أطلق إعلان ترامب في مايو 2023 عن نيته رفع العقوبات عن سوريا زوبعة سياسية، وخاصة بعد لقائه القائد السوري الجديد. جاء القرار استجابةً لطلب من السعودية وتركيا، ودعمت قطر هذا التوجه كمساهم اقتصادي. هذه الخطوة صدمت إسرائيل، حيث اعتُبرت تهديدًا لمصالحها. ترامب دعا سوريا للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، غافلاً حقوق الأقليات والدعم للديمقراطية. تم تحديد ثماني توجهات رئيسية تشير إلى ديناميات إقليمية جديدة، منها أهمية المالية لتحقيق الاستقرار، وتراجع التركيز على حقوق الإنسان والديمقراطية. هذه التوجهات تفتح المجال لمستقبل غير مستقر في الشرق الأوسط.
كان إعلان القائد الأمريكي السابق دونالد ترامب المفاجئ في الرياض في 13 مايو/ أيار الماضي عن عزمه رفع العقوبات المفروضة على سوريا من بين أكثر اللحظات إثارة للاهتمام خلال زيارته للخليج.
في اليوم التالي، التقى القائد السوري الجديد أحمد الشرع وصافحه، رغم أن الشرع كان قد قاتل إلى جانب القوات الأمريكية في العراق.
أوضح ترامب أن هذا القرار جاء استجابة لطلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والقائد التركي رجب طيب أردوغان. وقد دعمت قطر هذا التوجه بقوة منذ البداية، إذ اعتبرت نفسها شريكًا اقتصاديًا واستثماريًا قويًا للنظام الجديد.
جلبت هذه الخطوة صدمة لإسرائيل، التي تُعتبر حليف الولايات المتحدة الأقرب تقليديًا في الشرق الأوسط وتسعى لتقسيم سوريا إلى “دويلات مذهبية وإثنية متناحرة”. ومع ذلك، اختار ترامب دعم رؤية الدول الثلاث التي تؤمن بأن إعادة إعمار سوريا أمر ضروري لاستقرار الشرق الأوسط وأنها ستفتح آفاقًا واسعة للتجارة والتنمية الاقتصادية.
حث ترامب القائد السوري على الانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية التي تؤسس لعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل، والقيام بتطهير سوريا من “التطرفيين الأجانب”، وترحيل “المقاتلين الفلسطينيين”. لكنه لم يتناول موضوع حماية الأقليات أو بناء مؤسسات ديمقراطية في سوريا. من جهته، صرح الشرع قبوله اتفاقية فك الارتباط لعام 1974 التي أنشأت منطقة عازلة بين إسرائيل وسوريا، ودعا الشركات الأمريكية للاستثمار في النفط والغاز السوريين.
قد يطلق هذا المشهد ديناميات إقليمية جديدة لن تقتصر على “إعادة تأهيل سوريا كدولة موحدة ومستقرة، ضمن توازنات ترعاها قوى إقليمية وازنة”، كما ذُكر من قبل محمد سرميني في مقاله “اللحظة التي غيّرت ترامب تجاه سوريا” على الجزيرة نت.
لكن من المهم الإشارة إلى أن هذه الاتجاهات قد لا تأخذ مسارًا متبلورًا وثابتًا، بل قد تتجه في مسارات متعرجة نظرًا لكثرة الفاعلين وتداخل العوامل وتعقيد الدوافع والأهداف والمصالح. وهو ما عُرف بالتحليل الشبكي مقارنةً بالتحليل النظمي. لذا، يجدر التأكيد أننا حتى الآن، لسنا بصدد نظام إقليمي محدد في المنطقة يتمتع باتجاهات واضحة وفاعلين أساسيين وخصائص متبلورة.
توجهات ثمانية رئيسية
على الرغم من ذلك، يمكن رصد بعض هذه التوجهات استنادًا إلى الحالة السورية التي تبقى مفتوحة على احتمالات متعددة. وسأكتفي في هذا المقال برصد هذه التوجهات دون تقييم المعضلات التي تواجهها، والذي آمل أن أخصص له جهدًا منفصلًا.
أولًا: المالية كقوة استقرار إقليمية
وفقًا لهذه الرؤية، تُعتبر التدابير الماليةية، مثل تخفيف العقوبات والتنمية الاقتصادية والمساعدات وجهود إعادة الإعمار، من قِبَل مختلف الأطراف الفاعلة (قادة الخليج والإدارة الأمريكية) أدوات محتملة لتعزيز الاستقرار في المناطق التي تخرج من النزاعات، كالتي في سوريا، وقد تساهم أيضًا في تخفيف الأزمات في غزة واليمن، فضلًا عن خدمة المصالح الاستراتيجية الأوسع للولايات المتحدة ودول الخليج.
