إسكان الزوجة مع ضرتها
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
– الغالب في الزوجات الضرات التنافر وتعمدهن الاضرار والكيد لبعضهن، ولذلك فإن إسكان الزوجة مع ضرتها يلحق بهن الضرر في الغالب، وعلى هذا الأساس صرح قانون الأحوال الشخصية بعدم جواز إسكان الزوجة مع ضرتها الا اذا رضت الزوجتان الضرتان، وبعد صدور الرضاء بالسكن مع الضرة فقد نص القانون على احقية الزوجة في العدول عن رضاها والمطالبة بإسكانها في سكن مستقل عن ضرتها، ومن هذا المنطلق يحق للزوجة في حالة إسكانها مع ضرتها أن تترك بيت الزوجية، ولا تكون الزوجة في هذه الحالة ناشزاً ولا تنطبق عليها أحكام النشوز، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27-12-2011م في الطعن رقم (47747)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأنه (اما بالنسبة للمراجعة للزوجة فلم تنكر الزوجة ذلك، ولكنها أفادت أنها تطلب سكناً مستقلاً عن ضرتها الزوجة الأخرى، ولذلك فإن ما توصل إليه الحكم الابتدائي ورفضه لدعوى النشوز موافق لصحيح الشرع والقانون)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أٌقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا أنه: ((قد تبين للدائرة: أن الحكم الاستئنافي جاء موافقاً في نتيجته للشرع والقانون، اما أورده الطاعن في عريضة الطعن من أن الحكم الاستئنافي لم يناقش ما دفع به فقد تبين للدائرة: أن محكمة الموضوع قد ناقشت ذلك مما يستوجب رفض الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: إسكان الزوجة مع ضرتها في الفقه الإسلامي:
– الزواج في الشريعة الإسلامية هو أساس بناء الأسرة المسلمة الصالحة التي تسودها العشرة الحسنة والحب والود والرحمة، بل أن الزواج آية من آيات الله تبارك وتعالى فقد قال في محكم الكتاب العزيز {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ}، ومن المقرر في الفقه الإسلامي أنه يجب على الزوج العدل والمساواة في الإنفاق على زوجاته إذا تعددن بما في ذلك توفير السكن الشرعي لكل واحدة منهن، ويبين الفقه الإسلامي الشروط الواجب توفرها في السكن الشرعي ومنها: أن يكون السكن مستقلاً تأمن فيه الزوجة على نفسها وصغارها ومالها ومتاعها، إضافة إلى أن الغالب في سلوك الزوجات الضرائر تعمد الضرر أو الإضرار ببعضهن، والشريعة الإسلامية تمنع الضرر قبل وقوعه وتوجب رفعه إذا وقع بالفعل ، وعلى هذا الأساس فإن الفقه الإسلامي يذهب إلى عدم جواز إسكان الزوجة مع ضرتها إلا إذا قبلت الزوجتان بذلك، واجاز الفقه الإسلامي للزوجة أن تطالب بسكن مستقل عن ضرتها حتى لو كان قد سبق لها الموافقة على إسكانها مع ضرتها. (الوجيز في أحكام الأسرة، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص53).
الوجه الثاني: إسكان الزوجة مع ضرتها في قانون الأحوال الشخصية اليمني:
– سلك قانون الأحوال الشخصية مسلك الفقه الإسلامي في هذا الشأن ، فقد اجاز القانون للزوج إسكان الزوجة مع ضرتها في مسكن واحد إذا رضت الزوجتان معاً، غير أن الرضاء السابق بالسكن مع الضرة لا يسقط حق الزوجة في العدول عن رضاها ومطالبة الزوج بسكن مستقل عن الضرة، وفي هذا الشأن نصت المادة (42) أحوال شخصية على أنه (-2- لا يحق للزوج أن يسكن مع زوجته ضرة لها في مسكن واحد إلا إذا رضيتا بذلك، ويحق لها العدول متى شاءت)، فوفقا لهذا النص فإن الأصل هو عدم جواز إسكان الزوجة مع ضرتها، والاستثناء جواز إسكانها إذا رضت الزوجتان معاً بذلك، كما أن النص السابق قد اجاز للزوجة الراضية أن تتراجع عن رضاها بالسكن مع ضرتها في أي وقت تشاء، فيحق لها عندئذٍ مطالبة زوجها بتوفير سكن شرعي لها مستقل عن سكن ضرتها.
الوجه الثالث: الحكمة من عدم جواز إسكان الزوجة مع ضرتها:
– سبق القول أن القانون اليمني قد نص على عدم جواز إسكان الزوجة مع ضرتها وأنه سلك في هذه المسألة مسلك الفقه الإسلامي الذي ذهب أيضاً إلى تقرير أن الأصل عدم جواز إسكان الزوجة مع ضرتها، وأن هذا الأصل مضطرد في كل الأحوال باستثناء حالة رضا الزوجتين معاً، ومع ذلك يجوز للزوجتين أو لأحدهما العدول عن الرضاء والمطالبة بالسكن المستقل عن الضرة الأخرى، ولا ريب أن لذلك حكمة بالغة في الفقه الإسلامي وهي: منع الضرر داخل الأسرة المسلمة وتجفيف منابعه وإنشاء أسرة مسلمة قوامها حسن العشرة وتحقيق الهدف القرآني من الزواج وهو: توفير أسباب المودة والرحمة والسكينة بين الأزواج تطبيقاً لقوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ}، وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن ترك الزوجة لمنزل الزوجية المشترك مع ضرتها ليس نشوزاً مع أنه كان قد سبق للزوجة أن وافقت وقبلت السكن مع ضرتها، وقضى الحكم الذي أقره الحكم محل تعليقنا بأنه يجب على الزوج توفير سكن مستقل للزوجة عن ضرتها وهي زوجته الأخرى، والله اعلم .