تركزت الأنظار على الاحتجاجات في لوس أنجلوس بولايات كاليفورنيا وسط انتشار عناصر الحرس الوطني، وذلك نتيجة تنفيذ سياسات الهجرة للرئيس ترامب. في الوقت نفسه، أصبحت كاليفورنيا رابع أكبر اقتصاد عالمي، متفوقة على اليابان، حيث بلغ ناتجها المحلي الإجمالي 4.1 تريليون دولار عام 2024. تساهم الولاية بنسبة 14% من المالية الأميركي وتُعتبر أكبر منتج زراعي. تشمل ركائز اقتصادها: التقنية، التجارة، العقارات، الصناعة، السياحة، الفنون، والزراعة. كما تثير فكرة انفصال الولاية “كال إيكزت” اهتمامًا متزايدًا، رغم التحديات القانونية والعملية التي تواجه هذه الطموحات.
تتجه الأنظار نحو أحداث لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا، خاصة مع انتشار قوات الحرس الوطني هناك والاحتجاجات التي شهدت أعمال عنف جراء تطبيق سياسات الهجرة للرئيس دونالد ترامب. هذه الأحداث قد تُسلط الضوء على الاتجاه الانفصالي الذي يعلو صوته في الولاية من حين لآخر.
صرح حاكم الولاية غافن نيوسوم أن كاليفورنيا قد تجاوزت اليابان رسميًا لتصبح رابع أكبر اقتصاد في العالم، وذلك وفقاً للبيانات الصادرة حديثًا عن صندوق النقد الدولي ومكتب التحليل الماليةي الأميركي، حسب ما ذكره الموقع الرسمي لحاكم كاليفورنيا.
بلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لكاليفورنيا 4.1 تريليونات دولار في عام 2024، ممثلاً 14% من إجمالي المالية الأميركي، متجاوزة اليابان التي سجل ناتجها المحلي 4.02 تريليونات دولار، لتحتل المرتبة الرابعة عالميًا بعد الولايات المتحدة والصين وألمانيا.
تُعتبر كاليفورنيا ركيزة أساسية في تعزيز النمو الماليةي للولايات المتحدة، حيث تسهم بأكثر من 83 مليار دولار في السلطة التنفيذية الفدرالية، مما يتجاوز الدعم الفدرالي الذي تتلقاه الولاية. كما أنها تُعد أكبر منتج زراعي في البلاد، ومركزًا رئيسيًا للإنتاج الصناعي، وتكنولوجيا المعلومات، والسياحة والترفيه والخدمات.
تُشير أحدث التقديرات إلى أن عدد سكان كاليفورنيا يتجاوز 40 مليون نسمة، مما يجعلها الولاية الأكثر سكانًا في الولايات المتحدة التي يبلغ إجمالي سكانها أكثر من 341 مليون نسمة. يُشكل المهاجرون في الولاية نحو 28% من سكانها.
تستعرض الجزيرة نت في هذا التقرير الركائز القائدية للاقتصاد في كاليفورنيا.

الركائز القائدية لكاليفورنيا
1- التقنية: تريليون دولار
يعتبر قطاع التقنية من الأعمدة الأساسية للاقتصاد في كاليفورنيا، حيث يُعد محركًا رئيسيًا للنمو والتنمية الماليةية، ويوظف حوالي 1.88 مليون شخص. تقدر مساهمته المباشرة في الناتج المحلي للولاية بحوالي 623.4 مليار دولار، أي 19% من إجمالي الناتج المحلي.
لكن تأثير القطاع يمتد إلى ما هو أبعد من الأرقام، حيث مع احتساب الآثار غير المباشرة والنشاطات الماليةية الناتجة عنه في قطاعات أخرى، تصل مساهمته إلى تقريبًا تريليون دولار، ما يعادل 30% من اقتصاد الولاية.
وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة كاليفورنيا للتجارة والمنظومة التعليمية (CFCE)، فإن دور قطاع التقنية لا يقتصر فقط على الإنتاج والعائدات، بل يمتد أيضًا إلى توفير فرص عمل ذات أجور مرتفعة في جميع أنحاء الولاية، مما يدعم أكثر من 4.2 مليون وظيفة، ما يقارب 20% من إجمالي الوظائف في كاليفورنيا.
يُعزز هذا القطاع إيرادات الضرائب بشكل كبير من خلال التفاعلات بين الشركات والإنفاق الاستهلاكي من السنةلين فيه، مما يجعله ركيزة ضرورية لمستقبل الولاية الماليةي وفقًا لغرفة تجارة ولاية كاليفورنيا.
وادي السيليكون: 70 شركة عالمية
تمتد مدن وادي السيليكون على طول الجزء الجنوبي من منطقة خليج سان فرانسيسكو، وهو مركز لكبرى شركات التقنية العالمية ويحتوي على أكثر من 70 شركة عالمية مثل آبل، غوغل، ميتا، سيسكو، إنتل، إنفيديا، وتسلا، وفقًا لمنصة “بيلت إن سان فرانسيسكو” (builtinSF).
تشمل هذه الشركات إبداعات في مجالات مثل أجهزة الحاسوب الشخصية، والبحث على الشبكة العنكبوتية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، والبرمجيات، وأشباه الموصلات، والروبوتات، وغيرها من المنتجات الرائدة.

2- التجارة: 675 مليار دولار
تُعد الموانئ القائدية في كاليفورنيا، مثل موانئ لوس أنجلوس وسان دييغو، بوابات حيوية للتجارة الدولية، تربطها بالأسواق العالمية وتعزز تدفق البضائع عبر السواحل. يُعتبر حجم التجارة في كاليفورنيا من الأكبر على مستوى البلاد، حيث تصنف كأكبر مستورد وثاني أكبر مُصدر في الولايات المتحدة.
في عام 2024، بلغ إجمالي تجارة البضائع في كاليفورنيا 675 مليار دولار، وفقًا لمعهد السياسات السنةة بالولاية، مما يمثل نحو 16% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعكس الدور الحيوي للتجارة في دعم اقتصاد الولاية.
تستورد كاليفورنيا سلعًا تفوق صادراتها بـ 2.7 مرة، مما يعكس القوة الشرائية لسوق الولاية.
تُهيمن السلع المُصنعة على صادرات كاليفورنيا بنسبة 87% (159 مليار دولار)، وتصطف في مقدمة هذه الصادرات معدات الحاسوب وأشباه الموصلات والمنتجات والطائرات ومكونات الطيران.
كما تُهيمن السلع المصنعة على واردات الولاية (89% أو 436 مليار دولار)، حيث تمثل السيارات وأجهزة الحاسوب وأشباه الموصلات والمكونات الإلكترونية الأخرى معدات الاتصالات ثلث إجمالي الواردات. في حين يُعتبر النفط والغاز خامس أكبر سلعة تستوردها الولاية (26 مليار دولار) أي 5.3% من إجمالي الواردات.
تشكل المكسيك وكندا والصين مجتمعةً 37% من صادرات كاليفورنيا و41% من وارداتها. في عام 2024، صدّرت كاليفورنيا سلعًا صناعية وزراعية بقيمة 65 مليار دولار لهذه الدول، بينما استوردت سلعًا بقيمة 187 مليار دولار وفق المصدر السابق.
3- العقارات والتمويل: 491 مليار دولار
أسهمت قطاعات التمويل والتأمين والعقارات والتأجير والإيجارات في اقتصاد ولاية كاليفورنيا في عام 2024 بمبلغ ضخم يقارب 491.4 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي.
وحسب منصة “حقائق عن الولايات المتحدة” (USA Facts)، فقد حقق قطاع العقارات والتأجير وحده 446.3 مليار دولار، بينما سجل قطاع التمويل والإداري إيرادات بلغت 45.1 مليار دولار في نفس السنة، وفقًا لبيانات منصة ستاتيستا، مما يعكس أهمية هذه القطاعات لدعم البنية الماليةية لكاليفورنيا وتنشيط أسواقها المالية.
