في مايو 2025، شهدت الأسواق تقلبات في العملات القائدية، حيث تراجع الدولار الأمريكي وسط ضغوط اقتصادية، بينما استمر بريق الذهب رغم انخفاضه 4.34%. سجل اليورو انخفاضًا طفيفًا مع ضغوط من سياسات المؤسسة المالية المركزي الأوروبي، بينما انخفض الجنيه الإسترليني نتيجة الغموض السياسي. تواصل تراجع الين الياباني تحت ضغوط العوائد، في حين تراجع اليوان الصيني مع تدفقات رؤوس الأموال إلى أسواق ذات عوائد أعلى. تشير التوقعات إلى استمرار ضغوط اقتصادية وسياسية على العملات، ومن المرجح أن تظل الذهب والأصول التقليدية ملاذات آمنة في بيئة عدم اليقين العالمية.
في عالم الأسواق، لا تعكس الأرقام وحدها الصورة الكاملة. فالحركة الحقيقيّة تتشكّل في الكواليس، حيث تتداخل القرارات الماليةية مع التوقّعات المستقبلية، وتلتقي السياسات النقدية مع الإشارات الجيوسياسية.
خلال مايو/أيار 2025، تضافرت العوامل المؤقتة مع التأثيرات الهيكلية، مما أفرز مشهداً معقّداً يتمثل في تذبذب الدولار، وضعف اليورو، وتقلبات الجنيه الإسترليني، وتراجع الين، وانخفاض اليوان رغم محاولات الدعم.
بينما فقد الذهب بعض بريقه مقارنة بشهر أبريل/نيسان، إلا أنه لا يزال يتلألأ. في هذا التحليل، نستعرض أهم المؤشرات ونفكّك المحركات لفهم الواقع، واستعداداً للاستحقاقات في يونيو/حزيران.

الدولار الأميركي بين ضغوط التصنيف وانتعاش الثقة
أنهى مؤشر الدولار الأميركي جلسة 30 مايو/أيار عند 99.26 نقطة، بتسجيل انخفاض قدره 2.67% مقارنة بأعلى مستوى له خلال الفترة الحالية والذي بلغ 101.98 نقطة بتاريخ 12 من الفترة الحالية نفسه. تحرك المؤشر بين 98.69 و101.98 نقطة خلال الفترة الحالية، مما يُظهر حالة من التذبذب في ظل التطورات الماليةية والسياسية.
أهم المؤثرات في الإسبوع الأخير من مايو/أيار
- المعلومات الماليةية: كشفت بيانات إنفاق المستهلكين عن تباطؤ ملحوظ، فيما أظهرت طلبات إعانة البطالة الإسبوعية نتائج دون المتوقع، مما دلّ على علامات ضعف اقتصادي تؤثر سلباً على أداء الدولار.
- قرار المحكمة الفدرالية بإلغاء الرسوم الجمركية التي فرضها القائد الأميركي دونالد ترامب: دعم الدولار لفترة قصيرة، ثم تلاشت آثاره أمام الضغوط الأخرى.
- تصريحات الاحتياطي الفدرالي (المؤسسة المالية المركزي الأميركي): عبّر بعض أعضائه عن الحاجة إلى التريث في رفع الفائدة، مما أخفّض زخم الدولار.
- تأجيل فرض الرسوم على أوروبا: أضفى بعض الاستقرار النسبي في الأسواق، وقدم دعماً مؤقتاً للعملة الأميركية.
العوامل الأساسية الممتدة
- خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، حيث خفضت وكالة موديز تصنيفها من الدرجة الممتازة “إيه إيه إيه” (Aaa) إلى “إيه إيه1” (Aa1).
- ارتفاع الدين السنة والعجز المالي.
- تصاعد التوترات التجارية مع الصين وأوروبا.
- ارتفاع عوائد السندات الأميركية وزيادة تكلفة التمويل.
- تراجع حيازة السندات الأميركية من قبل كبار المستثمرين مثل الصين واليابان، مما أثار مخاوف إضافية بشأن الثقة والأسواق.
التوقعات
من المتوقع أن يبقى الدولار تحت ضغط العوامل الممتدة والسياسات الرئاسية، مع ترقب قرارات الفدرالي وبيانات ارتفاع الأسعار في يونيو/حزيران. ويُتوقع أن يتبنى الاحتياطي الفدرالي نهجاً أنذراً، مما يبقي الدولار محصوراً بين تأثيرات المعطيات الماليةية والضغوط السياسية.

