عام أسود على شركات التكنولوجيا بتبخر 5 تريليونات دولار
“أبل” فقدت ثلث قيمتها السوقية و”تيسلا” تواصل خسائرها وأسهم “أمازون” تفقد 45 في المئة
أحمد مصطفى صحافي متخصص في الشؤون الدولية:
واصلت شركة السيارات الكهربائية “تيسلا” خسائرها التي بدأت منذ نهاية العام الماضي لتنهي هذا العام أسوأ خسائر في قيمتها السوقية على الإطلاق، وخلال هذا الأسبوع القصير والأخير في عام 2022 استمرت أسهم الشركة التي أسسها ويترأسها الملياردير الأميركي إيلون ماسك في الهبوط يومي الثلاثاء والأربعاء، لتهوي بنحو ثلاثة أرباع قيمتها خلال هذا العام، أي أكثر من 73 في المئة.
وبانخفاض أسهم شركة “أبل” التي تنتج أجهزة “آيفون” وغيرها يوم الأربعاء بنسبة اثنين في المئة، تكون الشركة فقدت ما يقارب ثلث قيمتها السوقية هذا العام، إذ هوت قيمتها السوقية بأكثر من 30 في المئة منذ بداية العام.
أما شركة “أمازون” العملاقة فتنهي هذا العام بخسارة نحو نصف قيمتها السوقية، إذ هوت أسهمها بنسبة 49 في المئة منذ بداية العام وحتى يوم الأربعاء.
ولا يقتصر الهبوط الهائل في القيمة السوقية على شركات التكنولوجيا الثلاث الكبيرة، بل ينسحب أيضاً على بقية شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “مايكروسوفت” و”ميتا” التي تملك موقع التواصل “فيسبوك”.
وقال محللون في مجموعة “بيسبوك” الاستثمارية عبر مذكرة، الأربعاء، إن أسهم “ميتا بلاتفورمس” المالكة لـ “فيسبوك” و”أمازون” و”نتفليكس” هبطت إلى مستوياتها المتدنية التي شهدتها خلال مارس (آذار) 2020 مع بداية أزمة وباء كورونا.
تبخر التريليونات
ويتابع المحللون في “بيسبوك” مؤشراً يضم أكبر 10 شركات تكنولوجية في بورصة نيويورك وهو “مؤشر فانغ+”، الذي بدأ هذا العام وقيمة الأسهم عليه عند 12.3 تريليون دولار.
ومع الأخذ في الاعتبار أن تداولات اليومين الباقيين من هذا العام ستنهي المؤشر عند 7 تريليونات دولار، يكون مؤشر أكبر شركات التكنولوجيا في البورصة الأميركية فقد نحو نصف قيمته، أي بهبوط نسبته 46 في المئة.
وبحسب جردة نهاية العام للأسواق التي نشرتها شبكة “سي إن بي سي” الأميركية، فإن خمس شركات تكنولوجيا كبرى غير شركة “تيسلا”، وهي “أبل” و”أمازون” و “ألفابيت” التي تملك محرك البحث “غوغل” و”مايكروسوفت” و”ميتا”، فقدت نحو 5 تريليونات دولار من قيمتها السوقية منذ بداية العام وحتى الآن.
وفي الإجمال، كما قدر تحليل الشبكة وأكده المحلل المالي هوارد سيلفربلات، فإن مؤشر “إس أند بي” للشركات الكبرى في “وول ستريت” فقد نحو 8 تريليونات دولار خلال 52 أسبوعاً، وفقدت بقية الأسهم المسجلة للشركات الأميركية الأصغر نحو 2 تريليون دولار، وإذا أضيف إلى تلك الخسائر تبخر نحو 2 تريليون دولار من سوق العملات المشفرة يكون إجمال ما اختفى من السوق 12 تريليون دولار، أي بمعدل خسارة تريليون دولار شهرياً خلال العام 2022.
وفي التفاصيل، تبخر أكثر من تريليون دولار من القيمة السوقية لشركة “تيسلا” التي تم حذفها من تصنيف الشركات التي تزيد قيمتها على تريليون دولار بعد أن هوت قيمتها السوقية إلى نحو 400 مليار دولار، وكانت قيمتها مطلع العام 1.2 تريليون دولار بحسب أرقام “غلوبال ماركت إنتليجنس” التابعة لمؤسسة “ستاندرد أند بورز”.
أما “أبل” التي كانت قيمتها السوقية بداية هذا العام 3 تريليون دولار فقد وصلت الآن إلى نحو 2 تريليون دولار، والأمر نفسه مع سوق العملات المشفرة التي وصلت قيمتها المجمعة إلى 3 تريليونات دولار لتهوي حالياً إلى 806 مليارات دولار.
عامل الصين
وأرجع معظم المحللين هبوط الأسهم بشكل عام مع أسهم شركات التكنولوجيا، بخاصة هذا الأسبوع، إلى التطورات في الصين والمخاوف من استمرار مشكلات سلاسل التوريد على رغم قرار بكين رفع كل قيود الإغلاق التي فرضتها لمواجهة موجة انتشار فيروس كورونا ضمن سياسية “صفر كوفيد”، وبالفعل فقد أثرت الإغلاقات في الصين على أداء شركات مثل “تيسلا” و”أبل”.
ومن غير المتوقع أن تحقق “تيسلا” مستهدف مبيعاتها هذا العام مع استمرار إغلاق أكبر مصانعها في شنغهاي نتيجة موجات وباء كورونا، إذ خفضت الشركة توقعاتها لنمو مبيعاتها هذا العام عبر بيان لها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وقال المدير المالي للشركة زاك كيركهورن وقتها إن الشركة قد لا تحقق مستهدف النمو في المبيعات لعام 2022 والمقدر سابقاً بزيادة 50 في المئة عن مبيعات العام الماضي 2021.
وباعت الشركة نحو 936 ألف سيارة العام الماضي، وكي تحقق مستهدف النمو لهذا العام فهي تحتاج إلى بيع 1.4 مليون سيارة، وهذا ما جعل الشركة تقدم إغراءات خصم للمشترين في الولايات المتحدة وصلت إلى خفض السعر بنحو 7500 دولار على بعض أنواع سياراتها، كما سبق وخفضت أسعار سياراتها في الصين أيضاً لزيادة المبيعات.
لكن مشكلة “تيسلا” ليست فقط في سلاسل التوريد بسبب الإغلاقات الصينية للاقتصاد، إذ إن الشركة الرائدة بدأت تواجه منافسة قوية من منتجين آخرين للسيارات الكهربائية، بحسب ما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، ومع أن “تيسلا” تظل صاحبة النصيب الأكبر من سوق السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، إلا أن شركات منافسة مثل “فورد موتور” و”ريفيان أوتوموتيف” بدأت تزيد نصيبها من السوق.
وفي الصين بدأت منافسة الشركات الصينية المنتجة للسيارات الكهربائية تقلص من هيمنة شركة “تيسلا” على السوق، وأصبحت السيارات الكهربائية من إنتاج شركة “بي واي دي” التي يستثمر فيها ويدعمها الملياردير الأميركي وارن بافت منافساً قوياً لسيارات “تيسلا” في السوق الصينية.
أما بالنسبة إلى شركة “أبل” التي تتوقع تراجع عائداتها من المبيعات بما بين 11 و14 في المئة، فعانت أيضاً إغلاقات الصين بسبب ما يزيد على شهر من الفوضى في أكبر مصنع لتجميع منتجها الرئيس في “جينجزو” الذي يعرف باسم “مدينة آيفون” عقب الموجة الجديدة من الوباء التي اندلعت في أكتوبر الماضي. وفي تلك الفترة نقلت شركة “فوكسكون” التايوانية المصنعة لمصلحة “أبل” مراكز إنتاجها إلى مواقع أخرى في الصين وخارجها وبخاصة في الهند.
وتستهدف الشركات التي تمثل سلاسل توريد لشركة “أبل”، مثل الشركات التايوانية “فوكسكون” و”بيغاترون” و”ويسترون”، توسيع أعمالها في مناطق أخرى غير الصين، وفي الوقت الحالي زاد إنتاج أجهزة “آيفون” في الهند بنسب تتراوح بين سبعة وثمانية في المئة. وتتوقع الشركات التايوانية زيادة إنتاج تلك الأجهزة في الهند إلى نسبة 18 في المئة من إجمال الإنتاج بحلول عام 2024.
عوامل أخرى
لكن هناك عوامل أهم مما يركز عليه الإعلام من مشكلات سلاسل التوريد في الصين، منها ما يخص كل شركة ومنها ما هو مشترك بين شركات التكنولوجيا الكبرى بشكل عام، فمثلاً تواجه شركة “تيسلا” منذ نهاية العام الماضي مشكلة تتعلق بسياسات ومواقف رئيسها إيلون ماسك التي أضرت بالشركة بشدة وجعلتها لا تخسر القدر الأكبر من قيمتها السوقية وحسب، بل أيضاً ثقة المستثمرين في مستقبل أدائها.
وزادت تلك المشكلات مع بدء ماسك صفقة شراء شركة “تويتر” خلال الربيع والتي تمت قبل أشهر قليلة بقيمة 44 مليار دولار.
وخلال العام باع ماسك أسهماً له في “تيسلا” بعشرات المليارات وغرق تماماً في مشكلات “تويتر” منصرفاً عن الاهتمام بالشركة الأهم وهي شركة السيارات الكهربائية.
أما ما هو مشترك بين شركات التكنولوجيا فهو سلسلة رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية هذا العام، ومع زيادة نسبة الفائدة يخرج المستثمرون من شركات التكنولوجيا ببيع أسهمها والتحول إلى السيولة، وذلك لأن معدلات الفائدة على النقد تكاد تقترب من معدلات العائد على الأسهم، ولأن رفع نسبة الفائدة يقلل قيمة أرباح الأسهم في المستقبل.
ثم هناك العامل الأهم وهو ما ضخته الحكومات في الأسواق من سيولة لدعم فرص الانتعاش بعد الركود الناجم عن الإغلاقات بسبب وباء كورونا، إذ ضخت الحكومة الأميركية نحو 10 تريليونات دولار ضمن برامج دعم ما يسمى “التيسير الكمي” وغيرها، وكذلك فعل الاتحاد الأوروبي وإن بقدر أقل مع غيره من الاقتصادات الرئيسة.
وذهب القدر الأكبر من تلك السيولة المجانية إلى أسواق الأسهم والعملات المشفرة، ومع تشديد السياسة النقدية تتبخر تلك التريليونات من الأسواق.
المصدر: صحيفة انديبندنت