4- الصناعة: 397 مليار دولار
تُعتبر كاليفورنيا أكبر ولاية صناعية في البلاد، حيث تضم 24 ألفًا و304 شركات تصنيع، يعمل بها 1.5 مليون موظف. يشمل هذا القطاع المزدهر مجموعة متنوعة من الصناعات مثل التصنيع عالي التقنية والفضاء وتجهيز الأغذية والآلات والأجهزة الطبية، وفقًا لشركة روغرسون للخدمات التجارية.
تشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري للتصنيع في كاليفورنيا، حيث إن 64% من الشركات المصنعة لديها 25 موظفًا أو أقل، مما يبرهن على الروح الابتكارية التي تحرك عجلة النمو في هذه الولاية.
في عام 2023، حقق هذا القطاع حوالي 397 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي، مثلما يُمثل نحو 11% من إجمالي الناتج المحلي وفقًا لمكتب حاكم كاليفورنيا للأعمال والتنمية الماليةية.
5- السياحة: 157 مليار دولار
شهد قطاع السفر والسياحة في كاليفورنيا نمواً ملحوظًا في عام 2024، حيث وصل إجمالي الإنفاق على السفر 157.3 مليار دولار، بزيادة 3% عن 152.7 مليار دولار في عام 2023. وقد ساهم هذا النمو في تعزيز سوق العمل، حيث ارتفعت الوظائف المرتبطة بالسفر بمقدار 24 ألف وظيفة، ليصل إجمالي عدد هذه الوظائف إلى حوالي 1.2 مليون وظيفة، بزيادة 2.1% عن السنة السابق وفق منصة “زُر كاليفورنيا”.
أيضاً، ارتفعت الإيرادات الضريبية المحلية والولائية الناتجة عن أنشطة السفر إلى 12.6 مليار دولار، مقارنة بـ 12.3 مليار دولار في السنة 2023، أي بزيادة 3.1%.
برزت الإقامة والخدمات الغذائية كأكثر الفئات إنفاقاً، حيث بلغ إنفاق الإقامة 34.7 مليار دولار، بزيادة 2.4%، بينما سجل إنفاق خدمات الطعام 36.8 ملياراً، محققاً أعلى نسبة نمو بين الفئات بزيادة 5.3%، وفقًا للمصدر السابق.
6- الفنون والترفيه: 64 مليار دولار
يعد قطاع الترفيه والفنون في كاليفورنيا، خاصة في لوس أنجلوس موطن هوليود، من الركائز الماليةية للولاية، حيث تُولد هذه الصناعة مليارات الدولارات سنويًا وتوفر مئات الآلاف من فرص العمل، مما يجعلها مساهمًا رئيسيًا في الناتج المحلي الإجمالي لكاليفورنيا.
يتجاوز تأثير هذا القطاع حدود التوظيف والإيرادات، ليشمل دورًا فعّالًا في تشكيل السرديات الثقافية وتعزيز الهوية الإعلامية والماليةية للولاية على المستويين الوطني والدولي.
وفقًا لبيانات الاحتياطي الفيدرالي الماليةي “FRED”، بلغت إيرادات قطاع الفنون والترفيه والاستجمام أكثر من 64 مليار دولار السنة الماضي، مما يعكس الدور المحوري الذي يلعبه هذا القطاع في دفع عجلة النمو الماليةي وتعزيز مكانة كاليفورنيا كمركز عالمي لصناعة الترفيه.

7- الزراعة: 59 مليار دولار
تُعد كاليفورنيا رائدة في إنتاج المحاصيل الزراعية في الولايات المتحدة، خاصة الفواكه والخضراوات والمكسرات، حيث تنتج الولاية أكثر من ثلث الخضراوات الأميركية وأزيد من 75% من فواكهها ومكسراتها.
يُعتبر الوادي الأوسط من بين أكثر المناطق الزراعية إنتاجية في العالم، بفضل تربته الخصبة ومناخه المناسب. وقد بلغت العائدات النقدية للزراعة في كاليفورنيا في السنة قبل الماضي حوالي 59.4 مليار دولار، وفقاً لإحصاءات الإنتاج الزراعي.
تشير هذه الإحصاءات إلى أن الزراعة والصناعات المرتبطة بها تُساهم بنسبة تقارب 3% من الناتج المحلي الإجمالي لكاليفورنيا، مما يعكس تأثيرها الكبير والمستدام في البنية الماليةية للولاية.

ماذا لو صرحت كاليفورنيا استقلالها؟
تشير فكرة انفصال كاليفورنيا عن الولايات المتحدة، التي تدعو إليها حركة “كال إيكزت” (Calexit)، إلى اهتمام متزايد، خاصة في ظل التوترات السياسية الحالية بين الولاية والسلطة التنفيذية الفدرالية.
شهدت السنوات الأخيرة ظهور موجة جديدة من هذه الدعوات نتيجة شعور البعض بأن كاليفورنيا، بمواردها الضخمة واقتصادها المتين، قد تتمكن من إدارة شؤونها بشكل أكثر فاعلية مستقلًة عن الاتحاد الفدرالي، كما ورد في تقرير سابق لهيئة الإذاعة البريطانية.
يستند داعمو هذه الفكرة إلى قوة كاليفورنيا الماليةية، حيث يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي حوالي 4.1 تريليونات دولار، بالإضافة إلى عدد سكانها الكبير الذي يتجاوز 39 مليون نسمة، وتنوع مواردها الطبيعية وقدراتها التكنولوجية كعوامل تساهم في كونها دولة مستقلة ناجحة.
ومع أن الاندفاع الشعبي موجود في بعض الدوائر، إلا أن الواقع القانوني يشكل عقبة أمام تحقيق هذا الطموح، إذ ينص الدستور الأمريكي على عدم جواز انفصال أي ولاية من جهة واحدة. كما قضت المحكمة العليا سابقًا -في قضية (تكساس ضد وايت) عام 1868- بأن الاتحاد غير قابل للانفصال. وعلى هذا الأساس، تتطلب أي محاولة قانونية للاستقلال تعديلًا دستوريًا، الأمر الذي يحتاج إلى موافقة ثلثي الكونغرس وثلاثة أرباع الولايات الخمسين؛ وهي مهمة شبه مستحيلة في السياق السياسي الحالي، بحسب تقرير سابق للجزيرة نت.
إلى جانب العقبات القانونية، تواجه فكرة الاستقلال تحديات عملية جسيمة، ومنها الحاجة إلى إنشاء مؤسسات سيادية جديدة مثل القوات المسلحة، والنظام الحاكم الصحي، والضمان الاجتماعي، معظمها يعتمد الآن على السلطة التنفيذية الفدرالية. كما قد يتطلب الانفصال اتفاقيات جديدة مع الولايات المتحدة بشأن التجارة والنطاق الجغرافي والدفاع، بالإضافة إلى ضرورة التقسيم في الأصول والديون.
في النهاية، تعكس فكرة الانفصال رغبة في الاستقلال والاختلاف الثقافي والماليةي لكاليفورنيا مقارنة بباقي الولايات الأمريكية، لكنها تبقى طموحًا رمزيًا أكثر من كونها خطة قابلة للتنفيذ. حتى لو أُجري استفتاء شعبي حول المبادرة (الذي قد يحدث في عام 2028)، ستظل نتائجه غير ملزمة ما لم تُمرر عبر قنوات دستورية معقدة.
ومع ذلك، فإن مجرد طرح هذه الفكرة يُظهر اتساع الفجوة بين كاليفورنيا والسلطة التنفيذية الفدرالية، ويعكس رغبة متزايدة من بعض سكان الولاية في إعادة تعريف علاقتهم بالاتحاد الأمريكي.