الذهب في مايو تقلبات وتراجع
سجل الذهب أعلى قمة له في مايو/أيار عند 3438 دولاراً للأوقية، قبل أن يتراجع ليغلق عند 3289.39 دولاراً، مما يعني انخفاضاً بنسبة 4.34% عن الذروة الفترة الحاليةية. تعكس هذه التحركات حالة من التقلّب وتغير معنويات المستثمرين.
الأسباب في الإسبوع الأخير من مايو
- تأجيل الرسوم على أوروبا، وقرار المحكمة الأميركية بإلغاء الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب ساهمتا في تخفيف التوتر التجاري، مما قلل من إقبال المستثمرين على الذهب كملاذ آمن.
- موقف الاحتياطي الفدرالي المتريث بشأن خفض الفائدة جعل المستثمرين في حالة ترقب، مما قلل من جاذبية الذهب. كما أن ارتفاع مؤشرات الأسهم الأميركية عزز الإقبال على الأصول ذات العوائد، على حساب الذهب.
العوامل الأساسية الممتدة
- مشتريات البنوك المركزية العالمية التي بلغت 244 طناً في الربع الأول من السنة، تمثل 22% فقط من الطلب الحقيقي، مما يشير إلى عمليات شراء غير معلنة، من المحتمل أن تقودها دول مجموعة البريكس.
- خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة زاد من القلق المالي عالمياً، مما قد يدعم الذهب على المدى البعيد.
- تصاعد التقلبات الجيوسياسية والماليةية وارتفاع معدلات ارتفاع الأسعار عالمياً.
التوقعات
ستظل تحركات الذهب مرتبطة بتضخم الأسعار، والسياسات التجارية، وقرارات الفدرالي. وعلى المدى القصير، تبقى تقلباته مرجحة. أما على المدى الطويل، يُتوقع أن يظل الذهب أداة تحوط رئيسية في ظل بيئة عدم اليقين العالمية.

اليورو بين ضغوط الفائدة وتحديات النمو
سجل اليورو خلال مايو/أيار قمة عند 1.1419 دولار، وأدنى مستوى عند 1.1065 دولار، ليغلق الفترة الحالية عند 1.1348 دولار. يمثل هذا الإغلاق تراجعاً طفيفاً بنسبة 0.62% عن أعلى نقطة في الفترة الحالية، بفعل تباين السياسات النقدية الأوروبية وتضارب المؤشرات الماليةية.
أبرز المؤثرات في الإسبوع الأخير من مايو
- تلميحات المؤسسة المالية المركزي الأوروبي بخفض الفائدة في يونيو/حزيران عززت الضغط على اليورو.
- تباطؤ ارتفاع الأسعار في ألمانيا (الدولة الأكبر في منطقة اليورو) دعم التوقّعات بمزيد من التيسير النقدي.
- تحسّن الإقراض المصرفي منح بعض الدعم الماليةي، لكن تأثيره على اليورو كان محدوداً.
- ضعف الدولار الأميركي دعم اليورو نسبياً.
العوامل الأساسية الممتدة
- استمرار ضغوط ارتفاع الأسعار.
- تباطؤ النمو الماليةي في منطقة اليورو.
- التوترات التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة.
- فجوة أسعار الفائدة بين اليورو والدولار الأميركي، مما يجعل الأصول المقوّمة بالدولار أكثر جاذبية.
- تراجع القطاع الصناعي الألماني، مما يؤثر سلباً على التوقّعات الماليةية في القارة.
التوقعات:
يُنتظر أن يبقى اليورو تحت ضغط خلال الإسبوع الأول من يونيو/حزيران، مع ترقب نتائج اجتماع المؤسسة المالية المركزي الأوروبي في الخامس من يونيو/حزيران. وإذا تم خفض الفائدة دون الإشارة لمزيد من التخفيضات، قد يمنح ذلك دعماً مؤقتاً للعملة. أما الاستمرار في لهجة التيسير، فسيوفر مزيداً من الضعف لها.

الإسترليني.. تحركات ملحوظة وسط غموض سياسي
تراوح الجنيه الإسترليني خلال مايو/أيار بين أعلى مستوى عند 1.3595 وأدنى مستوى عند 1.3139، ليغلق في نهاية الفترة الحالية عند 1.3461 دولار. يعكس ذلك انخفاضاً بنسبة 0.99% عن ذروته الفترة الحاليةية.
المؤثرات في الإسبوع الأخير من مايو
- صعود حزب نايجل فاراج قبل الاستحقاق الديمقراطي خلق حالة من الغموض السياسي.
- توقعات خفض الفائدة مارست ضغوطاً على الإسترليني.
- بيانات النمو الماليةي القوية وفرت دعماً مؤقتاً.
- ضعف الدولار الأميركي حدّ من خسائر الإسترليني.
- مخاوف بشأن قيود الميزانية أثرت سلباً على معنويات الأسواق.
العوامل الأساسية الممتدة:
- توجهات الإستراتيجية النقدية لبنك إنجلترا.
- ارتفاع معدلات ارتفاع الأسعار.
- العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة.
التوقعات:
سيبقى الإسترليني عرضة للتذبذب في ظل مزيج من الضغوط ارتفاع الأسعارية، والغموض السياسي، وتردد بنك إنجلترا. وقد يمنح أي تأجيل إضافي لخفض الفائدة دعمًا مؤقتًا للعملة.

الين الياباني بين ضغوط العوائد وتلويح بالتدخل
تحرك الين الياباني خلال مايو/أيار بين قمة عند 148.66 وأدنى مستوى عند 142.11، ليغلق عند 144.60 بتراجع نسبته 2.73% من أعلى مستوياته. ورغم زيادة تلميحات السلطة التنفيذية للتدخل، فإن فجوة العوائد بين السندات الأميركية واليابانية واصلت ضعف الين.
أهم المؤثرات في الإسبوع الأخير من مايو:
- ارتفاع ارتفاع الأسعار في طوكيو زاد من التوقعات بشدة نقدية وشيكة.
- تراجع الإنتاج الصناعي أثار مخاوف بشأن التباطؤ الماليةي.
- تصريحات بنك اليابان (المؤسسة المالية المركزي) حافظت على الغموض حول المسار المستقبلي لأسعار الفائدة.
- تصاعد التوترات الجيوسياسية زاد من الطلب على الين كملاذ آمن.
- ضعف الدولار الأميركي أضفى دعماً نسبياً للين.
العوامل الأساسية الممتدة
- ارتفاع معدلات ارتفاع الأسعار.
- خفض توقعات النمو الماليةي لعامي 2025 و2026.
- تأثير الرسوم الأميركية على الصادرات اليابانية.
التوقعات
وسط غياب تدخل مباشر حتى الآن، فإن اقتراب الين من مستوى 147–148 قد يضغط بنك اليابان للتحرك المفاجئ لضمان الاستقرار المالي. كما أن استمرار المضاربات واتساع فجوة العوائد يرفع من احتمالات التدخل الفعلي في القطاع التجاري.

اليوان الصيني تحت الضغط رغم تدخلات بكين
سجل اليوان داخل الصين أعلى مستوياته عند 7.2714 خلال مايو/أيار، قبل أن يغلق في 30 مايو/أيار عند 7.1998، بتراجع بلغ 0.98%. أما في الأسواق الخارجية، حيث التداول أكثر تحرراً، فقد بلغ ذروته عند 7.2874 وأغلق عند 7.2048، مسجلاً تراجعًا بنسبة 1.3%.
أهم المؤثرات في الإسبوع الأخير من مايو
- تسارع خروج رؤوس الأموال نحو أسواق ذات عوائد أعلى.
- تثبيت بنك الشعب الصيني (المؤسسة المالية المركزي) لسعر استرشادي أضعف عند 7.1876 في 27 مايو/أيار.
- تخفيف التدخلات اليومية، مما يدل على مرونة أكبر في إدارة سعر الصرف.
- تباطؤ قطاع المصانع.
- تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة.
- زيادة حرص المؤسسة المالية المركزي على إبقاء اليوان منخفضاً لدعم الصادرات.
العوامل الأساسية الممتدة
- ضعف الطلب المحلي واستمرار أزمة العقارات.
- التوترات التجارية المستمرة مع واشنطن.
- ارتفاع رهانات البيع على المكشوف في الأسواق الخارجية.
- فجوة الفائدة الكبيرة بين الصين والولايات المتحدة، نتيجة الفائدة الأميركية المرتفعة وسياسات التيسير النقدي في الصين.
- استمرار تدفق الأموال نحو الخارج.
- غياب إصلاحات مالية هيكلية تدعم النمو.
التوقعات
من المرجح أن يبقى اليوان تحت ضغط خلال المدى القريب، ما لم يتدخل المؤسسة المالية المركزي بشكل مباشر أو تتحسن المعطيات الماليةية الداخلية بشكل مفاجئ. الاتجاه السنة يبدو هابطاً، لكن أي تهدئة تجارية أو بيانات إيجابية قد تُبطئ من وتيرة التراجع.