مؤرخ الدولة اليمنية الرسولية أبو الحسن الخزرجي
هو موفق الدين أبو الحسن علي ابن الحسن بن أبي بكر بن الحسن بن علي بن وهاس الزبيدي الخزرجي الشافعي الأنصاري، ويعرف أيضاً بابن النقاش.
اما عن اسم الخزرجي ونسبه
هو موفَّق الدين أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن بن علي بن وهَّاس الخزرجي الزبيدي اليمني، مؤرِّخ وأديب وبحَّاثة، والزبيدي؛ نسبةً إلى مدينة زبيد، التي نشأ وتُوفِّي فيها، يرتفع نسبه إلى الصحابي الجليل سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي الازدي اليماني رضي الله عنه سيِّد الخزرج.
قال ابن العماد الحنبلي: وعلي بن وهَّاس جدُّ جدِّه، هو الذي يقول فيه الزمخشري صاحب “الكشَّاف”:
مولد علي بن الحسن الخزرجي
لا تشير المراجع إلى تاريخ ولادته نعم لا يُعرف تاريخ مولده على التحديد، ولكنَّ ابن حجر رحمه الله نقل أنَّ الخرزجي تُوفِّي سنة (812هـ=1410م) وقد جاوز السبعين من عمره، فتكون ولادته في حدود سنة (740هـ=1340م)، أو قبلها بقليل.
نشأة الخزرجي وأعماله نشأ موفَّق الدين الخزرجي في ظلِّ الدولة اليمنية الرسوليَّة (626-858هـ= 1228-1454م)، عمل في بداية أمره عند أحد المعماريِّين في تبييض جدران البيوت، حيث كان في أول أمره يتعاطى مهنة البناء ونقش الصور. وزخرفتها بالنقوش والكتابات، وشبَّ على ذلك حتى أجاد هذه الصناعة إجادةً تامَّة، واكتسب منها ذوقًا فنِّيًّا رفيعًا، إلى جانب حسن الخطِّ الذي يحتاج إليه فنُّ الزخرفة؛ مثل كتابة الآيات القرآنيَّة، أو الأحاديث النبويَّة، أو الأبيات الشعريَّة.
وهذه الصنعة من الصنائع المرموقة في العصر الرَّسولي، وكان الخزرجي من أشهر أصحابها، وبواسطتها تمكَّن من الاتِّصال بالملوك الرسوليِّين، وأُوكِل إليه زخرفة المدارس والقصور الملكيَّة، واسمه مثبَّت في بعض المدارس، كالمدرسة الأفضليَّة في مدينة زبيد، وقد استدعاه من مدينة زبيد إلى مدينة تعز الوزيرُ عمرُ بن أبي القاسم بن معيبد؛ لعمارة مدرسةٍ في ناحية المحاريب.
اشتغل بعد ذلك بطلب العلم، فدرس الأدب، والتاريخ، وبرع في علم القراءات، حتى عُيِّن ضمن القرَّاء في الجامع المبارك في قرية المملاح، التي كانت بالقرب من مدينة زبيد، وقد استأثر به الملك إسماعيل بن العباس، وكلَّفه بالحجِّ عن والدته، وأعطاه أربعة آلاف درهم للحجِّ والزيارة، وبعد رجوعه إلى اليمن أعفى أراضيه الزراعيَّة من الخراج، وجعله من خاصَّته، ينظم له القصائد في المناسبات المختلفة.
موهبة الخزرجي
ذكرنا أنَّ أبا الحسن الخزرجي كان نابغة، بدأ حياته صنايعيًّا نقَّاشًا، ولكنَّه انجذب إلى مجالس العلماء والشعراء والأدباء ورُقِّي إلى منادمة الأمراء والملوك، ونهل من كثيرٍ من العلماء حتى صار متضلِّعًا من المعارف والفنون السائدة في عصره، التي ازدهرت في العصر الذهبي الرَّسولي الغسَّاني باليمن، الذي كانت عاصمتهم مدينة تعز المشهورة.
