بعد استهدافها مستشفى المعمداني في غزة حكومة الاحتلال تتنصل من جريمتها الإنسانية، وتزج برواياتها المفبركة لإلصاقها بصواريخ المقاومة.
إيكاد وعبر تحليل دقيق لمجريات الواقعة وتحليل مقاطع البث الحي وكاميرات المراقبة والصور التي وثقت الواقعة، تكشف قيام إسرائيل بتلك الجريمة، فكيف قصفت تل أبيب المستشفى، وما الذي يثبت تورطها بالمجزرة؟
بعد لحظات من استهداف مستشفى الأهلي المعمداني في غزة، نشرت حسابات رسمية إسرائيلية منهم حساب نتنياهو والحساب الرسمي لدولة الاحتلال وكذلك حساب قوات الدفاع الإسرائيلية روايات مفبركة تُلصق التهمة بصواريخ المقاومة:
جمعنا كافة المقاطع المصورة التي بثت قصف المستشفى، حللناها جميعًا، والبداية كانت مع مقطع نشره مصور الجزيرة “حمدان الدحدوح” على حسابه في إنستغرام يوثق لحظة وقوع تفجير مماثل لما نشرته قناة الجزيرة بشكل مباشر على قناتها تمام الساعة 18:59 مساء الثلاثاء.
وبتحليل التسلسل الزمني لمقطع الدحدوح عبر البرامج المتطورة، تبين أنه نشر مقطعه بعد استهداف المستشفى ببضع دقائق فقط، كما كشفنا عبر التحليل بالبرامج المتطورة تطابق إحداثيات تصوير مقطع الدحدوح مع موقع محيط استهداف المستشفى.
وبتحليل المقطع الذي صور الحادثة بالكامل يمكن ملاحظة وقوع حادثين في ذات اللحظة وهو ما استغلته الصفحات الإسرائيلية لخلط الأوراق والتنصل من الجريمة.
الحدث الأول هو انطلاق صاروخ من أراضي الاحتلال محاولًا اعتراض رشقة صواريخ انطلقت من قطاع غزة، والثاني وهو الأهم كان الصاروخ الذي قصف واستهدف المستشفى، وهما حدثان منفصلان، سنشرح بالتفصيل أدناه ما يعنيه ذلك.
هذه الرشقة قابلها صاروخ الاعتراض الواضح في مقطع الفيديو ومن خلال تحليل مساره وموقع وقوف الدحدوح، يمكنك معرفة أن هذا الصاروخ قد انطلق من مستوطنات الغلاف، باتجاه قطاع غزة، وتحديدًا باتجاه الرشقة.
مسار هذا الصاروخ بيّن تحليله الجغرافي أنه قادم من مستوطنات الغلاف، حيث إنه وبتحليل المسافة بين مستشفى المعمداني وغلاف غزة، تبين أنها نحو 3.5 كلم، وهي مسافة منطقية بشكل كبير للمسافة الظاهرة بين المستشفى ومصدر إطلاق الصاروخ في مقطع الفيديو.
وبتتبع الصاروخ لاحظنا أنه تمكن من التصدي لصاروخ تابع للمقاومة بالفعل في نقطة خلف مستشفى المعمداني، وقد ظهر حينها شظايا متفجرة، وهي ما يثبت الاعتراض الصاروخي.
سقوط شظايا صاروخ الاعتراض ظهر واضحًا في المقطع المصور، لكنه لم يسقط على المستشفى، ولا يمكن أصلًا بأي شكل أن تُحدث الشظايا انفجارًا مهولًا كما حدث في قصف المستشفى.
هذا المقطع اعتمدت عليه المصادر الإسرائيلية مدعية أنه لسقوط أحد صواريخ المقاومة، غير مدركة أن المقاطع المصورة تظهر أنه انطلق من مستوطنات الغلاف باتجاه غزة، ما يعني أنه لا علاقة للمقاومة به.
لنرتب أحداث الواقعة الأولى:
– ظهور رشقة صواريخ انطلقت من داخل غزة باتجاه مستوطنات الغلاف
– صاروخ المقاومة لم يُظهر أي التفاف أو خلل بل صعد لأعلى مباشرة
– ظهر صاروخ اعتراض انطلق من مستوطنات الغلاف إلى غزة
– ظهور شظايا انفجار تدل على أن صاروخ المقاومة تم استهدافه.
– ظهور انفجار بسيط على مقربة من مستشفى المعمداني.
ما يعزز هذه الرواية بتبرئة صواريخ المقاومة من استهداف المستشفى هو مقطع فيديو التقطته كاميرا مراقبة في مستوطنة Netiv HaAsara شمال القطاع ، يكشف حزمة صواريخ المقاومة التي خرجت قبل استهداف المعمداني.
الفيديو لم يُظهر فشل أي من صواريخ المقاومة والتفافها نحو المستشفى، بل خرجت جميعها خروجًا ناجحًا للأعلى.
