أفادت حركة حماس بأن الهجوم الإسرائيلي قرب مركز توزيع مساعدات في نتساريم أسفر عن مقتل 20 فلسطينيًا وإصابة العشرات، مشيرةً إلى وفاة أكثر من 150 مواطنًا منذ بدء الهجمات، متهمةً الاحتلال باستخدام المساعدات كفخاخ للموت. وتفصّل تقارير أن الحصار الإسرائيلي المعزز منذ أكتوبر 2023 يعمّق معاناة سكان غزة، حيث يُستخدم التجويع كسلاح. كما تكشف التقارير أن بعض المليشيات المسلحة تستفيد من الفوضى للنهب، بينما تروج إسرائيل لأعمال إنسانية مزعومة. الوضع الإنساني مدمر ويمر سكان غزة بمجاعة حقيقية، في ظل الإهمال الدولي للجرائم المرتكبة.
صرحت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوم الثلاثاء الماضي أن المجزرة التي قام بها جيش الاحتلال الإسرائيلي باستهداف المواطنين الفلسطينيين قرب مركز توزيع الإغاثة في نتساريم (وسط قطاع غزة) أدت إلى استشهاد ما لا يقل عن 20 شخصًا وإصابة العديد.
ونوّهت الحركة في بيان لها أن “الأساليب الدموية التي اتبعتها قوات الاحتلال تحت ذريعة الإنسانية الزائفة تحولت إلى مصائد موت أودت بحياة أكثر من 150 مواطنًا منذ بداية تنفيذها، بينهم أطفال ونساء، مما يُظهر سياسة مُمنهجة لإطالة أمد المجاعة واستنزاف المدنيين، في إطار حرب إبادة جماعية تُرتكب أمام مرأى العالم”.
وتشير حماس إلى الانتهاكات الإنسانية الناتجة عن الخطة الأميركية الإسرائيلية لتوزيع الحصص الغذائية في 4 مراكز تحت إشراف “مؤسسة غزة الإنسانية”، التي سرعان ما تحولت إلى فوضى قاتلة، حيث قتلت القوات الإسرائيلية وعصابات متعاونين معها العشرات من الفلسطينيين الذين حاولوا الوصول إلى نقاط التوزيع.
التجويع سلاح وإستراتيجية
منذ أن بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، فرضت إسرائيل 3 حصارات منفصلة شبه كاملة. وعندما أنذرت الأمم المتحدة وآخرون من خطر حدوث مجاعة وشيكة، خفف الاحتلال ضوابط الحصار لفترة قصيرة، وسرعان ما عاد لتشديدها مرة أخرى، وهو أمر يتكرر مع كل ضغوط دولية تُمارس عليه أو عند إلقاء المسؤولية السياسية على قادته في ارتكاب إبادة جماعية وتجويع المدنيين عن طريق منع وصول المساعدات، وفقًا لتقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية.
وأضاف التقرير، الذي صدر بعنوان “تجربة تجويع غزة”، أن إسرائيل وضعت استراتيجية في حربها على غزة التي تجاوزت 20 شهرًا، تتمثل في جعل المساعدات الإنسانية وسيلة “للتحكم الإقليمي المفتوح على غزة”.
ويؤيد هذه الأهداف ما ورد من تصريحات القادة الإسرائيليين، إذ ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الهدف من منع دخول المساعدات إلى غزة هو “تفريغ المناطق الشمالية التي تنوي إسرائيل تطهيرها، مع تركيز الفلسطينيين في مناطق معقمة تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية”.
ورأى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أن “تجويع سكان غزة حتى الموت سيكون عادلاً وأخلاقياً”.
بينما تلخص تصريحات وزير الاستقرار القومي إيتمار بن غفير الأهداف الحقيقية، حيث قال “إن المساعدات الوحيدة التي تدخل غزة يجب أن تكون لمساعدة الهجرة الطوعية”، ونوّه على أنه طالما استمر احتجاز الرهائن، يجب ألا يحصل “العدو” على “طعام أو كهرباء أو أي مساعدات أخرى”.

الطعام قوة
في سياق تبرير الحصار المفروض على القطاع، يدّعي جيش الاحتلال أن حركة حماس تستغل المساعدات الإنسانية لتعزيز قوتها وإمداد عناصرها بالعتاد اللازم لشن الهجمات.
استراتيجيًا، يشير صندوق الغذاء العالمي إلى أن “الطعام هو القوة، وهو جوهر الخطة الإسرائيلية”.
تتوضح استراتيجيات الاحتلال من خلال دمج رقابة الغذاء مع البنية العسكرية، بحيث تُوجه الممرات الإنسانية لحركة المدنيين وفق أهداف المعارك، مما يؤدي إلى حرمان أي شخص يُعد تهديدًا لإسرائيل من الوصول إلى الغذاء، مما يجعل آلاف الأشخاص غير مؤهلين نظرًا لارتباطاتهم مع حماس.
وبشأن هذا الهدف، اقترحت الأمم المتحدة في مايو/أيار الماضي آلية شاملة لتوزيع المساعدات الإغاثية على الفلسطينيين في غزة، تستجيب لمخاوف إسرائيل، لكن هذا الاقتراح فشل بسبب اعتماد الخطة على حجب بيانات المتلقين، وهو ما رفضته إسرائيل لأنه لا يحقق أهدافها الاستقرارية أو الاستخبارية.
نهب المساعدات
تشير تصريحات المسؤولين الإسرائيليين إلى أن حركة حماس تسيطر على توزيع المساعدات، مدّعين أن هذه السيطرة مكّنتها من “نهب” المواد الإغاثية، أو على الأقل التحكم في آلية توزيعها.
ومع ذلك، يُنبه تقرير مجموعة الأزمات إلى أنه على الرغم من الادعاءات الاستخباراتية التي يفتخر بها جيش الاحتلال، إلا أن إسرائيل لم تقدم أي دليل يدعم مزاعمها بشأن “النهب المتفشي”. بل على العكس، نوّه ديفيد ساترفيلد، المبعوث الإنساني لإدارة بايدن السابقة، أن المسؤولين الإسرائيليين لم يذكروا موضوع السرقة حتى في إحاطاتهم السرية.
علاوة على ذلك، تُظهر التقييمات العسكرية للأمم المتحدة وإسرائيل أن “النهب المنظم” يتم على يد عصابات مسلحة تُشجعها القوات الإسرائيلية كبديل لسيطرة حماس.
وذكرت مجموعة الأزمات أن بعض مسؤولي الإغاثة وسكان غزة أبلغوها بأن “عصابة أبو شباب المسلحة، المدعومة من قبل إسرائيل، كانت أكثر العصابات نهبًا منذ بدء الحرب.”

مليشيا أبو شباب
فيما يتعلق بتفاصيل “نهب المساعدات” في غزة وما نُشر من معلومات عن هذه المجموعات، خاصة المدعومة من قبل إسرائيل، قال الخبير الاستقراري والعسكري أسامة خالد إن الأفراد الذين قاموا بسرقة المساعدات الإغاثية هم في الأساس خارجون عن القانون قبل الحرب، وكان بعضهم محكومين سابقًا بالسجن.
وأضاف خالد في مقابلة مع الجزيرة نت أن مجموعة ياسر أبو شباب تحتل المركز الأول في هذه الأنشطة، حيث يمتد نفوذ مجموعته بين المناطق القبلية بين مصر وغزة، واستغل الفوضى الناتجة عن العدوان الإسرائيلي لتشكيل مليشيا صغيرة للنهب.
وجدت إسرائيل فرصة في هذه المجموعات بعد صمود المقاومة والمواطنون الفلسطيني، لذلك وفرت لهم السلاح والحماية الاستقرارية والعسكرية. وحسب الخبير الاستقراري، فإن الهدف من ذلك هو:
- أولًا- الضغط على المدنيين من خلال النهب والسرقة، وحرمانهم من المواد الإغاثية الأساسية.
- ثانيًا- السيطرة الميدانية على المناطق الخالية من سلطة حماس أو تلك التي تم نزوح أهلها.
- ثالثًا- تقديم خدمات أمنية وعسكرية واستخباراتية للجيش الإسرائيلي.
- رابعًا- تشكيل دروع بشرية من هذه الجهات لتفادي المواجهة المباشرة مع الفلسطينيين.
ولفت خالد إلى أن أسلحة هذه المجموعات تم الحصول عليها عبر تسليح مباشر من القوات المسلحة الإسرائيلي، أو من مصادر غير شرعية موجودة بيد الأفراد، أو حتى من دول عربية ساعدت في تشكيل هذه المجموعات.
المرحلة الحرجة التي وصلت إليها هذه الميليشيا تكمن في بدء تعرضهم لتجنيد شباب غزة، عبر تقديم رواتب وضمان الحماية الإسرائيلية، مع توفير الطعام والشراب في المخيمات التي أقاموها في المناطق التي سيطروا عليها، كما ذكر الخبير الاستقراري والعسكري.

وضع مأساوي
فيما يتعلق بالوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، نوّه المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عدنان أبو حسنة أن الأوضاع في غزة خطيرة وتتدهور بسرعة.
وأضاف أبو حسنة في مقابلة مع الجزيرة نت أن كل شيء نفد تمامًا في القطاع، وإدخال المساعدات محدود ولا جدوى له عمليًا، وإسرائيل تتحمل المسؤولية القانونية والسياسية والأخلاقية عن الأوضاع في قطاع غزة بوصفها قوة محتلة، وفقًا للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة.
ولفت أبو حسنة إلى أن إسرائيل تدرك ذلك، وبالتالي تظهر نفسها أمام العالم بأنها تدخل مساعدات عبر “مؤسسة غزة الإنسانية”، بينما على الأرض ما يحدث هو مجرد دعاية لإبعاد المسؤولية القانونية عن قادتها.
وأوضح أن المؤسسة المعنية لا تمتلك المعلومات ولا الخبرات الضرورية، ولا تلتزم بالمعايير الإنسانية التي تنص على أن تذهب هذه المساعدات إلى المحتاجين في أماكنهم، بدلاً من أن يقطع المحتاجون مسافات طويلة للحصول على المساعدات.
منذ بداية مارس/آذار الماضي، شددت إسرائيل الحصار على قطاع غزة ومنعت إدخال أي مساعدات إغاثية، مما يهدد حياة نحو 2.3 مليون فلسطيني يعيشون تحت وطأة المجاعة الحقيقية وفقًا لبيانات الأمم المتحدة.
كما بلغ عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع أكثر من 181 ألف فلسطيني بين شهداء وجرحى، بالإضافة إلى أعداد غير معروفة من المفقودين تحت الأنقاض، أو الذين لم تستطع فرق الدفاع المدني الوصول إليهم بسبب القصف الإسرائيلي المستمر منذ ذلك الحين، وفقًا لإحصاءات وزارة الرعاية الطبية في قطاع غزة.