إعلان


تبادلت شتائم وتهديدات قوية بين القائد الأميركي دونالد ترامب ومستشاره السابق إيلون ماسك، مما أثار ردود فعل واسعة في أوروبا. رغم اعتذار ماسك عن تصرفاته، يُظهر دعم ترامب لليمين المتطرف قلقًا كبيرًا لدى القادة الأوروبيين. تهجم ماسك على عدد من قادة الدول الأوروبية، بينما يُظهر التحقيق السياسي في القارة حالة من الارتباك بين الأحزاب اليمينية. في حين أن أوروبا تحتاج لتكنولوجيا ماسك، خاصّةً عبر “ستارلينك”، فإنها تتردد في التعامل معه بسبب توتر علاقته بترامب، مما يضعها في موقف حرج بين الحفاظ على مصالحها التجارية وتفادي عواقب العلاقة مع القائد الأميركي.

تبادلت الشتائم والتهديدات بين القائد الأميركي دونالد ترامب ومستشاره السابق، الملياردير إيلون ماسك، صدى واسع في كافة أنحاء العالم، خصوصاً في أوروبا.

إعلان

على الرغم من اعتذار ماسك عما قاله تجاه ترامب في تغريدة، وإقراره بأنه “تجاوز النطاق الجغرافي”، إلا أن ردود الفعل كانت قوية في أوروبا ولم يمكن تجاهلها، حيث أن ماسك استغل منصته كأداة للدفاع عن ترامب لمهاجمة القادة الأوروبيين وأنظمتهم.

منذ نجاح ترامب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بدأ ماسك يوجه انتقادات شديدة لدول الاتحاد الأوروبي، متهمًا إياها بالدكتاتورية وكبت الحريات من خلال قوانينها الرقمية. وصرح بشكل علني دعمه لأحزاب اليمين المتطرف، وخاصةً في ألمانيا.

في تقرير سابق، صرحت صحيفة بوليتيكو الأميركية بأن أوروبا تتعامل بأنذر مع إيلون ماسك، حيث تعبر عن قلقها من دعمه للليمين المتطرف وقدرته على التأثير في انتخابات دولها، لكنها في نفس الوقت تخشى مواجهته بسبب علاقته بترامب، وبسبب اعتمادها على تقنياته في مجالات الاتصالات والذكاء الاصطناعي.

مع بداية حملة ترامب الانتخابية، أطلق ماسك حملة هجومية منسقة ضد عدد من القادة الأوروبيين، واصفًا رئيس وزراء بريطانيا بـ “الحقير” ومستشار ألمانيا بـ “الأحمق”، وصرح دعمه لأحزاب اليمين المتطرف مشيرًا إلى عزمه التبرع لحملاتها الانتخابية.

ترحيب بطعم السخرية

لذلك، ليس من المنتظر أن تقف أوروبا مع إيلون ماسك بعد مهاجمته لقوانينها وتحريضه على صعود اليمين المتطرف، حيث أوردت وكالة الصحافة الفرنسية أن باولا بينهو، المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، قالت إن إيلون ماسك “مرحب به جداً” في أوروبا.

عند سؤاله عن ما إذا كان ماسك قد تواصل مع الاتحاد الأوروبي لنقل أعماله أو تأسيس مشاريع جديدة بعد الخلاف المفاجئ بينه وبين ترامب، أجابت المتحدثة بابتسامة: “مرحب به للغاية”.

وفي نفس سياق الترحيب، أفاد توماس رينيه، المتحدث باسم المفوضية الأوروبية لشؤون التقنية، أن “الجميع مرحب بهم للشروع بأنشطتهم أو توسيعها في داخل الاتحاد الأوروبي”، مشددًا على أن هذه هي الغاية من مبادرة “اختر أوروبا” لتشجيع الشركات الناشئة والتوسع في الأعمال.

باولا بينهو، المتحدثة القائدية باسم المفوضية الأوروبية في إحاطة صحفية ببروكسل
باولا بينهو المتحدثة القائدية باسم المفوضية الأوروبية (شترستوك)

وكانت الشماتة حاضرة أيضاً

في مقال لصحيفة بوليتيكو بعنوان: “انهيار علاقة ترامب وماسك يثير شماتة أوروبا”، كتب الصحافي توم نيكلسون أنه بعد انهيار العلاقة بين ترامب وماسك، شعر السياسيون الأوروبيون بشيء جديد تجاه واشنطن: “استمتاع بالشماتة”.

سخر وزير خارجية بولندا رادوسلاف سيكورسكي من أغنى رجل في العالم، مستخدماً تعبيراً تقليدياً ألمانيًا يعكس “الفرح بمآسي الآخرين”، حيث أرسل له رسالة على منصة إكس قائلاً “انظر أيها الرجل العملاق، الإستراتيجية أصعب مما تظن”.

وقد وصف ماسك سابقًا سيكورسكي “بالرجل الصغير” في تبادل كلامي بينهما في مارس/آذار الماضي.

وفي مثال آخر على شماتة أوروبا في الخلافات داخل البيت الأبيض، ذكرت صحيفة بوليتيكو أن المفوض السابق للسوق الداخلية الأوروبية تييري بريتون، الذي اصطدم عدة مرات مع ماسك وترامب، أظهر كذلك استمتاعه بالقطيعة بينهما، حين نشر رمز تعبير على صفحته في منصة إكس يعبر عن السرور بالتراشق الكلامي بين ترامب وماسك.

كومبو من اليمين: إيلون ماسك وزعيم حزب البديل من أجل ألمانيا، وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي
إيلون ماسك (يمين) ورادوسلاف سيكورسكي (رويترز)

اليمين الأوروبي حيران

في مقال في يورو نيوز بعنوان “اليمين الأوروبي عالق بعد انهيار الصداقة بين ترامب وماسك”، اعتبر الصحفي البلجيكي المتخصص في شؤون الاتحاد الأوروبي جيراردو فورتونا أن تداعيات خلاف ترامب وماسك انتشرت عبر المحيط الأطلسي، مما أثار ردود فعل من السياسيين اليمينيين في أوروبا.

ولفت فورتونا إلى أن انهيار هذا التحالف ترك اليمين الأوروبي في حالة من الحيرة، معتبراً أن المخاوف من هذا الموقف تصدرت النقاشات عبر المنصات الاجتماعية مقارنةً بأحزاب اليمين الأوروبي، التي تم تصويرها كـ”أطفال عالقين بسبب طلاق غير ودي”.

وأضاف أنه بعيدا عن الفكاهة، توقف اليمين الأوروبي في صدمة، حيث كان ترامب بالنسبة للكثيرين دليلا على أن “الموجة القومية” ليست فقط ممكنة، بل واقعية بالفعل، بينما ظهر ماسك كبطل يؤيد القضايا القومية ويدعم حركات اليمين المتطرف مثل حزب البديل من أجل ألمانيا وحزب الرابطة الإيطالي.

المقال لفت إلى عدم صدور أي تعليق رسمي من قيادات اليمين الأوروبي حول خلاف ترامب وماسك، معبراً عن حالة الصدمة والتردد التي تعيشها هذه القيادات، إذ غالبًا ما تكون سريعة في استجابتها للأحداث العالمية، خاصة تلك المتعلقة بشخصيات تحظى بإعجابهم.

فورتونا فسر هذا التردد بأنه يعكس قلقاً أعمق؛ حيث أن اختيار أي من طرفي المواجهة قد يمثل إحراجًا إستراتيجيًا يُعيد تشكيل مستقبل اليمين في أوروبا.

AFP 20250208 1744879674
قادة اليمين المتطرف الأوروبي في اجتماع يحمل شعار “لنجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى” المستوحى من ترامب (الفرنسية)

اليمين الألماني الحائر الأكبر

حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف يواجه مهمة صعبة لتحقيق التوازن في علاقته مع ترامب وماسك، حيث يعجب الحزب بسياسات ترامب القومية ويدعم إيلون ماسك الذي أثنى على الحزب في أكثر من مناسبة، قائلًا: “حزب البديل من أجل ألمانيا وحده قادر على إنقاذ ألمانيا”.

قبل الاستحقاق الديمقراطي الفيدرالية الألمانية الأخيرة، شارك ماسك في بث مباشر مع زعيمة الحزب أليس فايدل، مستخدمًا منصته “إكس” للترويج للحزب.

ولم يُعلق المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الذي كان موجودًا في البيت الأبيض عندما انتقد ترامب ماسك، على الحادثة، على الرغم من أن حزبه، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، يعاني من منافسة حادة من حزب البديل المدعوم من ماسك.

أليس فايدل خلال حديثها في المجلس التشريعي الألماني
أليس فايدل الزعيمة المشاركة لحزب البديل من أجل ألمانيا وعن يسارها جلوسًا فريدريش ميرتس المستشار الألماني (رويترز)

كذلك، يواجه حزب الرابطة الإيطالي وزعيمه ماتيو سالفيني وضعاً مماثلاً، إذ طالما اعتبر سالفيني نفسه أكثر الشخصيات دعمًا لترامب في إيطاليا، حتى أكثر من منافسته جورجا ميلوني.

ومع ذلك، سعى ماسك إلى كسب دعم حزب الرابطة أيضاً، حيث دعا للتحدث في المؤتمر الوطني للحزب في فلورنسا من خلال رابط فيديو كضيف شرف.

أما بالنسبة لميلوني، فإن الموقف أكثر تعقيدًا، حيث توازن علاقاتها مع كلا الرجال، كونها أول زعيمة من أوروبا الغربية تلتقي ترامب بعد إعلان الرسوم الجمركية الأميركية على سلع الاتحاد الأوروبي، فتظهر كجسر دبلوماسي بين واشنطن وبروكسل.

في الوقت نفسه، تحافظ ميلوني على علاقة براغماتية مع ماسك، مرتبطة بعقود سبيس إكس المحتملة المتعلقة بالاتصالات الدفاعية الإيطالية.

وعلى الرغم من العلاقات القائمة مع ماسك، من المرجح أن يقف ميلوني وسالفيني بجانب ترامب في حال حدوث انقسام سياسي، إذ لا يزال ترامب حليفاً سياسياً رئيسياً، بخلاف ماسك الذي ليس على نفس المستوى.

صورة تجمع ماسك وميلوني
ميلوني حافظت على علاقة براغماتية مع ماسك (أسوشيتد برس)

في فرنسا والمجر.. الميل لترامب

الوضع أكثر وضوحًا في دول أخرى من أوروبا، خصوصاً في فرنسا والمجر، حيث دأبت أحزاب مثل حزب التجمع الوطني الفرنسي بقيادة جوردان بارديلا، وحزب فيدس المجري على تبني مواقف تتماشى مع أجندة ترامب القومية.

قدّم بارديلا إشادات متعددة بوطنية ترامب، بينما لم يُظهر إعجابًا كبيرًا بإيلون ماسك. أما أوربان فيُعتبر واحدًا من أقرب حلفاء ترامب في أوروبا، حيث يروج لخطابات مناهضة للهجرة تماثل أفكار ترامب.

يعتبر فورتونا أن أحزابًا في دول أوروبية أخرى، مثل حزب القانون والعدالة البولندي وحزب الحرية النمساوي، ترى في ماسك شخصًا ينشر خطابها بدلاً من كونه شريكًا سياسيًا.

إذا كان ماسك قد ساهم في تسليط الأضواء على خطاب اليمين المتطرف في أوروبا من خلال منصته، إلا أنه يفتقر إلى السلطة السياسية أو الاتساق الأيديولوجي الموجود مع العديد من هذه الأحزاب في ترامب.

يختتم فورتونا بأن استمرار الخلاف بين ترامب وماسك قد يجبر الحركات اليمينية الأوروبية على إعادة تقييم تحالفاتها، فتساؤلهم سيكون: هل سيتحالفون مع رمز سياسي ساهم في تشكيل الأيديولوجيا الشعبوية، أم مع شخصية تقنية تعتمد على منصات التواصل بدلًا من السياسات؟

في الوقت الحاضر، يبدو أن الجميع يراقبون وينتظرون، ولكن في حال تصاعد التوترات، قد يصبح الصمت خيارًا غير ممكن.

15349561gs 1749719284
بارديلا (وسط) قدم إشادات بنزعة ترامب القومية بينما أوربان يعد أحد أقرب حلفائه (شترستوك)

وتبقى أوروبا بحاجة لماسك

وفقاً لتقرير سابق من صحيفة بوليتيكو، فإن لدى ماسك -حتى لو انتهت علاقته بترامب- ما تحتاجه أوروبا، ويتمثل في الخدمات والتقنيات التي تقدمها شركاته.

فقد تخطى تأثير ماسك منصته “إكس”، وهي إحدى أكثر المنصات شيوعًا، ليشمل أيضًا خدمات الاتصالات الكبرى التي تقدمها شبكة “ستارلينك” للأقمار الصناعية التابعة لشركة “سبيس إكس”، وهي خدمات اعتمدت عليها أوكرانيا بشكل رئيسي في مجال الاتصالات أثناء نزاعها مع روسيا.

تبذل أوروبا جهودًا كبيرة لتطوير منافس لشركة ستارلينك لتقليل اعتمادها على ماسك، ورغم سعيها لإطلاق 290 قمرًا، إلا أن هذا يعد قليلاً بالمقارنة مع أكثر من 7 آلاف قمر صناعي أطلقتها سبيس إكس منذ عام 2018.

لذلك، تجد أوروبا نفسها في موقف معقد، ما بين الحفاظ على علاقات تستند إلى المصالح التجارية مع ماسك، وعدم قطع العلاقات مع ترامب الذي يعتبر أن أوروبا عبء على الولايات المتحدة.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا