بعد خمسة أيام من التصعيد الخطير، صرح ترامب في 10 مايو 2025، اتفاق الهند وباكستان على وقف إطلاق نار شامل. ومع أن الوضع لا يزال هشا، بدأ الطرفان محادثات عسكرية لتثبيت التهدئة. رغم القلق من استقرار الهدنة، يسعى كل من مودي وشريف لاستثمار الأوضاع لتعزيز مواقفهم السياسية داخلياً. بينما تبادلا الاتهامات بانتهاك الهدنة، لا يُتوقع تحول ملحوظ في العلاقات بينهما. التوترات مستمرة، وقضية كشمير تبقى محور المواجهة. غياب قنوات حوار فعالة يزيد من صعوبة تسوية النزاع، مما يترك الوضع مرشحًا للتصعيد أو مزيد من التوترات على خط السيطرة.
بعد 5 أيام من تصعيد غير مسبوق منذ عقود، خفت ألسنة احتمالية المواجهة النووية إثر محادثات بوساطة الولايات المتحدة، حيث صرح القائد دونالد ترامب في 10 مايو/أيار 2025 عن اتفاق الهند وباكستان على وقف إطلاق نار شامل وفوري.
بينما تتنفس نيودلهي وإسلام آباد الصعداء، تبقى الأسئلة قائمة: هل كانت هذه المواجهة مجرد استعراض مؤقت للقوة أم مقدمة لانفجار أكبر قادم؟ وهل يمثل وقف إطلاق النار أساسًا لحوار فعلي أم مجرد هدنة هشة قد تنهار سريعًا؟
ما بعد وقف إطلاق النار؟
مع إعلان وقف إطلاق النار، انطلقت محادثات عسكرية بين الهند وباكستان بغرض تثبيت الهدوء على خط السيطرة في كشمير، وهي النقطة الأكثر توتراً بين البلدين. ورغم هذه الخطوة الإيجابية، يبقى الوضع هشاً، حيث تظل القوات في حالة تأهب، وأي خرق بسيط قد يؤدي مجددًا إلى تصعيد سريع، مما يعكس ضعف الاستقرار الحالي الذي يعتمد على عوامل ميدانية دقيقة.
داخلياً، يواجه الطرفان تحديات سياسية قوية. في الهند، يسعى رئيس الوزراء ناريندرا مودي لاستغلال الأزمة لتعزيز صورته كزعيم قوي في مواجهة “التطرف”، لكن إخفاقه في تحقيق الأهداف المطلوبة من التصعيد قد يجعله يواجه انتقادات متزايدة، خاصة مع تزايد الضغوط من المعارضة التي تتهمه بالجر البلاد لمغامرات غير محسوبة.

أما في باكستان، استخدمت القيادة الرد العسكري لتعزيز الوحدة الوطنية ورفع الروح المعنوية، لكن الأزمة الماليةية المتفاقمة قد تُهدم هذا التماسك وتزيد من الضغوط الشعبية.
إعلان
على الصعيد الدولي، لعبت الولايات المتحدة دور الوسيط الفعال في تهدئة التصعيد، مما منحها نفوذا إضافيا في المنطقة. بينما تواصل الصين، الحليف التقليدي لإسلام آباد، دعمها السياسي، إلى جانب دعم السعودية وقطر، في إطار جهود إقليمية لاستمرار الاستقرار.
تصر الهند على رفض أي وساطة خارجية بشأن كشمير، وهذا يشكل عقبة أمام أي تقدم دبلوماسي حقيقي.
يُعقد تبادل الاتهامات بين الطرفين حول انتهاكات وقف إطلاق النار المشهد أكثر تعقيدًا، حيث نوّه سكرتير وزارة الخارجية الهندية، فيكرام ميسري، حدوث “انتهاكات متكررة” مدعاًا باكستان باتخاذ إجراءات جادة. وفي المقابل، اتهمت الخارجية الباكستانية الهند بخرق الاتفاق، مؤكدة أن قواتها تتعامل “بمسؤولية وضبط للنفس”.
من المنتصر؟
على الرغم من إعلان رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف “يوم النصر” بعد وقف إطلاق النار، واعتبار الإعلام الباكستاني قبول الهند للهدنة انتصارا للجيش الباكستاني، فإن العديد من المراقبين يرون أن تحديد “المنتصر” في هذه المواجهات لا يزال غامضًا.
