إعلان

كنسية السيستين هي كنيسة في الفاتيكان بنيت في أواخر القرن الـ15 الميلادي، وسميت باسم البابا سيستوس الرابع (1471-1884). يُحفظ فيها جثمان البابا إذا توفي إلى أن تنظم الجنازة الرسمية لتشييعه، كما تشهد مراحل انتخاب خليفة له، إذ يجتمع فيها مجمع الكرادلة لانتخاب البابا الجديد.

تضم الكنيسة جداريات ضخمة تصور أحداثا من حياة المسيح عيسى عليه السلام، وأخرى تجسد فصولا من حياة النبي موسى عليه السلام، كما تزين سقفها وجدرانها رسوم ومنحوتات تعبر عن التصور المسيحي للحياة الدنيا والآخرة.

إعلان

وإضافة إلى وظيفتها الدينية والسياسية، إذ فيها ينتخب البابا الجديد، ومنها تنطلق القيادة الروحية للمسيحيين الكاثوليكيين في العالم، فإن كنيسة السيستين تعد إلى جانب كنائس أخرى مجاورة لها من أكبر الوجهات السياحية في العالم.

فرغم أنها شُيدت لغرض ديني فإنها تحولت على مر العصور إلى تحفة فنية ومعمارية تجذب ملايين السياح سنويا، لا يقصدونها بوازع ديني صرف، ولكن من أجل الاستمتاع بذخائرها الفنية التي تغطي كل مساحات المكان من الأرضية إلى السقف مرورا بالجدران.

This photograph shows a view of the chimney (L) on the roof of the Sistine Chapel as it is being installed in The Vatican, on May 2, 2025.
مدخنة كنيسة السيستين التي يعلن عن انتخاب البابا الجديد عبر إخراج دخان أبيض منها (الفرنسية)

المكان والمكانة

عند الحديث عن كنيسة السيستين ضمن معالم الفاتيكان الدينية والفنية والمعمارية، يجب تمييزها عن كنيسة مجاورة هي بازيليكا القديس بطرس التي شيدت لاحقا (عام 1506) ويوجد فيها ضريح القديس بطرس، وهي من أكثر المواقع قداسة لدى أتباع الكنيسة الكاثوليكية.

ويوجد ممر خاص يربط بين الكنيستين المتجاورتين. وخلافا لكنيسة القديس بطرس التي تفتح كثيرا من مرافقها بالمجان أمام ملايين الزوار، فإن السلطات القيّمة على السيستين تفرض رسوما مقابل الزيارة.

وينبغي أيضا التمييز بين كنيسة السيستين وبين متاحف الفاتيكان، وهي بمنزلة المتاحف العامة للفاتيكان وتعرض لوحات وأعمالا من المجموعة الفنية الهائلة التي جمعتها السلطات الكنسية الكاثوليكية ومؤسسة البابوية على مر العصور.

كنيسة السيستين لها شكل مستطيل، وتقدر مساحتها بحوالي 550 مترا مربعا، وهي ممتدة على طول نحو 41 مترا، وعرض 13.4 ويبلغ علوها 20.7 مترا، ولها 6 نوافذ مقوسة على كل من الجدارين الرئيسيين (أو الجانبيين)، وسقف مقبب.

تسمية الكنيسة

تعرف عموما بكنيسة السيستين، وهي كذلك فعلا وفق المعنى العام لكلمة كنيسة لدى المسيحيين باعتبارها في الأصل دار عبادة تتكون من ردهة وصحن (المعبد الأساسي) وحرم (يُطلق عليه أيضا المذبح أو المكان المقدس).

أما توصيفها الدقيق، وفق معايير الوظيفة والمساحة في الديانة المسيحية، فهي كنيسة صغيرة ليس لها لقب الرعية.

اسم كنيسة السيستين مستقى من اسم البابا سيستوس الرابع الذي كان معروفا أثناء توليه شؤون الفاتيكان (1471-1884) برعاية الفنون والفنانين، ومن إنجازاته الأخرى ذات الصلة تشييد مكتبة الفاتيكان.

بعد عامين على تولي قيادة الفاتيكان، كلف البابا سيستوس الرابع المهندس المعماري جيوفاني دي دولتشي ببنائها وفق تصميم معماري فريد مستوحى من معبد سليمان المذكور في العهد القديم واستغرق العمل فيها بين عامي 1473 و1481.

TOPSHOT - This photo taken and handout on May 6, 2025 by The Vatican Media shows the Sistine Chapel on the eve of the conclave in The Vatican. (Photo by Handout / VATICAN MEDIA / AFP) / RESTRICTED TO EDITORIAL USE - MANDATORY CREDIT "AFP PHOTO / VATICAN MEDIA" - NO MARKETING - NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS
كنيسة السيستين تزين جدرانها وسقفها رسوم ومنحوتات مختلفة (الفرنسية)

روائع فنية

وبين عامي 1481 و1483، رُسمت اللوحات الجدارية على الجدران الجانبية للكنيسة، ويضم الجدار الشمالي 6 لوحات جدارية تصور أحداثًا من حياة المسيح عيسى عليه السلام، والجدار الجنوبي 6 جداريات أخرى تجسد فصولا من حياة النبي موسى عليه السلام.

