تتفاقم الأزمة داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي مع تهديد حزب شاس الحريدي بالانسحاب إذا لم يتم إقرار قانون يعفي الحريديم من الخدمة العسكرية قبل 30 يوليو. تصاعدت الضغوطات داخليًا بعد الغاء المحكمة العليا لقوانين الإعفاءات، مما يهدد استقرار السلطة التنفيذية بقيادة نتنياهو. حول هذا الموضوع، سيجتمع مجلس حكماء الحزب بعد عيد الأسابيع لاتخاذ قرار. الحزب يواجه تحديات من داخل ائتلافه، في ظل معارضة شديدة من وزراء آخرين. وإضافة إلى ذلك، القوات المسلحة يستعد لملاحقة المتخلفين عن الخدمة، مما يزيد من تعقيد الأزمة السياسية والتهديد بتفكك السلطة التنفيذية.
في مؤشر جديد على تأثير الأزمة على استقرار الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، انضم حزب شاس، الذي يمثل اليهود السفارديم المتدينين، إلى الأحزاب الحريدية الأخرى في التهديد بالانسحاب من حكومة بنيامين نتنياهو إذا لم يتم إقرار قانون يعفي الحريديم من الخدمة العسكرية قبل انتهاء المهلة التي حددتها المحكمة العليا في 30 يوليو/تموز المقبل.
وجاء هذا التصعيد من حزب شاس عبر الصفحة الأولى لصحيفته الحزبية “حدريخ”، التي عنونت صباح الأربعاء بكلمات بارزة “لحظات القرار”، مشيرة إلى أن مجلس حكماء التوراة التابع للحزب سيجتمع بعد عيد الأسابيع (شفوعوت) الذي يصادف هذا السنة يوم 12 يونيو/حزيران، ليتخذ قرارًا بشأن موقفه من السلطة التنفيذية.
ونقلت الصحيفة عن القيادة الحزبية قولها “مع اقتراب الموعد النهائي الذي حدده حاخاماتنا عبر مجلس حكماء التوراة (شليتا) لوضع اتفاقيات مهمة حول قانون التجنيد، تكثفت الجهود في الأيام الماضية، ولكن لم يُتوصل إلى أي اتفاق حتى الآن”. وأضافت أن “المجلس سيناقش مستقبل الحزب في السلطة التنفيذية مباشرة بعد عيد الأسابيع، ونأمل أن يتحمل رئيس الوزراء المسؤولية ويعجل في الاتصالات”.
تهديد غير مسبوق
أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت أن ما يزيد من خطورة التهديد هذه المرة هو أنه لا يقتصر على التيار الحسيدي، المتمثل في حزب (أغودات إسرائيل) برئاسة الوزير يتسحاق غولدكنوبف، بل يشمل شركاءه من التيار الليتواني (ديجل هتوراة) الذين يشكلون معًا تحالف “يهودية التوراة” لليهود الأشكناز، بالإضافة إلى حزب شاس نفسه.
وبحسب التقرير، فإن غولدكنوبف يهدد بالاستقالة من السلطة التنفيذية بعد عطلة شفوعوت إذا لم يتم الوصول إلى “قانون مناسب” يعفي الحريديم من الخدمة العسكرية.
تشير الصحيفة إلى أن هذا التهديد يعني أن الشرخ داخل السلطة التنفيذية لم يعد مقتصرًا على العلاقة بين الحريديم والعلمانيين، بل امتد ليشمل خلافات داخل الائتلاف الحاكم نفسه حول كيفية التصرف حيال القرار القضائي الذي ألغى الإعفاءات السابقة، ومع احتياجات القوات المسلحة المتزايدة في ظل الحرب على غزة.
مأزق نتنياهو
يواجه نتنياهو أزمة عميقة، إذ إن أي قانون يرضي الحريديم سيواجه معارضة داخل معسكره نفسه، خاصة من وزراء مثل إيتمار بن غفير، بالإضافة إلى معارضة شديدة من رئيس لجنة الخارجية والاستقرار يولي إدلشتاين، الذي يرفض دعم أي قانون لا يحظى بتأييد المؤسسة العسكرية.
المعارضة العلمانية، بقيادة أفيغدور ليبرمان، تشن حملة إعلامية ضد ما تصفه بـ”تجنيد الفقراء وقتل العلمانيين”، متهمة الحريديم بـ”الجبن” والتهرب من واجب الدفاع عن الدولة، بينما يواجه القوات المسلحة نقصًا في وحدات الاحتياط في حرب غزة المستمرة لأكثر من 600 يوم.
لكن الصحيفة تشير إلى أن القوات المسلحة الإسرائيلي ذاته لا يرغب في تجنيد الحريديم قسرًا، ولكنه يرفض الوضع القانوني الحالي من دون حل، نظرًا لتبعاته على مبدأ المساواة واحتمالية انهيار نظام الخدمة الإلزامية.
مع تصاعد الحرب في غزة وكشف العجز الكبير في القوات البرية، أصبحت أزمة التجنيد ملفًا ملتهبًا، يهدد تفكك السلطة التنفيذية إذا استمر نتنياهو في المراوحة بين شركائه الحريديم وضغوط المعارضة.
يرى مراقبون أن نتنياهو يحاول كسب الوقت حتى بعد عيد الأسابيع، على أمل تهدئة التهديدات أو إيجاد صيغة وسطية. لكن الوقت يداهمه، ومع كل يوم يمر دون قانون جديد، تزداد فرص تدخل المحكمة أو تفكك الائتلاف بسبب التناقضات الداخلية.
في هذا السياق، أفادت الصحيفة بأنه مع التهديد الأرثوذكسي المتطرف بتعطيل عمل السلطة التنفيذية بشكل متكرر، فإن النقاشات كثفت بين ممثلي الحريديم ونتنياهو وإدلشتاين، حيث يسعى نتنياهو لإدارة الأزمة وتحقيق توازن بين الطرفين، مع استمرار إدلشتاين كأحد المحاور القائدية في حل قضية التجنيد الإلزامي.
الصحيفة لفتت إلى أن فريق نتنياهو واجه مؤخرًا صعوبة في تحديد النهج تجاه إدلشتاين، حيث طلبت الأحزاب الأرثوذكسية المتشددة أن يتعامل معه بصرامة، مهددة بإزالته من رئاسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، وقد يقودها شخصيًا إذا استمر إدلشتاين في رفض مدعاهم.
ومع ذلك، قد يقرر نتنياهو الاستمرار في مماطلة الحريديم حتى عطلة الكنيست الصيفية، ثم الاستحقاق الديمقراطي عام 2026، حيث قد يستخدم خطوات إدلشتاين في التجنيد لأغراض انتخابية.
أزمة مستمرة
ذكرت الصحيفة أن الأزمة الحالية تشكل ضغطًا كبيرًا على حكومة نتنياهو بعد أن ألغت المحكمة العليا سابقًا كافة القوانين التي تمنح الحريديم إعفاءً جماعيًا من الخدمة العسكرية، واعتبرت هذه القوانين تمييزية وغير دستورية. ولفتت إلى أنه بعد انتهاء المهلة الممنوحة للحكومة لصياغة قانون جديد في يوليو/تموز، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قبل ذلك الموعد، فإن جميع الحاخامات وطلاب المدارس الدينية (اليشيفوت) قد يصبحون عرضة للتجنيد الفوري.
كما لفتت إلى أن المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف ميارا أصدرت تعليمات تمنع تخصيص الميزانيات للمدارس الدينية التي لا ترسل طلابها للتجنيد، مما يعني أن آلاف المدارس قد تُحرم من التمويل اعتبارًا من مطلع يوليو/تموز، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا لنمط حياة الحريديم.
أطلق القوات المسلحة الإسرائيلي، قبل نحو أسبوعين، بإشراف مباشر من رئيس الأركان الجديد اللواء إيال زامير، حملة غير مسبوقة لملاحقة واعتقال الحريديم الذين تهربوا من الخدمة العسكرية، وذلك في إطار تنفيذ “أوامر 12″، وهي أوامر عسكرية تصدر لمن تلقوا دعوات تجنيد أولية ولم يستجيبوا، رغم التحذيرات المتكررة. ووفقًا للجيش الإسرائيلي، فإن كل من يتلقى أمر تجنيد ويتخلف عنه دون عذر قانوني يعد فارًا، ويخضع لعقوبات تشمل الاعتقال ومنع السفر والملاحقة الجنائية.
أشعلت هذه الخطوة الإنذارات لدى الأحزاب الحريدية، حيث زادت التهديدات بالانسحاب من السلطة التنفيذية حال اعتقال أي شاب حريدي يتخلف عن الخدمة.
قبل نحو أسبوع، كشف رئيس قسم تخطيط الأفراد في القوات المسلحة الإسرائيلي العميد شاي طيب أنه من أصل 24 ألف أمر استدعاء للتجنيد وُجهت ليهود الحريديم خلال 2024، لم يستجب سوى 1212 شخصًا، مما يعادل 5% فقط.
يُذكر أن القوات المسلحة الإسرائيلي يخطط لاستدعاء 80 ألفًا من قوات الاحتياط الحريديم لمواجهة استحقاقات الحروب الجارية.
خلفية الأزمة
ترجع جذور الإعفاءات الممنوحة لليهود المتدينين من الخدمة العسكرية إلى بدايات قيام دولة إسرائيل، حينما وافق رئيس السلطة التنفيذية الأول ديفيد بن غوريون عام 1948 على إعفاء 400 دعا ديني فقط من التجنيد، حرصًا على المحافظة على “عالم التوراة” بعد المحرقة النازية. لكن هذا الرقم أخذ يتزايد مع السنوات، وزاد تأثير الأحزاب الحريدية في الإستراتيجية الإسرائيلية، حتى أصبح يقدّر اليوم بعشرات الآلاف من المعفيين سنويًا.
في العقدين الأخيرين، حاولت الحكومات المتعاقبة تمرير قوانين لتنظيم هذه الإعفاءات، لكن المحكمة العليا رفضتها مرارًا، معتبرة أنها غير عادلة بحق بقية المواطنين، خاصة اليهود العلمانيين والدروز الذين يؤدون الخدمة الإلزامية.
ازدادت الأزمة مع تزايد أعداد الحريديم وتعزيز نفوذهم السياسي، مما جعل الأحزاب الحريدية ترفض أي تغيير في الوضع القائم، معتبرة أن “الدراسة الدينية توازي في قدسيتها الخدمة العسكرية”. بينما تعالت الأصوات داخل القوات المسلحة والمؤسسة الاستقرارية بضرورة إشراك الجميع في الخدمة، سواء من منظور العدالة أو الحاجة العسكرية في ظل الحروب التي تخوضها السلطة التنفيذية الإسرائيلية على مختلف الجبهات.
يشكل تحالف الحريديم أحد الأعمدة الأساسية في الائتلاف الحكومي الحالي بقيادة بنيامين نتنياهو، حيث يمتلك 18 مقعدًا من أصل 120 مقعدًا في الكنيست الـ25. ويتوزع هذا التمثيل على حزبي شاس (11 مقعدًا) و”يهودية التوراة المتحدة” (7 مقاعد)، اللذين يمثلان الطائفة الحريدية في إسرائيل، ولكنهما يختلفان في الخلفية الاجتماعية والدينية والجغرافية.
يمثل حزب شاس غالبًا الحريديم من أصول سفاردية ويهود الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما يضم حزب “يهودية التوراة” الحريديم الأشكيناز، أي اليهود من أصول شرق أوروبية.