تُعتبر البراكين ظواهر طبيعية مثيرة ومخيفة، قادرة على تدمير المناطق المحيطة بها. جبل إتنا في صقلية ثار مجددًا مؤخرًا، حيث شهد قذف للحمم والرماد. رغم تحذيرات الطيران، يستمر مطار كاتانيا في استقباله للرحلات. الباحث توماس فالتر يشدد على أهمية “السياحة البركانية المسؤولة”، مأنذرًا السياح من المخاطر المحتملة. تجذب البراكين الزوار لمشاهدة ديناميكيات الأرض، بينما تُشدد السلطات على ضرورة متابعة الأوضاع الميدانية والامتثال لإرشادات السلامة. مع وجود 1500 بركان نشط حول العالم، أصبحت السياحة البركانية تزداد شعبية في مناطق مثل أميركا اللاتينية.
تعد البراكين من الظواهر الطبيعية المروعة، حيث تمتلك القدرة على إبادة القرى بالكامل ودفن المعالم الجغرافية تحت طبقات سميكة من الرماد، بالإضافة إلى التأثير السلبي على حركة الطيران. ورغم هذه المخاطر، لا يزال المنظر البركاني يثير الإعجاب والانبهار، مما جعله وجهة سياحية متنامية تستقطب المسافرين الراغبين في خوض تجربة فريدة.
في جزيرة صقلية الإيطالية، عاد جبل إتنا، الذي يُعتبر أنشط براكين أوروبا وأكبرها، إلى الثوران مجددًا. حيث بدأ يقذف الحمم والرماد البركاني منذ الساعات الأولى من صباح الاثنين الماضي. ورغم رفع مستوى التحذير الجوي إلى اللون الأحمر، يستمر مطار كاتانيا الدولي -الأقرب إلى مكان البركان- في استقبال الرحلات حتى الآن.
السياحة البركانية.. بين المتعة والأنذر
يشير الباحث المتخصص في علوم الأرض توماس فالتر، إلى أن جبل إتنا أصبح وجهة يسهل الوصول إليها، حيث تنطلق جولات منظمة بالحافلات من الفنادق القريبة. ولكنه يأنذر في الوقت نفسه من أهمية ما يسميه بـ”السياحة البركانية المسؤولة”، مؤكدًا على ضرورة أن يكون السياح على معرفة دقيقة بظروف المنطقة قبل زيارتها.
ويتابع فالتر: “رغم أن مشهد الثوران قد يبدو مخيفًا، إلا أن خطر الإصابات بين السياح يظل منخفضًا نسبيًا مقارنة مع مخاطر أخرى مثل تقلبات الطقس أو الارتفاع الكبير في المواقع البركانية، وهذه أمور غالبًا ما يتم التقليل من شأنها”.

فيما يتعلق بإرشادات السفر، لم تصدر وزارة الخارجية البريطانية حتى الآن أي تحذير بشأن السفر إلى صقلية، لكنها أوصت بضرورة الاتصال بشركات الطيران أو مطار كاتانيا قبل الإقلاع، لمتابعة آخر التطورات الميدانية.
أما إدارة الحماية المدنية الإيطالية فقد نوّهت على أهمية اتباع إرشادات السلامة المحلية، مأنذرة من مخاطر المعلومات المضللة التي قد تنتشر بسرعة خلال الأزمات، مما قد يعوق جهود فرق الطوارئ والإنقاذ.
سياحة البراكين.. ظاهرة متصاعدة
مع وجود حوالي 1500 بركان نشط حول العالم، أصبح من الطبيعي أن تتأثر حركة السياحة بتلك الظواهر؛ بل إن بعض السياح بدأوا وضع “تسلق البراكين” ضمن قائمة رغباتهم السياحية، خاصة في مناطق أمريكا اللاتينية.
في جبال الأنديز، على سبيل المثال، تنتشر براكين شاهقة على طول السلسلة الجبلية، ويصل ارتفاع بعض منها إلى أكثر من 6 آلاف متر. وتضم تشيلي وحدها 80 بركانا نشطا. ويعتبر بركان كوتوباكسي في الإكوادور واحدا من أجمل البراكين في العالم، وهو نشط أيضًا، وغالبًا ما تصل سحب رماده إلى العاصمة كيتو.
أما في “حلقة النار” بالمحيط الهادي -وهي المنطقة البركانية الأكثر نشاطا في العالم- هناك حوالي 450 بركانًا نشطا، منها 127 في إندونيسيا. في عام 2010، ثار بركان ميرابي في جزيرة جاوة، مُطلقا سحبا ضخمة من الرماد بلغ ارتفاعها 18 كيلومترا. وقد ساهم إخلاء المنطقة المحيطة مسبقًا في إنقاذ آلاف الأرواح. ويصف فالتر هذا البركان بأنه “خطير للغاية”.

لماذا ينجذب الناس إلى البراكين؟
في تفسير هذا الانجذاب البشري نحو البراكين، يقول فالتر، “تمنحنا البراكين فرصة فريدة لمشاهدة ديناميكيات كوكب الأرض بصورة مباشرة. لا يمكن رؤية الصفائح التكتونية وهي تتحرك، لكن يمكن رؤية الثوران البركاني بشكل واضح. وهذا الفضول البشري قد يعود إلى عصور ما قبل التاريخ؛ فقد كانت النار دائمًا من العناصر التي تثير اهتمام الإنسان”.
يصل ارتفاع جبل إتنا إلى حوالي 3350 مترا، وهو يخضع لمراقبة علمية دقيقة نظرًا لنشاطه المستمر. يشهد البركان ثورات متكررة تُعرف بالانفجارات “السترومبوليانية”، والتي تتميز بجمال بصرى فريد، وتُعتبر من أبرز معالم الجذب السياحي في المنطقة.
وفقًا للمعهد الإيطالي للجيوفيزياء والبراكين، فإن الثوران الأخير شمل انفجارا بيروكلاتيا، وهو نوع من الانهيارات النارية الناتجة عن مزيج من الرماد والصخور والغازات الحارقة. وتشير التقارير الأولية إلى أن المواد المتساقطة بقيت محصورة في وادٍ ناءٍ يُعرف باسم “فالي ديل ليونه”، وهو غير مأهول بالسكان.
كما أفاد المعهد أن النشاط البركاني قد تصاعد ليصل إلى مرحلة “نافورة الحمم البركانية”، حيث يقذف البركان الحمم السائلة بشكل عمودي نحو السماء. وقد صاحب ذلك زيادة ملحوظة في الاهتزازات الأرضية، وتشوهات في سطح الفوهة، تم رصدها باستخدام أجهزة استشعار دقيقة.