وكان له انشغالٌ بارزٌ بالأدب وعلم الأنساب وتراجم الرجال وبالحساب، بالإضافة إلى كونه شاعرًا لم يُجاره شعراء عصره، وله قصيدةٌ مطوَّلة على غرار النقائض سمَّاها “الدامغة”، ردَّ فيها على بعض معاصريه المتعصِّبين لأرومتهم (عدنانيَّة – قحطانيَّة)، وله مدائح طنَّانة في ملوك آل رسول الذين عاصرهم ومطارحات مع بعض الشعراء، وقد حوى ديوانه الذي مازال مخطوطًا كلَّ ذلك، خلا ما تناثر منه في بطون الكتب.
منزلة الخزرجي
ترجم له الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852هـ) في كتابه “إنباء الغمر بأبناء العمر”، وكذلك شمس الدين السخاوي (ت 902هـ) في كتابه “الضوء اللامع”، وتُرجم له -أيضًا- في “شذرات الذهب” لابن العماد (ت 1098هـ)، وفي كتاب “آداب اللغة العربية” لجرجي زيدان (ت 1914م)، والتقى الخزرجي بالعلَّامة الفاسي في مكَّة المكرَّمة ونقل عنه ولم يُترجم له.وقد أشاد هؤلاء بالخزرجي وبموهبته ونبوغه. قال عنه ابن حجر: “اشتغل بالأدب ففاق أقرانه ومدح من ملوك اليمن الرسوليِّين الغسانيِّين، الملك الأفضل والأشرف والناصر”. كما قال عنه ابن حجر في إنباء الغمر: “اشتغل بالأدب ولهج بالتاريخ فمهر فيه، وجمع لبلده تاريخًا كبيرًا وآخر على الحروف وآخر في الملوك، وكان ناظمًا ناثرًا، اجتمعت به بزبيد، وكتب لِي مدحًا”.وقال السخاوي: “… ولقيته بزبيد فطار حتى برسالةٍ أوَّلها: أمتع الله بطلعتك المضيَّة وشمائلك المرضيَّة، وحُزت خيرًا، ووُقِيت ضيرًا …، وكان ناظمًا ناثرًا”.
ثم قربه إليه الملك الأشرف الرسولي وتشبع بثقافة عصره كاللغة والأدب والحديث والفقه والتاريخ والنحو والأنساب وهو ما يلمس في مؤلفاته ولا تعرف تفاصيل تعليمه وشيوخه، إلا أنه نشأ في أسرة كانت لها يد في اكتساب العلوم والمعارف وكانت لها وجاهة لدى ملوك اليمن من بني رسول الذين عاش في ظلهم .اعتنى الخزرجي بأخبار اليمن فجمع لها تاريخاً على السنين وآخر على الملوك والأسرات أو الدول، وتاريخاً على الأسماء حسب حروف المعجم وأشهر مؤلفاته :
مؤلفات الخزرجي
يُعتبر موفَّق الدين علي بن الحسن الخزرجي الزبيدي مؤرِّخ اليمن وخاصَّةً ما يتعلَّق بتاريخ الدولة الرسوليَّة، قال السخاوي: “اعتنى بأخبار بلده، فجمع لها تاريخًا على السنين وآخر على الأسماء، يعني المسمَّى طراز أعلام اليمن في طبقات أعيان اليمن، وسمَّاه -أيضًا- العقد الفاخر الحسن في طبقات أكابر أهل اليمن، وآخر على الدول”.
العسجد المسبوك فيمن تولى اليمن من الملوك أهمُّ كتبه في التاريخ والسير والتراجم، كتاب “العسجد المسبوك فيمن تولَّى اليمن من الملوك”، ويُسمَّى كذلك “العسجد المسبوك والجوهر المحكوك في طبقات الخلفاء والملوك”. رتَّبه على السنين وجعله أبوابًا، ولكلِّ بابٍ فصول عدَّة، وكلُّ فصلٍ لمرحلةٍ معيَّنةٍ؛ وذلك من ظهور الإسلام، إسلام أهل اليمن مرورًا بعمال النبيِّ صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين على المخاليف، عمال بني أمية، عمال بني العباس، الإمارات والممالك اليمنية التي حكمت اليمن في مرحلة الاستقلال الإقليمي عن الدول الإسلاميَّة المركزيَّة، وخصَّ الدولة الرسوليَّة بالنصيب الأوفر إلى آخر حياة الملك الأشرف بن الأفضل العباسي المتوفَّى سنة (803هـ=1400م)، وصنَّفه وعلَّق عليه العلامة محمد علي الأكوع.
العقود اللؤلؤيَّة في تاريخ الدولة الرسوليَّة ولموفَّق الخزرجي كتاب “العقود اللؤلؤيَّة في تاريخ الدولة الرسوليَّة”، رتَّبه بحسب السنين والأشهر، من أوَّل دولة الملك المنصور عمر بن علي الرسولي الغساني سنة 626هـ، مؤسِّس الدولة الرسوليَّة في اليمن، الذي جاء بعد انقراض الدولة الأيوبيَّة إلى آخر دولة الملك إسماعيل بن العباس، معوِّلًا فيه على كتاب “الجندي” في التاريخ الموسوم بـ “السلوك”، ترجمة المستشرق “السير. ج.
دود هاوس”، ونشره بعد وفاته المستشرقان “براون” و”نيكلسون” في ثلاثة أجزاء، وقد صدرت الطبعة الأولى منه، عن مطبعة (الهلال – بالفجالة)، بمصر، سنة 1911م، في مجلَّدين، وأعاد طبعه مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء سنة (1403هـ=1983م)، في مجلَّدين، بتحقيق المؤرِّخ (محمد بن علي الأكوع)، وللكتاب ذيلٌ لمؤلِّفٍ مجهول، من أهل القرن التاسع، سجَّل فيه حوادثه إلى ربيع الآخر سنة 803هـ، وقام بنشره الأستاذ عبد الله الحبشي (مطبعة الكتاب العربي: دمشق 1984م).
كتب أخرى في تاريخ وتراجم اليمن ولعليِّ بن الحسن الخزرجي من المصنَّفات -أيضًا-:
1- كتاب “طراز أعلام الزمن في طبقات أعيان اليمن”، ويُسمَّى -أيضًا- (العقد الفاخر الحسن): مخطوط في أربعة مجلَّدات، حقَّقه الأستاذ (عبدالله بن محمد الحبشي)، وهو كتابٌ مرتَّبٌ على الحروف الهجائيَّة، بدأه بذكر كبار الصحابة، والتابعين، والفقهاء من اليمن، إلى أن ذكر أشهر الأعلام في أيَّامه، وتوجد منه نسخة في المتحف البريطاني.
2- كما أنَّه يُنسب إليه كتاب “الكفاية والإعلام فيمن ولي اليمن وسكنها من الإسلام”: وهذا الكتاب مرتَّبٌ حسب تاريخ الدول التي حكمت اليمن، ويتضمَّن عشرة فصول في تاريخ اليمن، منذ ظهور الإسلام، إلى قيام دولة (بني زريع)، خصَّص الفصل الخامس منه في تاريخ مدينة زبيد – خ، توجد منه نسخة في مكتبة باريس، وأخرى في مكتبة المتحف البريطاني في لندن.
3- وكتاب “قلايد العقيان” وهو مخطوط، وهو موجود في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء.
4- وله “ديوان شعر”، وهو من كتبه المفقودة.
5- “مرآة الزمن في تاريخ زبيد وعدن”، وهو من كتبه المفقودة.
6- “المحصول في أنساب بني رسول”.
7- “مجموع رسائله”، من كتبه المفقودة أيضًا.