في هذا السياق، يُعتبر الانتعاش الماليةي وإعادة الإعمار ضروريين لتحقيق الاستقرار في سوريا بعد سنوات من الحرب الأهلية. تعتبر العقوبات عائقًا رئيسيًا أمام جهود إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية والتعافي الماليةي، إذ تضر بالدرجة الأولى بالمدنيين السوريين.
يتوقع أن يمهد رفع العقوبات الطريق أمام تدفق المساعدات والتنمية الاقتصاديةات والخبرات الإقليمية والدولية لدعم “السلطة التنفيذية الجديدة” في جهودها لإعادة بناء البلاد ومنع عدم الاستقرار السياسي. يُعتبر وجود اقتصاد قوي أمرًا حيويًا لنجاح “السلطة التنفيذية السورية الجديدة” في تحقيق الاستقرار.
وتشير التقديرات إلى أن المالية السوري سيستمر في التدهور ما لم يتم تخفيف العقوبات، مما يعزز من الاعتماد على روسيا والصين وإيران. كما أن ازدهار سوريا سيساهم في تقليل تدفقات اللاجئين.
تتبنى السعودية وقطر بالشراكة مع تركيا فكرة تخفيف العقوبات، لا سيما المفروضة على البنية التحتية والقطاعات السنةة، انطلاقًا من اعتقاد أن ذلك سيعزز مكانة القيادة الجديدة، ويواجه النفوذ الإيراني، ويحول دون تحول سوريا إلى “دولة فاشلة”.
يُنظر لتخفيف العقوبات كخطوة أولى حاسمة نحو تحقيق الاستقرار في القطاعات الأساسية، وتهيئة المناخ للاستثمار الدولي. يمكن لجهود التعافي المبكرة المدعومة بتخفيف العقوبات أن تتيح عودة آمنة للنازحين السوريين، وتساهم في تحقيق استقرار إقليمي أوسع.
ترى هذه الدول أن الاستقرار الجيوسياسي يتسم بأهمية بالغة لرفاهية اقتصاداتها، التي قد تتضرر بسبب حالة عدم اليقين الماليةي أو التصعيد مع إيران. وهناك تفاؤل بأن تحقيق السلام في الشرق الأوسط سيساهم في دعم الأجندات الماليةية لدول الخليج الساعية لتنويع اقتصادها وبناء اقتصاد ما بعد النفط.
ثانيًا: التحالفات السائلة الفضفاضة
تظهر الحالة السورية تقاربًا محددًا في المصالح بين الفاعلين الإقليميين بشأن استقرار سوريا وإعادة إعمارها، خاصة في جهودهم للتأثير على الإستراتيجية الأمريكية بشأن العقوبات وأدوارهم في التنمية الاقتصادية بعد المواجهة. لكن، لا يمثل هذا بالضرورة إجماعًا إقليميًا أوسع بشأن جميع القضايا والأزمات في المنطقة، كما يتضح من ديناميكيات التوازن المحتملة والتنافسات القائمة.
تظل أولوية الدول لمصالحها القُطرية، ولم يحدث حتى الآن حوار جاد بين “الفاعلين القائديين” في المنطقة حول ملامح نظام إقليمي جديد. ومصالحها في سوريا متعددة الأوجه، ورغم تقاربها حول نقاط محددة، إلا أنها لا تعكس بالضرورة إجماعًا إقليميًا شاملًا. بل إنها مدفوعة بشكل كبير بتقارب مصالح معينة بين هذه الدول فيما يتعلق بمستقبل سوريا واستقرارها، خصوصًا بعد تغيير السلطة التنفيذية فيها.
ثالثًا: التطبيع المرتبط بإنهاء الاحتلال
لم تعد أولوية ترامب هي ضم مزيد من الدول العربية الكبرى إلى اتفاقيات أبراهام، وتراجعت محاولاته لإقناع بقية دول الخليج بالانضمام لتلك الاتفاقيات التي اعترفت بعلاقات اقتصادية متبادلة بين بعض الدول العربية الموقعة عليها وإسرائيل.
بالمقابل، نوّهت الدول غير الموقعة بوضوح موقفًا يتماشى مع الخطة العربية التي تحدد استراتيجيات إعادة إعمار غزة وتنميتها، وتدعم إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة على أساس خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتشترط التطبيع مع إسرائيل فقط بعد توقيع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين اتفاق سلام يحل جميع القضايا المتعلقة بالوضع النهائي، وينهي الاحتلال العسكري الإسرائيلي، ويعزز السيادة الفلسطينية على غزة والضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية).
يمثل تأمين اتفاق نووي مع إيران أولوية أكبر بالنسبة لترامب، وهو كذلك مهم للغاية للمملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج. فالمملكة، التي عارضت الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015، تشجع الولايات المتحدة الآن على المضي قدمًا في المفاوضات لمنع الحرب.
بينما تُوصف اتفاقيات التطبيع بأنها لا تزال “حية وبصحة جيدة” على الرغم من العدوان الإسرائيلي، إلا أن مستقبل التطبيع الواسع، خاصة مع اللاعبين القائديين في المنطقة، يبدو أنه يتأثر بالسياق الإقليمي الراهن، بما في ذلك الإبادة الجماعية في غزة وأهمية قضايا أخرى مثل الاتفاق النووي الإيراني.
لقد أدت استراتيجية ترامب المعتمدة على المعاملات وتركيزه على الصفقات الماليةية خلال الزيارة أيضًا إلى تهميش القضية الفلسطينية مقارنة بالجهود الدبلوماسية التي بذلتها الإدارات السابقة.
رابعًا: مراعاة المصالح الأميركية
تشارك الدول الراعية لسوريا بنشاط في ضمان الاستقرار والسلام الإقليميين، ووصفت ذلك بأنه ضروري لتحقيق الرخاء الماليةي وتحويل المنطقة إلى مركز للفرص، كما نوّه ترامب في زيارته الأخيرة للخليج.
تسعى هذه الدول لإخراج المقاتلين الأجانب وتدعا بخروج إيران من سوريا، مع تقليل نفوذ حزب الله على الإستراتيجية اللبنانية، وهو ما يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة. وتفضل الحل الدبلوماسية بشأن البرنامج النووي الإيراني لتجنب المواجهة العسكري وحماية بنيتها التحتية الماليةية. وهذا يتماشى مع تفضيل إدارة ترامب للتوصل إلى اتفاق تفاوضي.
تُعتبر هذه الدول وسيطًا محتملًا في المواجهةات الإقليمية وحتى العالمية، حيث استضافت السعودية مباحثات بشأن أوكرانيا وعرضت التوسط في المفاوضات النووية الإيرانية الأميركية المستقبلية. وتستضيف قطر المفاوضات بين حماس وإسرائيل، كما تلعب جميع هذه الدول دورًا في عدم عودة تنظيم الدولة، وهو ما يتماشى أيضًا مع أهداف مكافحة التطرف الأمريكية.
ترتبط جهود هذه الدول بالمصالح الأميركية من خلال تعزيز الرخاء الماليةي، والدعوة إلى جهود الاستقرار الإقليمي وتسهيلها (لا سيما في سوريا)، والسعي نحو حلول دبلوماسية مع منافسين مثل إيران، واستضافة أصول عسكرية أمريكية حيوية، والانخراط في مناقشات حول إعادة الإعمار بعد المواجهة (كما هو الحال في غزة)، وغالبًا ما تتماشى الأولويات الاستراتيجية لهذه الدول مع الأهداف الأميركية المتصورة في المنطقة.
تظهر مواقف دول مثل السعودية وتركيا وقطر بشأن سوريا، وتفضيل دول الخليج للدبلوماسية مع إيران وشروط التطبيع مع إسرائيل، أن تأثيرها على الإستراتيجية الأميركية يتزايد.
خامسًا: شرق أوسط بلا جماعات مسلحة
شهد عام 2024 وما مضى من هذا السنة استخدام استراتيجيات متنوعة لمواجهة “الجماعات المسلحة غير الحكومية” في الشرق الأوسط. واجهت بعض الجماعات، مثل “محور المقاومة”، إجراءات تهدف إلى إضعاف قدراتها، وخاصة العسكرية. في المقابل، كانت هناك حالات لدمج حكومي محتمل لبعض الجماعات المسلحة، كما حدث في سوريا بعد الأسد، بالإضافة إلى جهود لدمج جماعات أخرى في هياكل الدولة، كما يجري مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وجهود للمصالحة مع الدولة عن طريق حل جناحها العسكري وقبول إدماجها في العملية السياسية كحزب شرعي، وذلك كما يجري مع حزب العمال الكردستاني (PKK) في تركيا.