بعد تفكيك الرواية الإسرائيلية حول مقطع الفيديو، يُطرح السؤال الأهم، مَن قصف المستشفى إذن؟ وكيف أثبتنا ذلك؟
بالعودة لمقطع الدحدوح ذاته، ستلاحظ أنه وبعد حدوث انفجار صغير (بسبب شظايا الاعتراض) حدث الانفجار الأكبر الذي استهدف موقع المستشفى بالتحديد.
شكل هذا الانفجار لا يوحي أبدًا أنه نتج عن اعتراض رشقات.
من خلال تحليل مقطع فيديو آخر صور لحظة القصف من مسافة قريبة، وتحليل الصوت الناتج عن ذلك القصف يمكن ملاحظة صوت سقوط قذيفة قبل الانفجار، ومن ثم ظهور صوت صفير قبل الانفجار.
وبمقارنة صوت الصاروخ في مقطع قصف المعمداني مع أصوات صواريخ المقاومة نجدها مختلفة تمامًا.
وبالبحث المعمق وجدنا أن الأصوات في مقطع قصف مستشفى المعمداني متشابهة تمامًا مع صوت قنابل MK-84 المعروفة والمزودة بحزمة (JDAM) للتوجيه، وهي ذاتها القنابل التي تستخدمها تل أبيب في قصف قطاع غزة.
من خلال مقارنة مقطع يوثق استخدام هذه القنابل في أفغانستان مع مقطع استهداف المعمداني، يمكنك ملاحظة الطنين العالي ومن ثم الصفير الناتج عن اقتراب الصاروخ السريع قبل انفجاره.
إضافة إلى أن شكل السحابة الدخانية التي سببها اصطدام الصاروخ بالمستشفى في غزة تتشابه مع الشكل الظاهر في مقطع إلقاء القنابل المزودة بحزمة JDAM في أفغانستان.
تشابه الأثر مع صواريخ إسرائيلية
بمراجعة مشاهد أخرى للانفجار، يمكنك ملاحظة أنه كان كرويًا وأن الوهج كان متناسقًا من الأسفل للأعلى ومتساويًا بشكل عرضي، ما يؤكد أنه نتج عن سقوط عامودي من السماء لصاروخ لديه قوة تدميرية كبيرة، وقد رصدنا تشابهًا كبيرًا لهذا النوع من القصف على غزة من قبل طيران الاحتلال في الحرب الجارية وسابقاتها.
هذه الذخيرة تستخدمها إسرائيل منذ أيام
قنابل الـ MK-84 المزودة بذخائر JDAM لا تملكها المقاومة، وقد ظهرت في مقاطع الجيش الإسرائيلي الرسمية يوم 12 أكتوبر في أحد المقاطع الدعائية للحملة العسكرية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وهي ذخائر أمريكية يمكن إطلاقها من مقاتلات F-15 وF-16 التي تستخدمها إسرائيل في دك غزة يوميًا.
ما عزز نتائج التحقيق، كان مقطعًا شاركته الحسابات الإسرائيلية لكاميرا مراقبة أكدت أنه لإطلاق رشقات من غزة تبعه انفجار، بتمام الساعة 19:59 – أي بعد ساعة من تدمير مستشفى المعمداني.
لاحظنا من خلال تحليل المقطع، ظهور قنابل مضيئة سبقت قصفًا بالقطاع ظهر مشابهًا بالشكل وحجم الدمار الذي رصدناه في مقاطع قصف مستشفى المعمداني الذي حدث بتوقيت 18:59، وهو ما يؤكد على متابعة المقاتلات التابعة لجيش الاحتلال باستخدام ذات الذخائر فوق غزة بعد تدمير المستشفى بساعة كاملة.
وتطلق المقاتلات عادة القنابل المضيئة أثناء أو قبل القصف كإجراء مضاد ضد الصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء (“الباحثة عن الحرارة”)، سواء أرض-جو أو جو-جو، والتي قد تستهدفها أثناء أو قبل الغارة الجوية.
ليتبين لنا من خلاصة هذا التحليل التالي:
- الصاروخ الذي زعمت إسرائيل أنه صاروخ فاشل من المقاومة وهو ما استهدف المستشفى كان في الحقيقة صاروخ اعتراض إسرائيلي، ولا علاقة للمقاومة به
- لم يسقط هذا الصاروخ على مستشفى المعمداني
- نرجح استهداف المستشفى بقنابل أمريكية الصنع محمّلة بذخيرة JDAM تملكها قوات الاحتلال الإسرائيلية
لتكون تلك الواقعة جريمة جديدة تضاف إلى قائمة جرائم الاحتلال، باستهدافها المستشفيات والمراكز الطبية خلال الحروب والذي يُعد انتهاكًا صريحًا للقوانين والمواثيق الدولية، واتفاقيات جنيف، والقانون الدولي الإنساني، الذي يمنح الحق في حماية المستشفيات خلال الحروب، ومحكمة الجنايات الدولية التي تصف ما حدث بجرائم حرب تتوجب محاكمة من قام بها.