ذكرت صحيفة “نيزافيسيمايا” الروسية أن سياسات القائد ترامب أدت إلى تغيير المعادلات الدولية، حيث أصبح يُنظر للصين على أنها أقل تهديدًا من الولايات المتحدة. التقرير يتناول تأثيرات قرارات ترامب على القوة الناعمة الأميركية، بما في ذلك القيود على الحريات الأكاديمية وتأشيرات الطلاب، مما أدى إلى تراجع جاذبية نظام المنظومة التعليمية الأميركي. الاستطلاعات تشير إلى أن 75% من العلماء يفكرون بالهجرة، مما يهدد تقدم الولايات المتحدة التكنولوجي. في ظل ذلك، تسعى الجامعات العالمية، مثل جامعة شيآن الصينية وأوساكا اليابانية، لاستقطاب الطلاب الأميركيين المتضررين، مما يعكس قلق المستقبل الأكاديمي.
أفادت صحيفة نيزافيسيمايا الروسية أن القرارات التي اتخذها القائد الأميركي دونالد ترامب منذ توليه منصبه أدت إلى تغييرات كبيرة في المعادلات الدولية. ومن أبرز تداعيات ذلك أن الكثيرين بدأوا يرون أن الصين أصبحت أقل تهديداً من الولايات المتحدة، كما أن مفاتيح القوة الناعمة التي كانت تُعتبر من نقاط قوة الولايات المتحدة بدأت تنتقل نحو دول أخرى.
نقل الكاتب يفغيني فيرلين عن المحلل الصيني هوانغ مينغ تشونغ في تقريره بصحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” الصادرة في هونغ كونغ، أن مفهوم القوة الناعمة الذي صاغه الأكاديمي الأميركي جوزيف ناي – الذي توفي مؤخراً – كان يعتبر لفترة طويلة بمثابة قمة النفوذ الأميركي عالمياً، بينما كانت تُعتبر نقطة ضعف واضحة للصين.
وأوضح فيرلين أن الإجراءات التي اتخذها ترامب أدت إلى إضعاف القوة الناعمة الأميركية، بما في ذلك الهجمات المتكررة على الحريات الأكاديمية، ووقف إصدار تأشيرات للطلاب، مما أثر سلباً على جاذبية النظام الحاكم المنظومة التعليميةي الأميركي، والذي يعتبر أحد أركان القوة الناعمة الأميركية.
هجرة الأدمغة
كما تم تقليص حجم المنح الفيدرالية الخاصة بالبحوث العلمية، مما يشكل تهديداً مباشراً للريادة التكنولوجية التي استمرت لعقود طويلة.
في هذا السياق، استشهد الكاتب باستطلاع حديث للرأي أجرته مجلة “نيتشر” المرموقة وسط العلماء في الولايات المتحدة، والذي أظهر قلقاً كبيراً؛ إذ لفت 75% من المشاركين إلى أنهم يفكرون بجدية في الانتقال إلى مكان آخر خارج الولايات المتحدة بسبب عدم الاستقرار الذي يحيط بتمويل الأبحاث.

ويعتقد فيرلين أن هذه الهجرة المحتملة للعقول، إذا حدثت، ستضعف بشكل كبير قدرة الولايات المتحدة على جذب الكفاءات والمواهب والاحتفاظ بها.
تناول الكاتب أيضاً قرار ترامب بالتقليص من تأثير الإعلام والإنسانية عالمياً عبر إيقاف تمويل إذاعة “صوت أميركا” والشبكات الإعلامية الأخرى التابعة لها، بالإضافة إلى حل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
كوّن فيرلين أن جوزيف ناي، الذي التقاه منذ 20 عاماً، لفت آنذاك إلى أن الديمقراطيات الليبرالية عادةً ما تحظى بنقاط إيجابية عند الحديث عن الجاذبية الوطنية الشاملة، لأنها تُعتبر أكثر شرعية ومصداقية مقارنةً بمنافسيها من الأنظمة “غير الديمقراطية”.
وأبدى ناي استغرابه لوجود أنصار لمفهومه للقوة الناعمة في دولة شيوعية كالصين، وعبّر عن عدم توقعه لذلك أبداً.
وفقاً للكاتب فيرلين، فإن الصورة ليست بهذه السلبية، حيث لا زالت هناك مؤسسات حيوية مثل الجامعات العريقة، وصناعة السينما في هوليود، وشركات تكنولوجيا المعلومات الكبيرة، بالإضافة إلى الجاليات الأميركية المنتشرة في الخارج، التي تواصل نقل القيم الغربية إلى العالم بطرق متنوعة.
صرحت القاضية الفيدرالية الأميركية أليسون بوروز في ولاية ماساتشوستس، حيث تقع جامعة هارفارد، مؤخراً أنها ستعلق مؤقتاً قرار إدارة ترامب بمنع جامعة هارفارد من استقبال الطلاب الأجانب.
حاول القائد الأميركي منع هارفارد من استقبال طلاب أجانب، وإلغاء عقودها مع السلطة التنفيذية الفيدرالية، وتقليص المساعدات الممنوحة لها بمليارات الدولارات، وإعادة النظر في وضعها كمؤسسة معفاة من الضرائب.
صرحت جامعات حول العالم عن استعدادها لتوفير ملاذ للطلاب المتضررين من حملة ترامب على المؤسسات الأكاديمية، بهدف استقطاب أفضل المواهب وكسب حصة من الإيرادات الأكاديمية، التي تقدر بمليارات الدولارات والتي تحصل عليها الولايات المتحدة.
من بين هذه الجامعات، جامعة شيآن جياوتونغ الصينية التي دعت طلاب جامعة هارفارد المتضررين من حملة ترامب، مؤكدة لهم قبولاً سلساً ودعماً شاملاً.
كما صرحت جامعة أوساكا، واحدة من أعلى الجامعات تصنيفاً في اليابان، أنها على استعداد لتقديم إعفاءات من رسوم الدراسة ومنح بحثية، بالإضافة إلى المساعدة في ترتيبات السفر للطلاب والباحثين من المؤسسات الأميركية الذين يرغبون في الانتقال إليها.
تدرس جامعتا كيوتو وطوكيو اليابانيتان أيضاً تقديم برامج مماثلة، بينما وجهت هونغ كونغ جامعاتها لاستقطاب أفضل الكفاءات من الولايات المتحدة.
يبقى السؤال الأساسي كما يرى الكاتب فيرلين: هل يتمكن الغرب، في ظل حالة الاستقطاب الداخلي والانقسام المواطنوني، من تنسيق هذه الموارد وتوحيد جهوده بفاعلية لمواجهة نماذج الحكم السلطوية الصاعدة؟
ولفت إلى أن جوزيف ناي قد “يدور في قبره مراراً” بسبب ما آلت إليه الأمور وتجريد مفهومة “القوة الناعمة” من مضامينها، خاصة أن جثمانه يرقد في مدينة كامبريدج بالقرب من جامعته الأم, هارفارد العريقة.