهزة الاستقرارية الأوكرانية أنها نفذت “عملية خاصة واسعة النطاق” استهدفت أربعة مطارات عسكرية موزعة في أنحاء روسيا.
ولفتت إلى إصابة حوالي 41 طائرة روسية تستخدم “للقصف على المدن الأوكرانية”، خاصة القاذفات الاستراتيجية مثل تو-95 وتو-22 وطائرات الرادار إيه-50.
تجري أوكرانيا بانتظام هجمات بطائرات مسيرة على مواقع داخل روسيا خلال فترة الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات، لكن هذه المرة يبدو أنها اعتمدت أسلوباً مختلفاً تماماً.
بينما كشفت وزارة الدفاع الروسية أن الطائرات المسيرة أطلقت من مواقع “قريبة مباشرة” من المطارات، مما يعني أنها انطلقت من داخل الأراضي الروسية. وأضافت أن الهجوم استهدف أيضاً مطارات في مناطق إيفانوفو وريازان وأمور، قرب النطاق الجغرافي مع الصين في أقصى شرق روسيا، لكن تلك الهجمات تم التصدي لها.
ما الأسلحة المستخدمة؟
وفق تقارير أوكرانية، قامت كييف بتهريب طائرات مسيرة إلى روسيا، حيث تم إخفاؤها في هياكل خشبية في سقف حاويات شحن، تم فتحها عن بعد لإطلاق الطائرات.
كما أظهرت مقاطع الفيديو التي نقلتها وسائل الإعلام الروسية لكن لم يتم التحقق من صحتها طائرات مسيرة تنطلق من شاحنات.
صرح القائد فولوديمير زيلينسكي أن أحد المواقع التي اتُخذت منها العملية في روسيا “يقع بجانب مكتب” جهاز الاستقرار الفدرالي الروسي (أف اس بي).
تم التخطيط للعملية الأوكرانية المسماة “شبكة العنكبوت” لمدة تجاوزت السنة والنصف، وقد أشرف عليها زيلينسكي، وفقاً لمصادر أوكرانية.
ونوّه زيلينسكي أن الهجوم تم باستخدام 117 طائرة مسيرة، مع عدد مشابه من العناصر الذين “تم إخراجهم من الأراضي الروسية في الوقت المناسب”.

لماذا لم تكتشفه موسكو؟
على الرغم من قلة التفاصيل التي أفصح عنها القوات المسلحة الروسي حول الهجوم وأضراره، تحدث مدونون ومحللون روس عن “فشل استخباراتي” في بلادهم.
وأعرب مدونون عسكريون روس عن استنكارهم لما وصفوه بـ”يوم أسود للطيران” بسبب الأضرار التي لحقت بعدة مطارات روسية، حيث دُمِرت حوالي 40 طائرة بما في ذلك القاذفات الإستراتيجية، لتصل قيمة الخسائر إلى حوالي 7 مليارات دولار.
واعتبرت قناة تلغرام “ريبار” المرتبطة بالقوات المسلحة الروسي أن “هذه، دون مبالغة، ضربة قاسية للغاية”، مشيرة إلى “الأخطاء الخطيرة” التي ارتكبتها الاستخبارات الروسية.
من جهة أخرى، أشاد زيلينسكي، إلى جانب مسؤولين أوكرانيين آخرين، بالنتائج ووصفها بأنها “رائعة للغاية” و”تستحق أن تذكر في كتب التاريخ”.
ما الخسائر الناجمة؟
صرح جهاز الاستقرار الأوكراني أمس الأحد أن الهجوم بالطائرات المسيرة ألحق أضراراً بالطيران العسكري الروسي تفوق تكلفتها 7 مليارات دولار، مستهدفةً 34% من القاذفات الروسية الإستراتيجية الحاملة لصواريخ كروز.
اليوم الاثنين، لفت أندريه كوفالينكو، المسؤول في مجلس الاستقرار والدفاع الوطني الأوكراني، إلى تدمير 13 طائرة على الأقل خلال الهجوم على القواعد الجوية الروسية أمس الأحد، في حين نوّهت مصادر أوكرانية أخرى أن عدد الطائرات المعطلة أو المدمرة تجاوز 40.
