الأربعاء, يونيو 4, 2025
الرئيسية الأخبار تزايد معاناة السكن غير المنظم في أفغانستان نتيجة الفقر والعزلة العالمية
الفقر والعزلة الدولية تفاقم معاناة السكن العشوائي بأفغانستان

تزايد معاناة السكن غير المنظم في أفغانستان نتيجة الفقر والعزلة العالمية

38
0
إعلان


تتفاقم أزمة البناء العشوائي في أفغانستان، خصوصًا بعد عودة دعاان للحكم في 2021. يتزايد عدد المنازل الطينية على سفوح الجبال حول كابل ومدن أخرى، حيث يعيش مئات الآلاف في ظروف قاسية تفتقر للخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء. يضطر المواطنون كالسنةل الحكومي محمد طاهر إلى بناء منازل في مناطق خطرة بسبب ارتفاع تكاليف الإيجار. تُعاني السلطة التنفيذية من غياب الدعم الدولي والعقوبات المفروضة، ما يعقد جهودها لتنظيم هذه الأحياء. الخبراء يؤكدون أهمية التخطيط الحضاري الشامل والتعاون الدولي لحل هذه التحديات الماليةية والبيئية.

كابل- تعتبر المناطق الجبلية المحيطة بالعاصمة الأفغانية كابل ومدن أخرى كـ مزار شريف وهرات وجلال آباد وقندهار، موطناً لمنازل طينية بسيطة تم بناؤها بواسطة أيادٍ محلية، تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الحديثة، مثل المياه والكهرباء وطرق معبدة تصل هذه التجمعات، التي أصبحت ملاذاً لمئات الآلاف من الأفغان الذين اضطروا للانتقال من الأحياء المنظمة بحثاً عن مساكن أرخص على المنحدرات الجبلية، مما يجعل حياتهم معرضة للمخاطر اليومية.

إعلان

لقد تفاقمت ظاهرة البناء العشوائي بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة على إثر عودة حركة دعاان إلى السلطة في أغسطس/آب 2021. هذه الظاهرة ليست جديدة، فقد وجدت خلال السلطة التنفيذية السابقة، لكنها زادت بحدة في ظل الأزمة الماليةية والعزلة الدولية الراهنة.

رغم الخطر

في حي “قلعة فتح الله” الجبلي شرق كابل، يشارك محمد طاهر، موظف حكومي، قصته مع الجزيرة نت حيث قال: “استأجرت بيتاً وسط المدينة بـ70 دولاراً شهرياً، وهو ما يتجاوز راتبي، لذا اضطُرِرت لشراء قطعة أرض صغيرة على سفح الجبل وبناء منزل طيني، ولا توجد طرق تؤدي إليه، وعلينا أن نحمل المياه على ظهورنا يومياً”.

آخر تحديثات الأخبار تيليجرامع

قصة طاهر ليست حالة منفردة، بل تعكس نمط حياة يعيشه مئات الآلاف من الأفغان الذين لجأوا إلى الجبال هرباً من ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض رواتبهم.

وفي المنطقة 15 من كابل، تم بناء أكثر من 39 ألف منزل عشوائي، وأعداد كبيرة منها تقع على سفوح الجبال، خاصة جبل “خواجه بغرا”، حيث سجل نحو 6 آلاف منزل، أما المنطقة 13 (دشت برتشي) غرب العاصمة، فقد شهدت توسعاً ملحوظاً في البناء العشوائي.

وفقاً لتصريحات رئيس المنطقة، فإن “حوالي 70% من مدينة كابل مبنية بشكل غير منظم”، مما يفرض تحديات كبيرة أمام تقديم خدمات أساسية مثل المياه والكهرباء والطرق.

وسط الصخور الحادة والطرق الوعرة، يقف محمد طاهر على جبل يشرف على العاصمة كابل، شاهداً على معاناة يومية يعيشها آلاف السكان في الأحياء الجبلية المح
محمد طاهر دفعه الفقر وغلاء تكلفة الاستئجار للسكن فوق سفوح الجبال (الجزيرة)

تهديدات متواصلة

أدى استيلاء دعاان على الحكم إلى تفاقم الأزمة، بسبب تجميد الأصول الأجنبية للبنك المركزي الأفغاني وفرض عقوبات على أعضاء السلطة التنفيذية، إضافة إلى تعليق معظم المساعدات الدولية التي كانت تمثل العمود الفقري للاقتصاد. أدى توقف دعم المؤسسة المالية الدولي والمانحين إلى شلل مشاريع البنية التحتية وبرامج الإسكان، مما زاد من اعتماد المواطنين على أنفسهم بوسائل بدائية.

يقول خبير التنمية الحضرية عبد الله رضايي، للجزيرة نت: “غياب سياسة إسكان واضحة، وانعدام خرائط حديثة للمدن، وتدهور القدرات المالية للحكومة، سمح بانتشار البناء العشوائي دون ضوابط. والمشكلة لم تبدأ مع دعاان، بل كانت موجودة خلال السلطة التنفيذية السابقة التي فشلت في إيجاد حلول جذرية بسبب الفساد وسوء الإدارة”.

ويضيف رضايي: “الأزمة الحالية تعقدت أكثر نتيجة العقوبات وغياب الدعم الدولي”.

منازل على سفوح الجبال بلا خدمات وسط ضائقة اقتصادية وعزلة دولية
يواجه سكان السفوح معاناة كبيرة وفقرا وعدم توفر الخدمات الأساسية (الجزيرة)

تعاني سكان الأحياء العشوائية من نقص واضح في الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى تهديدات بيئية خطيرة. وفقاً لبيانات بلدية كابل، فقد تم بناء آلاف المنازل فوق سفوح جبال العاصمة، مما يعرض القاطنين لمخاطر الانهيارات الأرضية والفيضانات، حيث تسقط الصخور في الشتاء وتهدد الأمطار الغزيرة صيفاً بتدمير البيوت الطينية الهشة.

يقول جلال الدين تيمور، أحد السكان في منطقة جبلية بجلال آباد: “كل شتاء نعيش في خوف من انهيار الجبل، ولا توجد جدران دعم أو قنوات لتصريف المياه، ونعتمد على إمكانياتنا المحدودة لإصلاح المنازل”.

وفي إقليم بكتيكا، أظهر زلزال عام 2022 هشاشة هذه التجمعات، حيث أدى إلى مقتل أكثر من ألف شخص وإصابة 1500 آخرين، معظمهم من سكان المنازل الطينية العشوائية.

جهود محدودة

تعترف السلطات الأفغانية بمشكلة البناء العشوائي، لكن الإمكانيات المحدودة تعيق أي تقدم فعلي.

وأوضح مصدر من وزارة التنمية الحضرية، للجزيرة نت، أن “السلطة التنفيذية تعمل على إجراء إحصاء شامل للمناطق العشوائية في كابل والمدن الكبرى، بهدف تقنين الأوضاع وتوفير الحد الأدنى من الخدمات مثل المياه والصرف الصحي”. ومع ذلك، اعترف بأن “الموارد المالية واللوجستية محدودة للغاية، مما يجعل هذه الجهود عملية بطيئة ومتعثرة”.

في حين قال المتحدث باسم بلدية كابل نعمة الله باركزي إن “البلدية تبذل جهدها لضبط المخالفات وتنظيم النمو العمراني ضمن الإمكانيات المتاحة”، حيث منعت خلال الأشهر الخمسة الماضية بناء 34 مبنى عشوائياً، وأوقفت أعمال البناء في 77 آخرين بسبب مخالفات فنية، كما أشرفت هندسياً على أكثر من 1240 مبنى بأنحاء العاصمة.

أضاف باركزي أن “البلدية أنجزت خلال السنوات الثلاث الماضية شق 260 كيلومتراً من الطرق داخل كابل، وتسعى لتوسيع هذه المشاريع رغم التحديات المالية”، مشيراً إلى أن مشروع “كابل الجديدة” لا يزال قيد الدراسة ضمن رؤية شاملة لمعالجة أزمة السكن والاكتظاظ.

على صعيد التخفيف من معاناة سكان المناطق الجبلية، بدأت بلدية كابل بالتعاون مع جهات دولية ببناء سلالم حجرية (أدراج) لتسهيل وصول المواطنين إلى الأحياء السفلية، حيث تم إنجاز نحو 2600 متر من هذه السلالم في المنطقة الأولى، مما حسن نسبياً حركة التنقل.

كانت هناك مشاريع إسكان مدعومة دولياً، لكنها لم تصل إلى الفئات الأكثر حاجة، والآن تحاول السلطة التنفيذية الأفغانية التعاون مع منظمات دولية لتوفير دعم تقني وإنساني، لكن العقوبات الدولية والضغوط السياسية تعوق ذلك.

مشروع كابل الجديدة.. رؤية عمرانية تنمو خارج أسوار العاصمة الحالية، تهدف إلى تخفيف الازدحام السكاني وبناء بيئة حضرية حديثة تستجيب لاحتياجات الأجي
تحاول كابل تحت حكم دعاان النهوض وتوفير الخدمات الأساسية للسكان رغم الحصار الدولي (الجزيرة)

حلول طويلة الأمد

يستعرض خبراء التنمية الحضرية حلولاً طويلة الأمد تتطلب وضع سياسات وإجراءات إسكان واضحة وميسورة التكلفة، بالإضافة إلى تحديث الخرائط العمرانية.

يقول رضايي: “لا يمكن حل الأزمة من خلال الملاحقة القانونية أو هدم المنازل، بل يتطلب الأمر استراتيجيات تنموية تأخذ في الحسبان الواقع الاجتماعي والماليةي”.

بالمقابل، يرى المحلل الماليةي أحمد رشيدي أن “جذب التنمية الاقتصاديةات الدولية، مثل الاتفاقيات مع الصين للتنقيب عن النفط أو مشاريع الحزام والطريق، يمكن أن يوفر موارد مالية لإعادة بناء البنية التحتية”.

لكن التحدي الأكبر كما يشير رشيدي هو استعادة الثقة الدولية في حكومة دعاان، التي تواجه انتقادات بسبب خرق حقوق الإنسان، خاصة تجاه النساء.

رغم صغر سنهم، يتحمّل هؤلاء الأطفال عبء جلب المياه يومياً لعائلاتهم من منحدرات الجبل الوعرة، في مشهد يعكس حجم المعاناة اليومية لسكان الأحياء الفق
يواجه السكان ومنهم الأطفال عبء نقل المياه لمسافات طويلة حيث تفتقر هذه الأحياء لأبسط الاحتياجات (الجزيرة)

تستمر أزمة البناء العشوائي في أفغانستان في كونها مرآة تعكس تحديات اقتصادية وبيئية وسياسية عميقة. على سفوح الجبال، يمضي الأفغان في بناء منازلهم الطينية رغم المخاطر. في وقت تحاول فيه السلطة التنفيذية الأفغانية القيام بخطوات محدودة، كما توضح جهود بلدية كابل في شق الطرق وبناء السلالم، يؤكد الخبراء أن الحلول الحقيقية تحتاج إلى تخطيط حضري شامل وتعاون دولي وإرادة سياسية لإعادة بناء اقتصاد منهار وبنية تحتية متهالكة.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا