مقابل الشقية على قدر ثمارها
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
– حدد الله تعالى مقابل السعي أو الشقية في الدنيا والأخرة وذلك بقوله تعالى { وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى}، وذكر الله تعالى أن الشقية أو السعي يختلف من شخص إلى آخر فقال تعالى {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}، ولذلك يتفاوت السعي أو الشقية التي يقوم بها بعض الأبناء أو الأخوة أو الشركاء في الشركة العرفية أو شركة الواقع، ومن ناحية أخرى يتفاوت ناتج أو ثمرة الشقية من شخص إلى الآخر، وعلى هذا الأساس فإن المقابل المستحق للشقية أي شقية الولد أو الأخ أو الشريك في الشركة العرفية يكون بحسب الناتج أو الثمرة التي حققها في سعيه أو شقيته في الشركة العرفية إذا لم يكن هناك إتفاق بين الورثة أو الشركاء في الشركة العرفية على تحديد مقابل السعي أو الشقية ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4/7/2012م في الطعن رقم (45581)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأنه (بالنظر إلى تركة والد المستأنف فإنها عبارة عن صندقة لبيع البسباس والحلبة، كما قد ظهر انه كان لسعي المستأنف ونشاطه الدور الرئيسي في تحقيق المستفاد وهي الدكاكين، ولذلك فإن المستأنف يستحق نصف المحلات والنصف الآخر يقسم بين الورثة)، وعند الطعن بالنقض أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((فأسباب الطعن تتعلق بوقائع النزاع، وقد ناقشها الحكم الاستئنافي، ومن خلال ذلك توصل الحكم إلى قناعة ثابتة فيما يخص السعي، فما ورد من أسباب الطعن لا تأثير له))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية الشركة العرفية التي يتم السعي فيها (الشقية):
– الشركة العرفية أو شركة الواقع أو الشركة الفعلية هي: شركة تنشأ بحكم الواقع أو الفعل، كما لو مات المورث فظلت تركته شائعة بين ورثته فقاموا بتنمية أموال التركة وإكتساب أموال إضافية وقاموا بضمها إلى أموال التركة، أو قام الأب بتشغيل أولاده البالغين معه في نشاطه فاكتسبوا أموال أخرى، وكذا الأخوة إذا اشتركوا بالعمل في نشاط معين وقاموا بإكتساب الأموال من عائد نشاطهم أو عملهم وهكذا، والشركة العرفية أو شركة الواقع نظمها القانون المدني وليس قانون الشركات ، فالشركة العرفية تختلف عن الشركات التي نظمها قانون الشركات (الشركة المحدودة – شركة التضامن – شركة المساهمة)، فالشركة التجارية يكون لها عقد تأسيس ونظام أساسي ويصدر قرار من وزير الصناعة والتجارة بإشهارها، في حين أن الشركة العرفية ليس لها في الغالب عقد تأسيس أو نظام أساسي مع أنه قد يكون لها عقد شراكة مكتوب غير أنه لا يتم إشهارها لدى الجهة المختصة على غرار الشركات التجارية.
– وفي هذا المعنى نصت المادة (661) مدني على أن (الشركة العرفية هي الخلطة في الاموال والتكافؤ في الاعمال على ان يعمل شخصان او اكثر كل بحسب ما يحسنه فيكفي كل منهم الآخر، ويكون المستفاد مشتركا بينهم جميعا وما يلزم احدهم يكون عليهم جميعا).
الوجه الثاني: ماهية السعي (الشقية) في الشركة العرفية:
– السعي أو الشقية في الشركة العرفية هو: قيام الشريك أو الشركاء بالعمل البدني أو الذهني أو كليهما مما يحقق عائداً لا يستقل به الساعي نفسه وإنما يتم إستعمال العائد كله أو بعضه في إكتساب أموال جديدة وإضافتها إلى أموال الشركة العرفية، وقد يعمل الشريك الساعي لحساب الشركة العرفية وفي الوقت ذاته يعمل لحسابه الخاص ، فيقوم ببعض الاعمال لحسابه الخاص فيستأثر الوارث أو الشريك وحده بناتج أو عائد عمله في تلك الأعمال، ولايقوم بضم العائد إلى الشركة العرفية ، وللتفرقة بين الأعمال التي يقوم بها الساعي لحسابه الخاص وتلك الأعمال التي يقوم بها الساعي لحساب الشركة العرفية ينبغي أن يتم النظر إلى مصير العائد الذي يحققه الساعي من سعيه، فإن تمت إضافته إلى عائدات الشركة العرفية فيتم إحتسابه ضمن عائدات الشركة العرفية، أما إذا استقل به الساعي لنفسه واستحوذ عليه وحده في حينه فأنه يكون خاصاً به.
الوجه الثالث: تحديد مقابل السعي (الشقية)وتوصيتنا للمقنن اليمني :
– يتم تحديد مقابل السعي (الشقية) وفقاً للأسس الآتية:
1- التراضي بين الشركاء في الشركة العرفية: فقد يكون هناك إتفاق سابق بين الشركاء على تحديد مقابل سعي أو شقية كل واحد من الورثة أو الشركاء، وعندئذٍ يجب العمل بمقتضى ذلك الاتفاق المتراضى عليه ، وقد يكون هذا الإتفاق مؤقتا بمدة معينة أو بصفة دائمة، كما قد يتم الإتفاق بين الشركاء على تحديد مقابل السعي بعد نشوء الشركة العرفية، وقد يكون التراضي بين الشركاء بمناسبة كل نشاط على حدة أو في كل سنة أو في كل فترة ، وقد يكون التراضي بين الورثة أو الشركاء قوليا على هيئة إتفاقات مكتوبة أو شفهية، كما قد يكون التراضي فعلي كما لو اعتاد الشركاء أن يتقاضي كل واحد منهم شيئاً معيناً أو نسبة معينة في كل فترة اوسنة .
2- العرف الخاص: وهو العرف السائد في منطقة معينة أو حرفة معينة، فيتحدد ما يستحقه الساعي بحسب ماهو متبع في عرف الحرفة أو المهنة أو المنطقة. وقد أشارت إلى الأسسين السابقين المادة (662) مدني التي نصت على أنه (اذا كان بين الشركاء تراضي قولي او فعلي طبق ما تراضوا عليه واذا لم يوجد تراض بين الشركاء طبق العرف الخاص بالجهة، واذا لم يوجد عرف خاص طبقت الاحكام المنصوص عليها في المواد التالية، ولا يعتد بالعرف الذي يحرم شخصا من سعيه او غلة ماله اذا طلبه بنفسه).
3- بحسب العائد الذي يحققه الساعي من سعيه، وقد اشارت إلى هذا الأساس المادة (663) مدني التي نصت على أنه (اذا كان للشركاء كرمة (مال) قدمها الشركاء او بعضهم للسعي فيها قسم الناتج بين الكرمة وسعي الشركاء كل بحسب تأثيره في المستفاد. ويقسم نصيب الكرمة من الكسب بين من قدموها او ورثوها من الشركاء كل بنسبة حصته فيها ويقسم الناتج من السعي بين الشركاء جميعا على الرؤوس سواء كان ناتجا من سعيهم في الكرمة او في غيرها، ويعطى من كان لسعيه او وجاهته تأثير في الكسب زيادة بقدر ما تقدم به كسبه)، ومن عيوب القانون المدني اليمني انه جعل هذا الأساس في تقدير مقابل السعي أو الشقية جعله متأخرا عن الأساسين السابقين رغم عدالة هذا الأساس الذي يوافق قوله تعالى { وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} وقوله تعالى {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}، وكان المكان الطبيعي لهذا الأساس ان يكون هذا الأساس هو الأساس الثاني الذي يتم تطبيقه في تحديد مقابل الشقية إذا لم يكن هناك إتفاق بين الشركاء أو الورثة على تحديد ذلك المقابل، ولذلك نوصي المقنن اليمني بتدارك هذا العيب، والله اعلم .