منير محمد يوسف الصعبي، فلسطيني وُلِد في العراق بعد نكبة 1948، يحمل شغفًا بجذوره الفلسطينية. ورغم أنه لم يعش اللجوء، نشأ على قصص والده عن فلسطين. وصلت عائلته إلى العراق هربًا من الاحتلال، وواجهت تحديات عديدة هناك. بعد 2003، تفاقمت معاناة الفلسطينيين بسبب الأوضاع السياسية، حيث يعانون من قيود قانونية واقتصادية ويتعامل معهم كأجانب. يشدد الصعبي على ضرورة دعم السلطة التنفيذية العراقية لهم، ويؤكد حقهم في العودة إلى فلسطين، مشيراً إلى التحديات التي تواجههم في التنقل والسفر، ورغم ذلك، يتمتع الفلسطينيون ببعض الحقوق مثل المنظومة التعليمية والرعاية الطبية.
بغداد- لم يكن منير محمد يوسف الصعبي قد وُلِد بعدُ عندما تم اقتلاع عائلته بالقوة من جذورها في نكبة فلسطين عام 1948، ليعيشوا تجربة تهجير قاسية ومرحلة لجوء صعبة انتهت بهم في العراق.
لم يعرف الصعبي تفاصيل اللجوء المؤلم، لكنه نشأ على قصص والده عن المنازل الدافئة في فلسطين، وأشجار الزيتون التي كانت ساحة طفولته، ورائحة البحر الذي كان يسبح فيه بحرية.
تربى الصعبي في العراق بين أصدقائه العراقيين، لكن جذوره الفلسطينية ظلت حاضرة، جزءًا لا يتجزأ من هويته، ومع مرور الوقت، أصبح كاتبًا وشاعرًا مقيمًا في العراق، ينظم كلماته بحنين إلى فلسطين وحلم بالعودة إليها.
تحت القصف
“وصل الفلسطينيون إلى العراق صيف عام 1948″، يبدأ الصعبي حديثه للجزيرة نت، ويقول “في تلك الفترة، كان القوات المسلحة الصهيوني ينفذ عمليات تهجير قسري من بلداتنا وقرانا في حيفا: الزموعين وغزال تحديدا، واعتداءات عسكرية وحشية دفعت آلاف العائلات للفرار تحت وطأة القصف والموت والدمار، ليجدوا أنفسهم مشتتين في دول الجوار كسوريا والأردن والعراق”.
ولم يكن اختيار العراق -يضيف الصعبي- سهلاً أو مخططًا له بالكامل، فلم يكن لديهم خيارات كثيرة، ويتابع “تزامن نزوحنا مع وجود القوات المسلحة العراقي في منطقة جنين، وعندما تم وقف إطلاق النار بينه وبين القوات الصهيونية، طلب القوات المسلحة العراقي من الفلسطينيين الذين هجروا ديارهم الانضمام إليهم والانتقال إلى العراق”.
ويقول الصعبي إنه ومع مرور الوقت، بدأ الوضع الفلسطيني يتأزم في كل دول النزوح، وليست العراق فقط، وبرزت المشاكل بوضوح، حيث واجهوا صعوبات تتعلق بالوضع القانوني، وحتى معاملات الأطفال والطلاب لم تكن دائمًا سلسة، “فالنظام الحاكم العربي في تلك الفترة لم يكن مستعدًا تمامًا لمواجهة هذه التحديات”.
ورغم ذلك، يشير الصعبي إلى خصوصية التجربة في العراق، حيث تميَّز الموقف تجاه الفلسطينيين، واختلطت العادات والتقاليد العربية الأصيلة مع الموقف الدولي الذي تمثل في إنشاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، فاتخذ العراق قرارًا فريدًا، ولم يسمح لأونروا بممارسة مهامها مباشرة مع الفلسطينيين، “بل اعتبرنا جزءًا من شعبه وأهله وتولى مسؤولية رعايتنا” يقول الصعبي.
معاناة
لكن رياح “الإستراتيجية العاصفة” في العراق بعد عام 2003، ألقت بظلالها القاتمة على حياة الفلسطينيين وأثرت سلباً على وضعهم، وظهرت مشكلات عديدة خلال تلك الفترة لم تُحل حتى الآن، يقول الصعبي، الذي يأمل “التفاتة جدية لدراسة هذا الملف”.
وتتجلى معاناة الفلسطينيين في العراق في أمور عديدة، منها عدم قدرتهم على تملك العقارات أو الحصول على رخص سوق عامة، وتوقف صرف الرواتب التقاعدية لعائلات المتقاعدين الفلسطينيين بعد وفاتهم.
وأضاف الصعبي قائلاً “أحياناً، عندما تتعامل مع موظف حكومي، يكون الجواب: أنت فلسطيني، فكيف أتعامل معك؟ نظرًا لأن القوانين والضوابط تعتبر الفلسطينيين كأجانب”، ويضيف مستغربًا “أنا وُلِدت في العراق، عمري 67 عامًا، ابن البلد، فكيف أعتبر أجنبياً؟”.
وناشد السلطات العراقية بضرورة إجراء دراسة جدية لوضع الفلسطينيين، مؤكداً أن وجودهم في البلاد لم يكن خياراً، ولذا فإن الدولة المستضيفة تتحمل مسؤوليات تجاههم، وفقًا لكلامه.
وأوضح أن الدولة كانت توفر لهم المنظومة التعليمية والسكن تحت إشراف أونروا، وقال “الوضع الحالي صعب جداً، حيث لا تتوفر فرص العمل، وهو وضع عام وليس خاصًا”.
وفيما يخص ملف الجنسية للفلسطينيين وحق العودة، قال الصعبي إنه يعرف هناك غموضًا وعدم وضوح، مشددًا أن “الوضع القانوني والواقعي لا يزال يشكل تحديًا كبيرًا لنا”.
ولفت إلى القرار رقم 202 الصادر عام 2001، الذي ينص على أن الفلسطيني المقيم في العراق منذ عام 1948 يتمتع بالحقوق والواجبات التي يتمتع بها العراقي، باستثناء الجنسية العراقية والخدمة العسكرية، موضحًا أنهم لا يدعاون بالجنسية العراقية لغاية حملها، بل للتمتع بما تقدمه من حقوق.
وتابع أن كيان الاحتلال وأميركا يفسران حق العودة على أنه للفلسطينيين الذين هُجِّروا عام 1948 والجيل الذي جاء بعدهم، وهؤلاء مجملهم لا تتجاوز أعدادهم 100 ألف فلسطيني.
لكن التفسير القانوني الصحيح -يؤكد الصعبي- جاء في قرار الأمم المتحدة رقم 194 عام 1949، الذي ينص على حق الفلسطيني في العودة إلى وطنه ودياره، وأن من يرغب بعدم العودة يعوض، مشددًا على أن هذا الحق يمتد إلى الأحفاد.
تحولات صعبة
حتى أبسط حقوق الإنسان في القدرة على التنقل والسفر تواجه قيودًا، يقول الصعبي والحزن يعتريه، ويعبر عن عدم قدرته على زيارة أقرب الدول العربية التي تربطه بها صلة قرابة أو تواصل إنساني، ويضيف “عندما يُحدِّدني جواز سفر أو وثيقة غير معترف بها دوليًا وتُعترف بها أنت فقط، فهذا أمر غير صحيح”.
وتذكر الصعبي كيف كان الفلسطيني يُعتبر سابقًا مقيمًا دائمًا في العراق ولا يحتاج إلى تجديد إقامته، ويُصدر له هوية إقامة يحتفظ بها حتى وفاته، والآن، يواصل سرد معاناته “هناك تنظيم جديد للهجرة والمهجرين يقضي بضرورة تجديد الهوية كل خمس سنوات”.
بالإضافة إلى ذلك، صدر قرار جديد -قبل أقل من عام- ينص على أنه إذا أراد الفلسطيني السفر خارج العراق، يجب عليه العودة قبل إكمال شهر من تاريخ سفره، وإن تجاوز هذه المدة، “يتم سحب هوية الإقامة ويجب عليه تقديم طلب للحصول على تأشيرة جديدة لدخول العراق”.
ويرى الصعبي أن هذا “التضييق” يؤثر على نفسية الفلسطينيين ويشعرهم بالضغط، مناشدًا السلطات العراقية بضرورة توضيح هذه القرارات بشكل جلي.
على الجانب الآخر، يشيد الصعبي بالحق في المنظومة التعليمية والرعاية الطبية والتوظيف المتاح للفلسطينيين في العراق، بالإضافة إلى عمق العلاقة بين الشعبين، حيث ينظرون إلى بعضهم كأبناء أمة واحدة، وسط اندماج حقيقي، لافتًا إلى أن التحديات الفردية لا تعكس النظرة السنةة الإيجابية من العراقيين تجاه الفلسطينيين.