إعلان


تتزايد التوترات في العلاقات الأميركية الإسرائيلية نتيجة تغيرات في سياسة إدارة ترامب، التي تجاوزت التقليدية لدعم إسرائيل. تتصاعد الخلافات بسبب ملفات عدة، منها الاتفاق المباشر مع حماس ورفع العقوبات عن سوريا، دون الأخذ برغبات نتنياهو. يشير المحللون إلى أن هذه الإستراتيجية تسعى لتحقيق إنجازات شخصية لترامب، حيث يعيد ترتيب الأولويات الأميركية، مع تركيز على مصالح أمريكا على حساب الاعتبارات الإسرائيلية. هذه التحولات تعكس تحول إسرائيل من شريك معتمد إلى طرف ثانوي في الإستراتيجية الإقليمية، دون أن تعني قطيعة استراتيجية أو تجاهل تام لمصالحها.

تتزايد مؤشرات التوتر في العلاقات الأميركية الإسرائيلية بعد أن قامت إدارة القائد الأميركي دونالد ترامب بعدة خطوات اعتُبرت خروجًا عن الثوابت التقليدية لدعم إسرائيل، وفقًا لتأكيدات مجموعة من المفكرين والباحثين في تصريحاتهم للجزيرة نت.

إعلان

وتتفاقم الخلافات بين إدارة ترامب وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول عدة قضايا في المنطقة، حيث تجاوزت الولايات المتحدة إسرائيل، وأبرزها الاتفاق المباشر مع حركة حماس لتحرير الأسير الأميركي عيدان ألكسندر بشكل فوري.

كما يشمل ذلك الاتفاق الأميركي مع جماعة الحوثيين في اليمن لوقف الهجمات المتبادلة دون أن يتضمن إسرائيل، إضافة إلى التقدم في المفاوضات بين واشنطن وطهران رغم عدم رضا إسرائيل، وكان آخر هذه التطورات قرار ترامب برفع العقوبات المفروضة على سوريا.

تأتي هذه التغيرات في سياق جولة خليجية للرئيس الأميركي تشمل ثلاث محطات (السعودية، قطر والإمارات)، حيث شارك في يومه الأول في الرياض في القمة الخليجية الأميركية، كما عقد اجتماعًا غير مسبوق مع القائد السوري أحمد الشرع، بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والقائد التركي رجب طيب أردوغان.

اليوم الأربعاء، بدأ ترامب زيارة إلى العاصمة القطرية، وذكرت وسائل إعلام أميركية أن الدوحة شهدت محادثات لبحث وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بمشاركة وفد إسرائيلي رفيع المستوى بالإضافة إلى المبعوث الأميركي الخاص بالشرق الأوسط ستيف ويتكوف والمبعوث الأميركي لشؤون المحتجزين آدم بولر.

2214388699 1747243211
ترامب (وسط) شارك أمس الثلاثاء في قمة خليجية أميركية بالرياض (غيتي)

تصاعد الخلافات

يتفق المحللون الذين تحدثوا للجزيرة نت على أن هذه التحولات لا تنبع من رؤية فلسفية متكاملة بقدر ما ترتبط بعوامل شخصية لدى ترامب ورغبته في تحقيق إرث رئاسي وإنجازات غير معتادة، حتى لو تطلب الأمر تجاوز رغبات نتنياهو وتهميش الدور الإسرائيلي في قضايا إقليمية حساسة.

يعتبر المفكر الفلسطيني والعربي منير شفيق أن سياسات ترامب الأخيرة المتعلقة بقضايا المنطقة تتعارض صراحة مع مواقف حكومة نتنياهو، مما يكشف عن خلاف عميق بين واشنطن وتل أبيب. ويشير شفيق إلى أن فتح باب المفاوضات مع حماس أحدث صدمة في الأوساط الإسرائيلية، لأنه ينطوي على اعتراف ضمني بحماس كطرف فلسطيني، مما دفع إسرائيل لفرض ضغوط كبيرة لوقف هذا الاتجاه.

أما الاتفاق مع الحوثيين، فيعتبره شفيق انتصارًا للجماعة وعزلة متزايدة لإسرائيل وحتى للموقف البريطاني، بينما اعتبر العودة إلى التفاوض مع إيران “ضربة قاسية” لنتنياهو، الذي كان يراهن على نشوب حرب أميركية إسرائيلية ضد طهران.

ويضيف المفكر الفلسطيني أن قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا يتعارض مع رغبة نتنياهو في إبقاء سوريا ضعيفة ومجزأة تحت القصف والتدخل. ويشير إلى أن هذه الخلافات، رغم أنها تعكس عقيدة التحالف العضوي بين أميركا وإسرائيل، تكشف عن صراع قيادة بين الطرفين قد يصل إلى لحظة حاسمة لمصير نتنياهو السياسي، حسب وصفه.

دوافع ترامب الحقيقية

ووفقًا للكاتب والباحث السياسي أسامة أبو أرشيد من واشنطن، فليس من الممكن اختصار التحولات في سياسة ترامب في المنطقة بشعار “أميركا أولا” فقط، رغم ظهوره القوي في نهج القائد. موضحًا أن هذه المقاربة تتسم بالطابع البراغماتي والسريع التغير.

يوضح أبو أرشيد في نقاط تحليلية أن دوافع ترامب الحقيقية التي تحرك مواقفه السياسية وقراراته تخضع لمزيج من الأبعاد الشخصية والمؤسساتية كما يلي:

  • البعد الفلسفي: التغيرات السياسية والتطورات التي تظهر في سياسات إدارة ترامب تجاه المنطقة تعكس بشكل عام فلسفة “أميركا أولا”، حيث تكون المصلحة الأميركية حاضرة وفقًا لرؤية ترامب.
  • البعد الشخصي: شخصية ترامب تميل إلى الاعتبار الفردي والسعي للتميز وصنع إنجازات شخصية تُسجل باسمه، مما يجعله يتخذ قرارات تتجاوز أحيانًا الخط التقليدي للسياسة الأميركية.
  • الإرث الرئاسي: يسعى ترامب في ولايته الثانية إلى ترك إرث سياسي حقيقي يُخلد في التاريخ الأميركي، مما يدفعه لتحقيق اختراقات في قضايا شائكة فشل فيها الرؤساء السابقون، مثل التفاوض مع إيران أو التوصل لاتفاق مع الحوثيين أو الانفتاح على حماس.
  • البعد التعاقدي: يتمثل هذا البعد في السعي وراء “صفقات” أو نجاحات تُسجل كنتيجة مباشرة لعمله، حتى لو كان ذلك على حساب حلفاء تاريخيين مثل إسرائيل.

ويدرك أسامة أبو أرشيد أن هذه العوامل مجتمعة تقود ترامب إلى إعادة ترتيب الأولويات الأميركية في المنطقة؛ فعندما يشعر أن إسرائيل أصبحت عبئًا أو تعرقل طموحاته، فإنه لا يتردد في تجاوزها بما يخدم مصالحه الذاتية ومصالح أميركا كما يراها.

وضرب الباحث والكاتب الفلسطيني أمثلة عدة، منها:

  1. عدم ربط المفاوضات مع السعودية أو الدفاع عن مصالحها باتفاقيات مع إسرائيل، خاصة في ظل تعثر التقدم في ملف وقف إطلاق النار في غزة.
  2. تجاهل الشروط الإسرائيلية في التعامل مع سوريا، حيث قام ترامب برفع العقوبات عنها رغم اعتراضات نتنياهو المتكررة.
  3. فتح قناة تفاوضية مع حماس، رغم الرفض الإسرائيلي الواضح.

إزاحة إسرائيل

قد تشكل تحركات ترامب في قضايا المنطقة خطرًا حقيقيًا على إسرائيل حاليًا، إذ إن نجاح واشنطن في بناء تفاهمات إقليمية دون مشاركة تل أبيب يعتبر إزاحة قد تنقل إسرائيل إلى مستوى هامشي في المشهد الإقليمي، مما يجعلها في موقع تابع للقرارات الأميركية، ولم تعد شريكا استراتيجياً مؤثراً، وفقًا لما يراه الكاتب المتخصص في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين.

يؤكد جبارين أن توجهات إدارة ترامب أظهرت تغيرًا حقيقيًا في النهج الأميركي تجاه إسرائيل، حيث انتقلت من مجرد ترديد شعار “أميركا أولا” إلى تطبيقه بواقعية على الأرض.

يرى المختص في الشأن الإسرائيلي أن ترامب، رغم نزعته الشعبوية في بعض الأحيان، قد أدَار الملفات الساخنة في الشرق الأوسط ببراغماتية واضحة، وغير بشكل ملموس مبدأ التعامل الأميركي مع إسرائيل، معتبراً إياها شريكا يمكن تجاوزه إذا اقتضت المصلحة.

يوضح جبارين أن إدارة ترامب كسرت احتكار إسرائيل لملف التفاوض مع حركة حماس من خلال فتح خط حوار مباشر مع الحركة، في خطوة وصفها بأنها “كسرت أحد أقدس المحرمات” بالنسبة للمؤسسة السياسية الإسرائيلية.

علاوة على ذلك، جاءت عملية إطلاق سراح الأسير الأميركي عيدان ألكسندر لتعزز من صورة ترامب كزعيم حازم قادر على فرض السياسات الأميركية دون الحاجة لإشراك تل أبيب أو تلبية شروطها.

فيما يتعلق بالملف اليمني، يشير جبارين إلى أن واشنطن ابتعدت عن الانخراط العسكري بجانب تل أبيب في مواجهة الحوثيين، كما رفضت التورط في صراعات لا تعكس المصالح الأميركية بشكل مباشر، رغم الضغوط الإسرائيلية المستمرة.

فيما يخص إيران، يؤكد أن العودة الأميركية إلى طاولة المفاوضات مع طهران كانت بمثابة صدمة جديدة لنتنياهو، واعتبرت في الأوساط الإسرائيلية تراجعًا عن دعم مشروع “التصعيد الدائم” ضد إيران. ويضيف أن هذه الخطوة قُرأت في إسرائيل على أنها بداية تفكيك لمعادلة “إسرائيل أولا” لصالح رؤية أميركية تفضل الاستقرار وتراعي مصالح واشنطن الإستراتيجية.

وعن سوريا، يبَيّن جبارين أن خطوة تخفيف العقوبات عن دمشق أغضبت السلطة التنفيذية الإسرائيلية التي كانت ترغب في بقاء سوريا ضعيفة ومعزولة ومشتتة، لكن واشنطن اختارت تمهيد الطريق لتسوية إقليمية بمشاركة دول عربية فاعلة، حتى لو جاء ذلك على حساب الدور الإسرائيلي في الملف السوري.

ورغم هذه المقاربات، يجمع المحللون الثلاثة، في تصريحاتهم للجزيرة نت، على أن هذه التحولات لا تعني قطيعة استراتيجية مع إسرائيل، بل هي إعادة تعريف للعلاقة التي تحكمها حسابات المصالح الأميركية بالدرجة الأولى.

واختتموا بأن إسرائيل لم تعد الشريك المقدس الذي لا يمكن تجاوزه، بل أصبحت طرفًا ضمن معادلة أوسع تأخذ في الاعتبار حماية المالية الأميركي وجنوده وتخفيف حدة التوترات في الشرق الأوسط.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا