بعد التجارب المؤلمة في العراق وأفغانستان، نشأ تيار قومي انعزالي داخل الحزب الجمهوري يعارض التدخلات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط. يتصدر هذا التيار كل من ألبريدج كولبي ومايكل ديمينو في وزارة الدفاع، حيث يعارضان التدخل المباشر ضد إيران، ويؤكدان أن الولايات المتحدة يجب أن تقلل من وجودها العسكري في المنطقة. كولبي، المستشار القائدي لوزير الدفاع، يشدد على أهمية تعزيز قدرات الشركاء الإقليميين. بينما ديمينو، المستشار للسياسات، يرى أن مصالح أميركا في الشرق الأوسط “ضئيلة أو معدومة”. كلاهما يتبنيان رؤية تقضي بعدم الانغماس في حروب جديدة بالمنطقة.
واشنطن – بعد التجارب المؤلمة في العراق وأفغانستان، اللتين شهدتا احتلال أميركا ونزاعاً استمر حوالي 19 عاماً أدى إلى مقتل نحو 7 آلاف جندي أميركي، وجرح 52 ألفاً آخرين، كلفت ما يقارب 7 تريليونات دولار، مصحوبة بمعاناة أكثر من مليون عراقي وأفغاني، برز تيار قومي انسحابي من رحم الحزب الجمهوري يعارض السياسات العسكرية للمحافظين الجدد، داعياً إلى ضبط التورط الأميركي في الشرق الأوسط.
ويبرز بين الشخصيات البارزة في هذا التيار نائب وزير الدفاع للسياسات ألبريدج كولبي، ونائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط مايكل ديمينو، حيث يمثلان حالياً أهم رموز هذه المواقف في البنتاغون.
جاء تعيين هذين المسؤولين، اللذان يمثلان علناً تيار “ماغا“، في فريق الإستراتيجية الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب كخيبة أمل لأنصار إسرائيل وضغوطاتها، خصوصاً بعد فشل محاولاتهم لإثناء ترامب عن تعيينهما، الذي حظي بموافقة غالبية مجلس الشيوخ.
نفوذ الرجلين
بينما ينقسم الجمهوريون بين تيار انسحابي يأنذر من أن تدخل واشنطن تجاه إيران قد يجر البلاد إلى حرب جديدة، وآخر من “الصقور” يدعم خطوات عسكرية ضد إيران، يحرص المسؤولان على تعزيز التيار الانعزالي ويعيقان جهود الضغط على ترامب لمشاركة إسرائيل في عملياتها ضد إيران.
على الرغم من أن بعض المحللين يرون أن بيت هيجسيث، وزير الدفاع، يتبنى مواقف أكثر تشدداً تجاه إيران، إلا أن كولبي وديمينو يسهمان في تقديم المعلومات والبدائل، وسيلعبان دوراً محورياً في صياغة الإستراتيجية.
وبحكم مناصبهما، يتمتع المسؤولان بنفوذ كبير، حيث يتواصلان مع العواصم الاقليمية ويتحكمان في الموارد والخطط، مما دفع بعض مؤيدي إسرائيل للاعتراض بأن لديهما “قدرات واسعة تمارس في الخفاء، وأن هذه الإستراتيجية الخارجية هي ذاتها تبني سياسة باراك أوباما في الشرق الأوسط”.
كولبي ورؤيته
بصفته المستشار القائدي لوزير الدفاع في القضايا الدفاعية والإستراتيجية الخارجية، يتولى كولبي قيادة تطوير استراتيجية الدفاع الوطني ويدير تنفيذها، بالإضافة إلى المسؤوليات المتعددة المتعلقة بالتخطيط للقوى المشتركة وإدارتها. كما يمثّل كولبي الوزارة في النقاشات بين الوكالات الأميركية المختلفة والحكومات الأجنبية.
كولبي يتبنى معارضة للعمل العسكري الأميركي المباشر ضد إيران، معتبراً أن احتواء التهديد النووي الإيراني “هدف معقول وعملي”.
قبل توليه المنصب، كان كولبي مؤسساً مشاركاً لمبادرة ماراثون، وهي مؤسسة بحثية تركّز على إعداد أميركا لعصر من المنافسة المستمرة مع القوى الكبرى، وبرز كأحد الأصوات الرائدة في تعزيز نهج أكثر واقعية في الإستراتيجية الخارجية والدفاعية لأميركا.
خلال فترة حكم ترامب الأولى، شغل كولبي منصب نائب مساعد وزير الدفاع للإستراتيجية، حيث أسهم في تطوير نشر استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018، التي أعادت توجيه الوزارة لتحديد أولوياتها وفق التهديدات المترتبة على التواجد العسكري الصيني.

يؤيد كولبي تقليص الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، التي يعتبرها لديه “أهمية نسبية” من المنظور الجيوسياسي، بالإضافة إلى سحب القوات من الخليج، معتبراً أن أميركا تستطيع مواجهة إيران “بفعالية أكبر” عبر “تعزيز قدرات الشركاء في المنطقة العسكرية”.
قبل أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، دعا كولبي إلى “إعادة ضبط” العلاقة بين أميركا وإسرائيل، مشيراً إلى ضرورة ترك إسرائيل تعتمد أكثر على نفسها في مواجهة تحدياتها الاستقرارية. وفي حين يجب على واشنطن الاستعداد لتقديم الدعم المادي والسياسي، يجب أن توضح لها أنها “غير مستعدة للتورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط، وأن دورها سيكون داعماً فقط”.
ديمينو والشرق الأوسط
يشغل مايكل ديمينو منصب المستشار القائدي للسياسات بوزارة الدفاع في جميع الأمور الدفاعية والاستقرارية المتعلقة بالشرق الأوسط، ويغطي أكثر من 12 دولة، بما في ذلك إسرائيل وإيران.
عمل ديمينو سابقاً محللاً عسكرياً في وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه“، وكان مسؤولاً في وزارة الدفاع خلال إدارة ترامب الأولى، كما كان باحثاً في “أولويات الدفاع”، وهي مركز أبحاث يعبر عن قيم قومية انعزالية بدعم من عائلة كوخ الشهيرة.
خلال مسيرته، ركز ديمينو على أهمية تقاسم الأعباء في سياق التعاون الاستقراري الإقليمي، مع إمكانية تحقيق الأهداف الاستقرارية من خلال تعزيز قدرات الدول الحليفة.
نشر دراسات ترتكز على أولويات الاستقرار القومي الأميركي والدفاع عن الوطن، وردع تهديدات الصين، وتعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية.
عمل ديمينو أيضاً على تطوير سياسات وسيناريوهات للحد من التهديدات التي تمثلها الجماعات المثيرة للجدل على القوات الأميركية وحلفائها في المنطقة.
يؤمن ديمينو بأن لأميركا مصالح “ضئيلة أو معدومة” في المنطقة، ويدعو إلى تقليص الوجود الأميركي، حيث يمكن لأميركا مواجهة التهديدات التطرفية المنبثقة من الشرق الأوسط بدون تواجد عسكري كبير، محققاً أهدافه من خلال الدبلوماسية.
رفض مهاجمة إيران
صرح ديمينو، خلال مقابلة إذاعية في فبراير/شباط 2024، بأن “من يروج لفكرة أن إيران ستستحوذ على الشرق الأوسط، يقوم بإثارة المخاوف بدلاً من تقديم الحقائق”، حيث اعتبر أن ذلك غير منطقي.
رفض ديمينو، بعد الهجوم الصاروخي الإيراني الثاني على إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إدانه الهجوم كونه “رداً معتدلاً إلى حد ما” على العمليات الإسرائيلية ضد طهران، مشيراً إلى أن إيران تتعرض لضغوط.
عبر ديمينو أيضاً عن معارضته لهجوم عسكري على البرنامج النووي الإيراني، موضحاً أن الهجوم الإسرائيلي قد يدفع إيران إلى إعادة تقييم موقفها.
كما أشاد في بعض الأحيان بالقائد السابق جو بايدن بسبب ضغطه على إسرائيل، مأنذراً من أن الهجمات الإسرائيلية تعرض القوات الأميركية في المنطقة للخطر من خلال إثارة ردود فعل مدعومة من إيران ضد القواعد الأميركية.