8- “الدامغة”، وهي قصيدةٌ طويلةٌ في التعصُّب للقحطانيَّة، ردَّ بها على بعض معاصريه من الشيعة، مطلعها: تَأَلَّقَ الْبَدْرُ الْكَلِيلُ فِي الدُّجَى *** مُرَفْرِفًا فَهَبَّ نَشْرِيُّ الصِّبَا وقد ردَّ عليها العلَّامة أبو الحسن علي بن محمد بن إسماعيل الناشري. وموفق الدين الخزرجي يعترف في معظم كتبه بفضل العلَّامة المؤرخ بهاء الدين محمد بن يوسف بن يعقوب الجندي عليه، ويقول: “لولا جمعه، وبحثه، واستقصاؤه ما تصدَّيت لتصنيفي، ولا اهتديت إلى شيءٍ من ذلك؛ فهو الذي شجَّعني على ذلك الطريق، وهو في السلم شيخي، وإمامي في الحرب”. اعتمد الخزرجي في وضع كتبه على عدة مصادر ومؤرخين وعلماء سبقوه من بينهم ابن عبد المجيد، الرازي الجندي ، الأزرقي صاحب أخبار مكة ، والمسعودي، الحسن بن يعقوب الهمداني ،الشريف الإدريسي، الأسنوي في طبقاته. أبو الحسن الأصفهاني القلعي وسبط ابن الجوزي، إلا أن أهم ما قام به هو رصده للأحداث والوقائع التي عاشها وشاهدها ولهذا كانت شهادته شهادة عيان من قبل مؤرخ دقيق الملاحظة، فتاريخ الدولة الرسولية كان هو شاهداً لها وعليها. وصارت أعماله مرجعاً لمن جاء بعده كابن الديبع وبامخرمه وغيرهم رحم الله مؤرخ ألدولة اليمنية الرسولية ابو الحسن الخزرجي الذي اضاف لليمن رصيد قوي من خلال كتبه التي اصبحت مراجع لكل من يبحث عن تاريخ اليمن في عهد الدولة اليمنية الرسولية.
وفاة الخزرجي
ذكر ابن حجر العسقلاني أنَّ أبا الحسن الخزرجي تُوفِّي بزبيد في أواخر سنة (812هـ=1410م)، وقد جاوز السبعين. قال محقِّق كتاب العقود اللؤلؤيَّة محمد الأكوع: إنَّ وفاته كانت بمدينة زبيد، وقيل: في مدينة حرض شمال مصبِّ وادي مور، في أثناء عودته من الحج. فرحمه الله رحمةً واسعة.
المصادر والمراجع:
– الخزرجي: العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية، الجزء الأول عُني بتصحيحه وتنقيحه: محمد بسيوني عسل، الجزء الثاني تحقيق: محمد بن علي الأكوع الحوالي، الناشر: مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، دار الآداب، بيروت
– لبنان، الطبعة الأولى، 1403هـ=1983م. - الخزرجي: العسجد المسبوك والجوهر المحكوك في طبقات الخلفاء والملوك، تحقيق: شاكر محمود عبد المنعم، الناشر : دار البيان/ بغداد – دار التراث الإسلامي/ بيروت، 1395هـ=1975م.
- ابن حجر: إنباء الغمر بأبناء العمر، تحقيق: حسن حبشي، الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – لجنة إحياء التراث الإسلامي، مصر، 1389هـ=1969م. - السخاوي: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، الناشر: منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت، د.ت.
- ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق: محمود الأرناءوط، خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناءوط، الناشر: دار ابن كثير، دمشق
– بيروت، الطبعة: الأولى، 1406هـ=1986م.
- محمد زبارة: ملحق البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (الملحق التابع للبدر الطالع)، الناشر: دار المعرفة – بيروت، د.ت.
– الزركلي: الأعلام، الناشر: دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، مايو، 2002م.
- عبد الولي الشمري: موسوعة الأعلام اليمنية.
- علي بن علي صبرة: الخرزجي، الموسوعة العربية العالمية، المجلد الثامن، ص800
ابو صالح العوذلي 2024