بدورها، اعترفت وزارة الدفاع الروسية بحدوث حرائق في عدة طائرات عقب إطلاق الطائرات المسيرة في منطقتي مورمانسك وإيركوتسك، إلا أنها لم تقدم تفاصيل إضافية حول حجم الخسائر أو قيمتها.

ما التداعيات؟
وسط توقعات مراقبين بأن يكون الرد الروسي “قاسياً” و”غير مسبوق” على الهجوم الأوكراني الكبير والمفاجئ الذي استهدف مطارات عسكرية بعيدة عن النطاق الجغرافي بين البلدين، تمتنع موسكو عن التعليق الرسمي بشأن الرد المتوقع.
تدّعي بعض الأوساط السياسية والإعلامية الروسية أن الضربات التي وقعت يوم الأحد واستهداف القاذفات الروسية تحمل دلالة استراتيجية مقارنة بحادثة “بيرل هاربور” الأمريكية التي أدت إلى دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية ضد اليابان باستخدام القنابل النووية.
واعتبر بعض المحللين أن ضربة الأحد تمس العقيدة النووية الروسية التي تم تعديلها خلال الحرب، نظرًا لاستهدافها للقاذفات الاستراتيجية، مما يستدعي “رداً نووياً من قبل روسيا”، لكن موسكو لم تعلن حتى الآن بشكل رسمي عن خسائرها أو عن خطوات الرد المحتملة.
ورغم الصمت الرسمي، تواصل موسكو هجوماً شبه يومي على الأراضي الأوكرانية، حيث نوّهت القوات الجوية الأوكرانية يوم الأحد أن روسيا أطلقت 472 طائرة مسيرة على البلاد خلال ساعات، وهو أعلى عدد لطائرات مسيرة في هجوم ليلي منذ بداية الحرب.
كما ذكرت القوات الجوية الأوكرانية في بيان لها أن روسيا أطلقت سبعة صواريخ أخرى، وتم إسقاط 382 من الطائرات المسيرة أو تحييدها، بالإضافة إلى إسقاط ثلاثة من تلك الصواريخ.
توقيت الهجوم؟
يأتي الهجوم الأوكراني الكبير في وقت تركز فيه واشنطن جهودها لإيجاد حل للنزاع القائم بين موسكو وكييف، وسط تراجع عسكري لأوكرانيا في بعض الجبهات، ومحاولات كييف لحشد الدعم الغربي مرة أخرى لمواجهة الهجوم الروسي واستعادة الأراضي التي سيطرت عليها موسكو خلال فترة الحرب.
كما جاء الهجوم قبل يوم واحد من لقاء مسؤولين روس وأوكرانيين في مدينة إسطنبول بتركيا لإجراء الجولة الثانية من محادثات السلام المباشرة منذ عام 2022.
يعتقد المحللون أن توقيت الهجوم الأوكراني القوي وغير المسبوق يسعى لمنح أوكرانيا موقف قوة على طاولة المفاوضات في إسطنبول، حيث يعرف أن القوي هو الذي يملي شروطه عادة عند التفاوض على السلام.
منذ عودته لمنصب الرئاسة في يناير/كانون الثاني الماضي، يُلحّ القائد الأمريكي دونالد ترامب على ضرورة إحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا، ولكن لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق، وقد أنذر البيت الأبيض مراراً من أن الولايات المتحدة “ستنسحب” من جهود إنهاء الحرب إذا استمر تعنت الطرفين ورفضهما التوصل إلى سلام.
أسفرت الجولة الأولى من المحادثات في 16 مايو/أيار الماضي عن أكبر عملية تبادل للأسرى خلال فترة الحرب، لكنها لم تسفر عن أي بادرة للسلام، أو حتى وقفٍ لإطلاق النار، إذ اكتفى الطرفان بتحديد موقفيهما التفاوضيين الأساسيين.