عسكريًا، أظهرت الهند تفوقًا نسبيًا من خلال شن غارات جوية باستخدام طائرات “رافال” و”سوخوي-30″، حيث استهدفت 9 مواقع باكستانية، إلا أن الرد الباكستاني جاء سريعًا وقويًا، مع استهداف دقيق لمواقع هندية والادعاء بإسقاط 5 طائرات هندية، بما في ذلك 3 طائرات “رافال”، مما أظهر ثغرات في الدفاعات الهندية.
كان الرد الباكستاني المفاجئ له تأثير معنوي قوي، حيث عزز صورة القوات المسلحة كقوة قادرة على مواجهة عدو أكبر، وقدمت السلطة التنفيذية الباكستانية نفسها كمنتصر داخليًا، مستغلة أن الهند -التي كانت قد بدأت التصعيد- اضطرت في النهاية لقبول وقف إطلاق النار.
في هذا السياق، كتبت صحيفة “جانغ” الباكستانية في افتتاحيتها أن “حكومة مودي اضطرت للإعلان عن وقف إطلاق النار بعد أن تكبدت خسائر كبيرة على يد القوات الباكستانية خلال 5 أيام فقط”.
إعلان
سياسيًا، حقق كلا الطرفين مكاسب داخلية، حيث عزز مودي من صورته كمدافع عن الاستقرار القومي، بينما قدمت باكستان نفسها كدولة تقاوم “العدوان الهندي”.
ومع ذلك، فقد تكبد كلا البلدين خسائر اقتصادية تشمل إغلاق المجال الجوي وتدمير مواقع عسكرية ومدنية.
في خضم هذه المعادلة المعقدة، يرى المحللون أن التصعيد الأخير، رغم تكاليفه، قد مكن الطرفين من تعزيز مواقعهما داخليًا، لكنه لم يُحدث تغييرًا جوهريًا في معادلة المواجهة.
بينما نجحت باكستان في استخدام الرد العسكري لإعادة الروح المعنوية لشعبها وتعزيز الوحدة الوطنية، يبقى هذا الزخم الشعبي هشًا إذا لم يُترجم إلى استقرار سياسي واقتصادي ملموس.
تشير الكاتبة والمحللة السياسية الباكستانية بشرى صدف إلى أهمية الحفاظ على المكتسبات المعنوية، قائلة: “بالتأكيد نجح القوات المسلحة والسلطة التنفيذية الباكستانية في استعادة ثقة الشعب، لكن التحدي الحقيقي يكمن في الحفاظ على هذه الروح المعنوية واستثمارها في مسار إصلاحي طويل الأمد”.
على الجانب الآخر، تبدو حكومة مودي حريصة على استثمار الأزمة لتعزيز سردية “مواجهة التطرف” وجذب التأييد الداخلي، لا سيما مع اقتراب استحقاقات انتخابية محتملة، على الرغم من أن الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها الهند قد تعيد فتح النقاش حول تكلفة التصعيد وجدواه السياسية والاستقرارية.
هل انتهى المواجهة؟
رغم أن التوازن النووي بين الجارتين يمنع نشوب حرب شاملة، إلا أنه لم يمنع الاشتباكات المتكررة أو الحروب بالوكالة، بل شجع عليها ضمن حدود “المواجهة المحسوب”. في ظل وقف إطلاق النار الأخير بين الهند وباكستان، يتضح أن الهدوء الحالي ليس نهاية للصراع بل مجرد استراحة في نزاع ممتد منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947.
تظل قضية كشمير جوهر التوترات، حيث تسيطر الهند على ثلثي الإقليم وباكستان على الثلث المتبقي، بينما يدعي كل طرف السيادة الكاملة.
إعلان
قرار الهند عام 2019 بإلغاء الحكم الذاتي لإقليم جامو وكشمير زاد من تعقيد الموقف، مما جعل الطلبات الباكستانية لاستفتاء شعبي وتدخل دولي لتحديد مصير الإقليم تبدو مستحيلة تحقيقها، مما يجعل الحل السياسي أقرب إلى السراب.
تاريخ طويل من العداء وسوء الثقة بين نيودلهي وإسلام آباد يزيد من تعقيد فرص أي تقارب حقيقي. يعتقد الكاتب والإعلامي الباكستاني حامد مير أن السياسات الهندية الحالية تقلل من فرص المفاوضات الجادة: “أتفق على أهمية بدء مفاوضات حقيقية بعد وقف إطلاق النار، لكن الوضع الحالي لا يسمح بمثل هذه المفاوضات في ظل سياسة ناريندرا مودي تجاه باكستان”.
ويستذكر مير تصريحات مودي في 24 مارس 2012، حيث أبدى دعمه العلني لفكرة “أكهنْد بهارات”، أي الهند الموحدة، مع إعلانه الرغبة في ضم إقليم السند الباكستاني.
تشير التطورات الجيوسياسية في جنوب آسيا إلى غياب قنوات حوار سياسي فعالة لحل قضية كشمير التي لا تزال القلب النابض للصراع بين البلدين. ورغم توقيع اتفاقيات سابقة، مثل إعلان لاهور عام 1999 ووقف إطلاق النار عام 2003، إلا أنه لم يتحقق أي تقدم ملموس نحو تسوية دائمة، مما جعل خط السيطرة في الإقليم يشهد خروقات متواصلة وانفجارات عنف متكررة.
يقول مير إن “وقف إطلاق النار الأخير إنجاز مهم، لكن رئيس الوزراء الهندي مودي قد يسعى للتنصل منه بهدف إنقاذ مستقبله السياسي”، في إشارة إلى إمكانية استخدام التوترات الإقليمية لأغراض سياسية داخلية.
في هذا السياق، تعتبر السياسات الشعبوية في كلا البلدين عقبة كبرى أمام تقديم أي تنازلات حقيقية، إذ يُعتبر أي تخفيف للمواقف بشأن كشمير خيانة وطنية، مما يجعل أي خطوات نحو المصالحة شبه مستحيلة.
ومع رفض الهند المستمر للوساطات الدولية وترحيب باكستان بها، تصبح جهود التهدئة عرضة للجمود والانهيار في أي وقت، خاصة مع تكرار الاشتباكات المسلحة على خط السيطرة، سواء كنتيجة لاستفزازات عسكرية أو هجمات تُنسب لجماعات مسلحة.
إعلان
يرى أليكس بليتساس، القائد السابق لقسم الأنشطة الحساسة في وزارة الدفاع الأميركية، أن “الهدنة الحالية ليست حلًا بل مجرد مهلة مؤقتة تجنب كارثة وشيكة وتحافظ على بعض الاستقرار الماليةي، لكنها لن تمنع التصعيد ما لم يكن هناك ضغط دولي دائم والتزام حقيقي من قبل الطرفين لتعزيز الجذور العميقة للنزاع، وعلى رأسها قضية كشمير”.

الانعكاسات السياسية والعسكرية
في خضم التصعيد، سعى كلا البلدين للاستفادة من الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية. ففي الهند، استثمرت السلطة التنفيذية المواجهة لتعزيز الخطاب القومي وتوحيد الشارع خلفها، خاصة في ظل الضغوطات الماليةية والانتخابية. وقد تم تقديم العمليات العسكرية على أنها دفاع عن السيادة، مما ساعد في صرف الانتباه عن القضايا المعيشية المعقدة، وتصوير المعارضة على أنها ضعيفة أمام التحديات الوطنية.
وفي سياق الانتقادات الداخلية لسياسات الحزب الحاكم في التعامل مع الأزمة، انتقد الكاتب الهندي سيدهارث فاراداراجان السلطة التنفيذية، قائلاً إن عملية “سيندور” التي يقودها مودي تمثل “استراتيجية خطيرة مبنية على حسابات خاطئة”.
ويوضح فاراداراجان في منشور له على منصة إكس أن “السلطة التنفيذية قد توحي بأن الهند حققت جميع أهدافها، لكن الواقع هو أن مودي اتخذ خطوة كانت نتيجتها غير مرغوبة، لكنها كانت متوقعة تمامًا”.
أما في باكستان، فقد رأت القيادة السياسية والعسكرية أن التوتر مع الهند يشكل فرصة لتعزيز تماسك المواطنون ورفع الروح المعنوية، بينما عزز القوات المسلحة -الفاعل القائدي في اتخاذ القرار- صورته كضامن للأمن القومي، وسعت السلطة التنفيذية لتسليط الضوء على التهديدات الاستقرارية وربط بعضها بعوامل خارجية.
ساعد هذا الخطاب في حشد التأييد الشعبي رغم الأوضاع الماليةية الصعبة التي تمر بها البلاد.
ملفات وسيناريوهات محتملة
تشير المعطيات الإقليمية إلى أن الفترة المقبلة ستكون حاسمة، مع بروز عدد من القضايا الساخنة التي تتطلب حلولًا عاجلة لتفادي الانزلاق نحو مواجهة مباشرة.
إعلان
بالإضافة إلى قضية كشمير، يأتي قرار نيودلهي بتعليق معاهدة مياه نهر السند، التي توفر نحو 80% من المياه المستخدمة في الزراعة الباكستانية، وهو ما يُنظر إليه باعتباره تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي في باكستان، ويثير مخاوف جدية من حدوث أزمة إنسانية قد تضطر إسلام آباد إلى الرد، إما عبر تصعيد دبلوماسي أو بخطوات عسكرية محدودة.
وقد لفت وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف في مقابلة مع قناة “جيو نيوز” إلى أن أي مفاوضات محتملة بين البلدين سترتكز على ثلاثة محاور رئيسية، هي التطرف والمياه وكشمير.
في هذا السياق، يرى الباحث في مركز جنوب آسيا، شجاع نواز، أن القادة في كلا البلدين، وبعد تأجيج المشاعر الوطنية، سيبحثون عن فترة استراحة ضرورية لتخفيف التوتر، مشيرًا إلى ما وصفه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بأنه “بداية محادثات حول مجموعة واسعة من القضايا في مكان محايد”، مع احتمالية أن يكون الخليج أحد الخيارات لاستضافة هذه الجولة من الحوار.
وتدعو الكاتبة الباكستانية صغرى صدف إلى ضرورة أن تتجاوز الهند وباكستان خلافاتهما التاريخية، مؤكدة أن “الحل لا يكمن في المواجهة، بل في الحوار الصادق الذي يؤدي إلى سلام دائم وازدهار مشترك”، مشددة على أن الجانبين بحاجة للعمل معاً لمواجهة تحديات أكثر إلحاحًا مثل الفقر والجهل والرعاية الطبية وتغير المناخ.
يرى المراقبون أن المنطقة قد تشهد ثلاث مسارات محتملة حسب موازين القوى والضغوط الدولية:
- أولاً: إذا نجحت المحادثات في إعادة بناء الثقة، فقد تشهد المنطقة تهدئة نسبية، لكن ذلك يتطلب تنازلات سياسية صعبة، خاصة من الهند بشأن كشمير.
- ثانيًا: من المحتمل أن تستمر التوترات المحدودة على خط السيطرة مع خروقات متفرقة لوقف إطلاق النار، دون تصعيد شامل نظرًا لوجود الردع النووي.
- ثالثًا: يبقى احتمال التصعيد قائمًا في حال حدوث هجوم كبير أو خرق واسع لوقف إطلاق النار في كشمير، على الرغم من الضغوط الدولية والتكاليف الباهظة لأي حرب شاملة.
إعلان
في تحليلها للأوضاع الاستقرارية في جنوب آسيا، تؤكد منال فاطمة أن الاضطرابات لا تزال مستمرة في إقليم كشمير المتنازع عليه، وأن جذور الأزمة لا تزال عميقة ومتجذرة، حيث لا يزال واقع الكشميريين دون تحسن يذكر، فهم عالقون “بين نيران المسلحين من جهة، والحملات العسكرية والقمع السياسي من جهة أخرى”.
لذا، وفقًا لفاطمة، في ظل غياب أفق واضح لحل سياسي دائم يوقف معاناتهم المستمرة، قد يُستخدم الهجوم “التطرفي” الذي وقع في أبريل كذريعة من قبل السلطة التنفيذية الهندية لتوسيع حملات القمع في كشمير، مشيرة إلى أن تصنيف “المشتبه بانتمائهم للإرهاب” يبقى غامضًا وفضفاضًا، مما يفتح الباب لاستهداف واسع النطاق لأشخاص أبرياء، دون مسوغات قانونية كافية.