شهد “محور المقاومة”، الذي يضم جماعات مثل حزب الله والحوثيين وجماعات المقاومة الفلسطينية، “انتكاسات كبيرة” في عام 2024 أدت إلى “إضعاف موقفهم السنة”. فيما من المحتمل أن تخرج حماس من المواجهة الدائر منذ أواخر 2023 وحتى الآن “بقدرات عسكرية ضعيفة للغاية” نتيجة “العدوان العسكري الإسرائيلي”.
كان أحد أهداف الضربات الأمريكية تجاه الحوثيين الانتقال من الضربات المستهدفة إلى حملة أكثر شمولاً وعدوانية تهدف إلى تعطيل قدراتهم بشكل فعّال، بما في ذلك استهداف قيادتهم السياسية إلى جانب الأصول العسكرية، مما يشير إلى محاولة لإضعاف الحوثيين إلى ما هو أبعد من مجرد احتوائهم.
وافقت الولايات المتحدة على تمويل القوات المسلحة اللبنانية لتعزيز قدرتها على مواجهة التهديدات القادمة من حزب الله. ورغم أن تعزيز القوات المسلحة اللبنانية لا يمثل مواجهة مباشرة مع حزب الله، فإنه يمثل وسيلة غير مباشرة لإدارة نفوذ “جهة فاعلة غير حكومية قوية” داخل لبنان من خلال تعزيز قدرة الدولة.
في سوريا، يسلط الوضع الضوء على مشهد معقد، حيث لعب “المسلحون الموالون للحكومة” دورًا في إسقاط نظام الأسد، وتحقق الحاجة إلى حل أنفسهم لدمجهم في مؤسستي الاستقرار والدفاع في سوريا الجديدة.
علاوة على ذلك، كان الهدف من الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في مارس/ آذار 2025 هو دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد في القوات المسلحة السوري الجديد. ورغم أن هذه الخطوة تهدف إلى استقرار سوريا ومنع إعادة ترسيخ النفوذ الإيراني، فإنها أيضًا تُشير إلى نوع من التكامل بين الدولة وجماعة مسلحة، ومع ذلك، تظل تفاصيل هذا التكامل ومدى الحكم الذاتي الكردي موضع تفاوض.
في 27 فبراير/ شباط 2025، صرح عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) المحتجز، دعوته لحل الحزب. وصف القائد التركي رجب طيب أردوغان هذه الدعوة بأنها “فرصة لاتخاذ خطوة تاريخية نحو هدم جدار التطرف”. وفي 3 مارس/ آذار، صرح الحزب عن وقف إطلاق النار استجابة لدعوة زعيمه، وتلت ذلك في 12 مايو/ أيار الماضي عن حل نفسه.
تعكس هذه التطورات، بما في ذلك التعامل مع الجماعات المسلحة الشيعية في العراق، تطلعات الولايات المتحدة وشركائها في الاتحاد الأوروبي والمنطقة نحو شرق أوسط بلا جماعات مسلحة، أو على الأقل يكون فيه بعضها غير موجود.
يبدو أن الولايات المتحدة وشركائها يسعون إلى شرق أوسط يتضاءل فيه نفوذ بعض “الجماعات المسلحة غير الحكومية” وأفعالها المزعزعة للاستقرار بشكل كبير.
الهدف الاستراتيجي من ذلك هو تهيئة الشرق الأوسط ليكون معبرًا وممرًا لخطوط التجارة العالمية، وهو ما يتطلب تطبيع العلاقات السياسية بين دوله المختلفة.
سادسًا: إسرائيل/ نتنياهو: وصفة عدم استقرار
إسرائيل متورطة في حرب على “سبع جبهات” كما قال قادتها، ولا تريد للمنطقة أن تهدأ أبدًا. يتجلى ذلك في تورط إسرائيل المباشر في الإبادة الجماعية في غزة، واعتداءات المستوطنين في الضفة، وعدوانها العسكري المستمر في سوريا، وموقفها الرافض لإقامة دولة فلسطينية، وحل عسكري للبرنامج النووي الإيراني، وتأثير التهجير للفلسطينيين على الاستقرار في مصر والأردن، كعوامل رئيسية تؤثر على الديناميكيات الإقليمية المعقدة وغير المستقرة في كثير من الأحيان.
توضح الوضع الحالي لمشروع ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) جوانب متعددة. فهو يكشف عن عناصر مهمة بشأن المنطقة والتجارة العالمية. لم يُصوَّر مشروع (IMEC) كطريق تجاري فحسب، بل كوسيلة لتعزيز الاستقرار الإقليمي وتطبيع العلاقات السياسية، لا سيما عبر ربط الهند بأوروبا وأميركا عبر الخليج العربي والأردن وإسرائيل.
تؤثر حالته الحالية، المتأثرة بشكل كبير بالحرب على غزة والمواجهةات الإقليمية المرتبطة بها، على الآمال بأن تؤدي مشاريع التكامل الطموحة إلى تحقيق الاستقرار. في ظل حقيقة أن بناء البنية التحتية اللازمة، خاصة بين إسرائيل والأردن، يُعتبر الآن أمرًا “غير محتمل”، هل يمكن لسوريا الجديدة أن تكون إحدى محطات هذا الممر؟
من الواضح أن المواجهةات التي تدخل فيها إسرائيل تؤثر سلبًا على التعاون الإقليمي الأوسع. يرتبط مستقبل طرق التجارة المقترحة وممرات الطاقة في الشرق الأوسط ارتباطًا وثيقًا بمستقبل حكومة نتنياهو وتحالفه اليميني المتطرف.
يُشكل عدم الاستقرار الناتج عن حكومة اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني تهديدًا كبيرًا لتحقيق هذه المشاريع وأمنها. لذا، من المرجح أن تتطلب الجهود المبذولة لإنشاء هذه الطرق التجارية والحفاظ عليها معالجة وضع “المتطرفين” على جميع الجبهات. ويمكن للديناميكيات المحيطة بهذه الطرق بدورها أن تُشكل مسار الاستقرار الإقليمي المستقبلي -كما يتصور البعض.
هذا الهدف الإستراتيجي ل”الرأسمالية الأميركية” يعكس أيضًا بعدين متكاملين: مواجهة ممر الحزام والطريق الذي تدعمه الصين والتحضير لمواجهة الصين بالانسحاب من الشرق الأوسط المستقر.
سابعًا: إعادة ضبط نفوذ إيران التي لم تعد عدوًا
تتبنى دول الخليج القائدية (السعودية، الإمارات، قطر) وتركيا استراتيجيات مختلفة للتعامل مع إيران، ولكن هناك اتجاهًا مشتركًا نحو تفضيل الحلول الدبلوماسية والتفاوضية بدلًا من المواجهة العسكرية، مع تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، كما يتضح في سوريا ولبنان.
تؤثر هذه الاستراتيجيات بشكل كبير برغبة حماية المصالح الماليةية الحيوية (مثل البنية التحتية النفطية) والحاجة إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي الذي يُعتبر أساسًا للرخاء والتنمية. وقد عززت هذه المصالح التعامل المباشر مع إيران، حتى لو استدعى ذلك تجاوز الحلفاء التقليديين مثل الولايات المتحدة في إدارة بعض ديناميكيات الاستقرار الإقليمي.
ثامنًا: تراجع قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية
تتركز الرواية السائدة في الإقليم حول الدور الذي تلعبه الدولة في توفير التقدم الماليةي والاجتماعي تحت قيادة قوية. من الواضح أن الديمقراطية السياسية غير موجودة في نقاش التحولات في دول المنطقة، وما تبقى هو الحديث فقط عن الحريات الشخصية.
يقتصر الاهتمام بحقوق الإنسان أساسًا على الاعتراف بـ”الأزمة الإنسانية في غزة”، مما يُخشى أن يجعل القضية الفلسطينية مجرّد أزمة إنسانية لشعب بلا حقوق.
تتمحور مناهج الإستراتيجية الخارجية لترامب حول “الصفقات” وتعطي الأولوية للصفقات الماليةية والاستقرار، متجاهلة تمامًا قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لكن تركيز الجمهور العربي على ضرورة تحسين الظروف المعيشية اليومية لا يعني أنهم غير مهتمين بتحسين الحكم أو يرفضون الديمقراطية. لا يعتقد العرب كما لفت الباروميتر العربي في استطلاعاته أن الديمقراطية سيئة بطبيعتها، بل تبنوا نهجًا قائمًا على النتائج تجاه الديمقراطية، وهو نهج يوفر الشرعية وحكم القانون، بالإضافة إلى الظروف الاجتماعية والماليةية المزدهرة.
في الختام؛ كيف يبدو الشرق الأوسط إذا تفاعلت هذه الاتجاهات الثمانية وغيرها مع بعضهما البعض؟ وكيف ستكون ملامحه إذا انبثقت المعضلات داخل كل اتجاه وبين الاتجاهات جميعًا؟ -أسئلة تستحق المتابعة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.