وتحمل تلك الجداريات توقيع الفنانين بييترو بيروجينو وبيرناردينو بينتوريكيو وساندرو بوتيتشيللي ودومينيكو غيرلاندايو وكوزيمو روسيللي ولوكا سيغنوريللي وبارتولوميو ديلّا غاتّا.

وإلى جانب تلك الأعمال، تُصوّر لوحات جدارية أصغر بين النوافذ عددا من أنشطة البابوات، وتضم الأجزاء السفلية من الجدران الجانبية سلسلة لوحات أبدعها الرسام رفاييللو دي سانزو، تصوّر أحداثا من الأناجيل وأعمال الحواريين.

بصمة مايكل أنغلو

واكتست الكنيسة لاحقا حلة أكثر بهاء في عهد البابا يوليوس الثاني (1503-1513) الذي كلف النحات مايكل أنغلو، أبرز فناني عصر النهضة الإيطالية، برسم لوحات تغطي كل مساحة سقف الكنيسة (حوالي 500 متر مربع)، وقد استغرق هذا العمل بين عامي 1508 و1512.

وصممت لوحات السقف وفق تصور يهدف لتوضيح بعض ملامح عقيدة الكنيسة الكاثوليكية، وذلك بتصوير 9 مقاطع من سفر التكوين.

وكان مطلوبا من مايكل أنغلو في الأصل رسم رسل المسيح أو حوارييه، وهم المعروفون باسم التلاميذ الاثني عشر، لكن الأمر تطور إلى لوحة أكبر بكثير استغرق إنجازها 4 سنوات، وتضمنت أكثر من 300 شخصية مستوحاة من عوالم المسيحية وأجواء عصر النهضة.

وبعد 23 عاما على اكتمال رسم لوحات السقف، عاد مايكل أنغلو إلى الكنيسة بتكليف من البابا كليمنت السابع الذي طلب منه عام 1535 رسم الحائط الكبير للكنيسة الذي يقع خلف منضدة المذبح.

واختار مايكل أنغلو لتلك الجدارية موضوع “يوم القيامة” أو “الحساب الأخير”، وانتهى منه في عام 1541، وكان ذلك في حبرية البابا بولس الثالث.

وتجسد تلك الجدارية فنيا مفهوم “الحساب الأخير” وفق المعتقد المسيحي، إذ تظهر المسيح وخلفه العذراء مريم في وسط الصورة وحولهم نحو 70 من الناس و”الملائكة”.

وتصور الجدارية المسيح وهو يحاسب الناس على أعمالهم في الدنيا، فيظهر قسم منهم مباركين صاعدين، وقسم آخر هابطين لسوء ما اقترفوه في دنياهم، وفي المشهد أيضا كثير من “الملائكة” في أوضاع مختلفة الدلالات والأشكال.

ساحة انتخابية

وبوفاة بابا الفاتيكان، تستعيد كنيسة السيستين بعدها الديني الذي ارتبط بالسنوات الأولى لإنشائها، إذ ينقل جثمان البابا المتوفى إلى رحابها قبل نقله لاحقا إلى كنيسة القديس بطرس ضمن مراسم تشييع الجنازة وفق التقاليد والقوانين المعمول بها في الفاتيكان.

وبعد حوالي أسبوعين على رحيل البابا، تتحول كنيسة السيستين إلى ساحة انتخابية في تقليد يعود إلى عام 1492، إذ يلتئم تحت سقفها أعضاء مجمع الكرادلة لانتخاب الحبر الأعظم الجديد.

وقبل دخول الكرادلة الناخبين إلى كنيسة السيستين قادمين من كنيسة القديس بطرس، يقسمون اليمين بالسرية، ولا يسمح بدخول غيرهم إلى المكان، ويتم اتخاذ سلسلة من الإجراءات الأمنية تحت إشراف الحرس السويسري للحيلولة دون التواصل مع العالم الخارجي بأي شكل من الأشكال.

ويتم إبلاغ العالم الخارجي عن فحوى ومسار عمليات التصويت بشكل يومي عن طريق دخان يتصاعد من أعلى الكنيسة، يكون لونه إما أسود أو أبيض، حسب مجرى عمليات التصويت.

ويكون لون الدخان أسود إذا لم يحصل أي من المرشحين على ثلثي الأصوات اللازمة لذلك اليوم، ويتم إنتاج اللون الأسود بحرق بطاقات الاقتراع في موقد ممزوج بمواد كيميائية لهذا الغرض.

أما إذا تم اختيار مرشح لقيادة الكرسي الرسولي، فإن بطاقات الاقتراع تحرق بمواد كيميائية لإنتاج دخان أبيض يتصاعد من مدخنة الكنيسة.

وبعد إقرار البابا الجديد باستعداده لتولي مهمة الحبر الأعظم، يعلن كبير الكرادلة النبأ من شرفة كنيسة القديس بطرس مرددا باللغة اللاتينية عبارة “أنونشيو فوبيس جوديوم ماجنوم.. هابيموس بابام”، وتعني “أبشركم بفرح عظيم.. صار لنا بابا”.

وبعد هذه اللحظة المفعمة بالرموز الدينية والأسرار الروحية والطقوس الضاربة في أعماق التراث الكاثوليكي، تسترجع كنيسة السيستين نفسها الفني والجمالي، وتبدأ في استقطاب ملايين السياح القادمين من كل أرجاء المعمورة.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا