في مايو 2025، قام القائد الأمريكي دونالد ترامب بجولة في الشرق الأوسط، متجاوزًا تحالفه السابق مع نتنياهو. تفاوض ترامب على وقف إطلاق النار مع الحوثيين وأجرى محادثات مباشرة مع حماس، مظهرًا تحولًا في الإستراتيجية الأمريكية رغم المعارضة الإسرائيلية. كتب الأكاديميون عن تأثير اللوبي الصهيوني على الإستراتيجية الأمريكية، بينما يجادل تشومسكي بأن إسرائيل تتبع المصالح الأمريكية. ترامب، المعروف بدعمه لنتنياهو، بدأ يظهر مواقف متناقضة، مثل اعترافه بحقوق الفلسطينيين خلال المفاوضات. التحولات السياسية تعكس تغير التكتيكات بدلاً من الأهداف، ويبقى السؤال: من يقود الآخر في هذه العلاقة؟
في مايو/أيار الجاري، قام القائد الأميركي دونالد ترامب بجولة في الشرق الأوسط شملت السعودية وقطر والإمارات، في تغيير ملحوظ عن تحالفه السابق مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو.
قبل الزيارة، أجرى ترامب مفاوضات لوقف إطلاق النار مع الحوثيين، ولم يطلب من اليمن إنهاء هجماته على الأهداف الإسرائيلية. كما سمح بمحادثات مباشرة مع حركة حماس، حيث تعهد بإرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى غزة مقابل الإفراج عن أسير مزدوج الجنسية يحمل الجنسية الأميركية والإسرائيلية.
هذه الخطوات الأميركية، على الرغم من المعارضات الإسرائيلية الكبيرة، تمكنت من زعزعة الافتراضات حول متانة العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، وهو موضوع أثار جدلاً بين المؤرخين والأكاديميين لعقود عدة.
يرى البعض أن العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي تتشكل بفعل تأثير اللوبي الصهيوني على النظام الحاكم السياسي الأميركي لخدمة مصالح الكيان.
في هذا السياق، قدم العالمان السياسيان جون ميرشايمر وستيفن والت حججًا قوية في كتابهما “اللوبي الإسرائيلي والإستراتيجية الخارجية الأميركية”، حيث استشهدا بأمثلة تاريخية توضح نفوذ اللوبي على صانعي القرار في الولايات المتحدة، بما في ذلك في الكونغرس والإدارات المتعاقبة.
مثلاً، يشير الكتاب إلى تأثير اللوبي الصهيوني والمحافظين الجدد على إدارة القائد جورج بوش الابن أثناء التحضير لغزو العراق بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
بالإضافة إلى ذلك، يصعب تفسير التدخل الأميركي في “الحرب الكونية على التطرف” وتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط فقط من خلال المصالح الأميركية الخالصة. لذا، لا شك أن الكيان الصهيوني لعب دورًا رئيسًا في تعزيز هذه السياسات.
في كتابه “القوة اليهودية”، يوضح الصحفي ج. ج. غولدبرغ جوهر قوة اللوبي الصهيوني في تعزيز المصالح الإسرائيلية.
كما تم دراسة هذا التأثير بشكل معمق في كتاب حديث للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، الذي تابع تأثير اللوبي على الساسة الأميركيين والبريطانيين، ومدى تأثير ذلك على الإستراتيجية الخارجية لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا لأكثر من قرن.
وعلى النقيض، يؤكد المفكر الأميركي نعوم تشومسكي في كتبه أن الولايات المتحدة هي التي توجه الكيان الصهيوني لخدمة مصالحها الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
وفقًا لهذا الرأي، يُنظر إلى الكيان الإسرائيلي كأداة في خدمة الاستراتيجية الأميركية للهيمنة على المنطقة. وهناك سوابق تاريخية تدعم هذا الرأي، مثل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث أمر القائد الأميركي دوايت أيزنهاور حينها الكيان بالانسحاب قبل الاستحقاق الديمقراطي الأميركية.
مثال آخر هو حرب الخليج عام 1991، إذ دعات الولايات المتحدة الكيان بعدم الرد على هجمات العراق لتجنب إحراج الحلفاء العرب.
لذا، يبقى السؤال: من يقود الآخر؟ هذه القضية مهمة لفهم الأحداث في غرب آسيا وشمال أفريقيا.
بمعنى آخر، هل إسرائيل تتحكم في الإستراتيجية الأميركية، أم أنها تتبع الخيوط الأميركية؟
خلال حملة الإبادة التي شنتها إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، دعمت الولايات المتحدة إسرائيل بالكامل، وزودتها بأفضل الأسلحة، مما أثر سلبًا على مكانتها كقوة عظمى مسؤولة عن الاستقرار الإقليمي.
رغم أنه لا يمكن إنكار تأثير اللوبي على الإستراتيجية الأميركية، تبقى مسألة من يقود الآخر في القرارات الكبرى غير مؤكدة، خاصة بعد التحولات السياسية لترامب.
بدأ ترامب فترته الثانية كشخص يدعم الرؤى الصهيونية بشكل غير مسبوق.
خلال ولايته الأولى، اعترف ترامب بالقدس عاصمة للكيان ونقل السفارة الأميركية، وأقر بسيادة الكيان على هضبة الجولان، وهو ما يعد انتهاكًا للقانون الدولي.
عملت سياسات ترامب على إضعاف السلطة الفلسطينية، بتقليص المساعدات الأميركية وإغلاق مكاتب منظمة التحرير في واشنطن، رغم أن المنظمة كانت طرفًا في عملية أوسلو التي قادتها الولايات المتحدة منذ 1993.
لكن ترامب ينظر إلى نفسه كقائد قوي يقدم إنجازات، ولا يريد أن يفوت الفرصة انتظار وعود نتنياهو.
عندما انتهك نتنياهو اتفاق وقف إطلاق النار، أعطى ترامب له شهرين إضافيين لتحقيق أهدافه، لكنه فشل في النهاية.
في السابع من أبريل/نيسان، فاجأ ترامب نتنياهو بإعلان بدء المفاوضات النووية الأميركية الإيرانية بعد أن كان نتنياهو يسعى لتوجيه ضربات عسكرية لإيران.
طلب نتنياهو دعم ترامب في سياسته تجاه سوريا بعد الإطاحة بالأسد، حيث سيطر على أراضٍ سورية بعد مسلسل من الغارات. لكن ترامب خالف توقعاته بدعمه لأردوغان وبدعوة نتنياهو للتوصل إلى تسوية.
على مدار ثلاثين عامًا، كانت الخلافات السياسية نادرة بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، مما أجبر ترامب الكيان على بدء مفاوضات مع تركيا.
صرح ترامب رفع العقوبات عن سوريا رغم الاعتراضات الإسرائيلية، في خطوة جاءت بعد ضغط من ولي العهد السعودي ورجب طيب أردوغان.
تجلى الموضوع الماليةي في زيارة ترامب للمنطقة، حيث سعى وقع صفقات أسلحة مع الخليج.
لكن السعودية رفضت تطبيع العلاقات مع الكيان في ظل إبادة غزة، واشترطت ضمانات أميركية لبناء مفاعل نووي.
فشلت إدارة بايدن في تحقيق اتفاق بسبب رفض إسرائيل دعم حل سياسي مع الفلسطينيين.
لكن ترامب فاجأ الجميع وتجاهل شرط التطبيع ووقع صفقة أسلحة تاريخية.
المفاجأة كانت كبيرة للإسرائيليين الذين عارضوا الصفقة لكنهم لم يقدروا على منعها.
بعد زيارة نتنياهو، صرح ترامب وقف إطلاق النار مع الحوثيين دون شروط، مما عكس تراجع الدعم الأميركي لإسرائيل.
ركزت الإستراتيجية الأميركية على إعطاء الكيان حرية التصرف مع الفاعلين غير الدوليين بينما احتفظت بكبح نشاطاته تجاه الدول.
لكن ترامب أعطى إسرائيل شهورًا من الحرية لقصف غزة، وكان حريصًا على إنقاذ الأسرى الإسرائيليين على الرغم من أن نتنياهو كان يسعى لتحقيق “النصر الكامل”.
قبل جولة ترامب، بدأ فريقه محادثات مباشرة مع حماس لتأمين إطلاق سراح مواطن أميركي-إسرائيلي.
بعد ضغوط من الوسطاء، أطلقت حماس سراح الأسير قبل زيارة ترامب كبادرة حسن نية.
أثار هذا الأمر غضب نتنياهو، حيث اعتبروه تراجعًا أمام حماس.
لكن لا ينبغي علينا الحكم سريعًا، فإدارة ترامب تضم العديد من الصهاينة الموالين للمشروع الصهيوني، مما يجعل التحولات غير مؤكدة.
لذا، تبدو هذه التغيرات تكتيكية أكثر من كونها استراتيجية، حيث تبقى الأهداف النهائية ثابتة، لكن الوسائل تتغير.
الاختبار الحقيقي يكمن في قدرة ترامب على إجبار إسرائيل على إنهاء الحرب في غزة، حينها سنعرف أيهما الدمية وأيهما يمسك بالخيط.
إن نتيجة هذا الاختبار ستجيب عن سؤال: أيهما الأداة وأيهما المحرك؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.