في الماضي، كانت أعداد النمل الأبيض تنتقل بشكل عشوائي عبر المحيطات، لكن الآن يحدث ذلك سنويًا بسبب نقل البشر لها عبر السفن. توضح دراسة نشرت في “إنسيكت ساينس” أن البشر يلعبون دورًا رئيسيًا في انتشار النمل الأبيض، حيث ينقلون الأنواع الغازية دون قصد. تاريخيًا، تم إدخال أنواع مختلفة من النمل الأبيض إلى مناطق جديدة خلال التجارة. يعاني المالية من أضرار تقدر بنحو 40 مليار دولار سنويًا بسبب هذه الحشرات، التي تؤثر على الزراعة والبنية التحتية. وللحد من انتشارها، يُوصى بفحص الشحنات واستخدام مبيدات حشرية.
في الماضي، كان عبور أعداد صغيرة من النمل الأبيض للمحيطات يحدث عن طريق الصدفة مرة كل مليون سنة عبر جزيرة معزولة أو شجرة طافية. أما الآن، فقد أصبح هذا الأمر يحدث سنوياً.
لفتت دراسة حديثة نشرت في مجلة “إنسيكت ساينس” إلى أن انتشار النمل الأبيض بصورة طبيعية كان أمراً معقداً، لكن الإنسان ساعد في نقله للأنواع الغازية المدمرة عبر السفن والقوارب الحديثة إلى جميع أنحاء العالم، مما يعني أن البشر يساهمون دون قصد في “غزو العالم” من قبل النمل الأبيض.
وفي تصريح عبر البريد الإلكتروني لموقع الجزيرة نت، قال نان ياو سو، أستاذ علم الحشرات في مركز فورت لودرديل بجامعة فلوريدا، إن “الإنسان ساعد في انتشار النمل الأبيض في جميع أنحاء العالم لفترة طويلة”.

دلائل تاريخية
ويضيف ياو سو أن النمل الأبيض الفورموزي الجوفي، موطنه الأصلي جنوب الصين، تم إدخاله إلى ناغازاكي في أوائل القرن السابع عشر عبر السفن الصينية التي كانت تتاجر مع اليابان.
في ذلك الوقت، كانت ناغازاكي الميناء الوحيد المفتوح للتجارة مع الصين، وظهر هذا النوع من النمل في هاواي في أواخر القرن التاسع عشر، حيث انتقل غالباً من خلال تجارة خشب الصندل.
بعد الحرب العالمية الثانية، انتقل النمل إلى حوض بناء السفن البحري في نيو أورلينز، ويقول ياو سو “لقد شهدنا العديد من اليخوت الخاصة المحملة بالنمل الأبيض تَرسو في فورت لودرديل، مما ساهم في انتشار النمل الأبيض الفورموزي الجوفي بفعل الإنسان في السبعينيات والنمل الأبيض الآسيوي الجوفي في التسعينيات”.
وقدر ياو سو الخسائر السنوية التي تسببها أضرار النمل الأبيض بنحو 40 مليار دولار، استنادًا إلى بيانات مبيعات المبيدات الحشرية لعام 2010.

رحلة النمل
ولفت ياو سو إلى أنه نظراً لعدم وجود فحص صحي على كل سفينة تدخل الموانئ، لا توجد وسيلة فعالة لمنع الانتشار. حتى مع تطبيق الحجر الصحي، لا توجد طريقة اقتصادية فعالة لفحص وكشف إصابات النمل الأبيض في السفن، وإذا تم العثور على سفينة مصابة، فإن التبخير قد يقضي على النمل الأبيض ولكنه أيضاً مكلف.
وفقاً للدراسة، تُعتبر القوارب الخاصة وقوارب الترفيه أفضل وسيلة لنشر النمل الأبيض عالمياً، وقد استخدمت الدراسة مزيجاً من المسوحات الميدانية والتحليل الجيني والمعلومات التاريخية للوصول إلى هذه النتائج.
بمجرد استقرار الإصابة في قارب، يمكن أن تنتشر بسهولة إلى الشاطئ. وغالباً ما يكون النمل الأبيض محمولاً في مستعمرات مخفية على القوارب، ويمكن أن ينتشر إلى مناطق ساحلية جديدة، خاصة عندما ينجذب النمل الأبيض الطائر إلى أضواء المدينة.
عندما تستقر المستعمرات على اليابسة وتصل إلى مرحلة النضج، فإنها تنتج أفراداً مجنحين قادرين على الطيران وينتشرون لمسافات قصيرة لتأسيس مستعمرات جديدة في مواقع مناسبة لا يستهان بها.
جنوب فلوريدا معروفة بأنها عاصمة اليخوت في العالم، وعلى مر السنين، استقرت العديد من أنواع النمل الأبيض الغازية في هذه المنطقة التي تكثر فيها القوارب، وعند إصابة قارب، يمكن أن تنتشر هذه الأنواع إلى ولايات أخرى أو إلى مناطق أخرى حول العالم.
تؤكد الدراسة أنه عندما ينشئ النمل الأبيض مستعمرة في مكان جديد، فإنها غالباً ما تبقى غير مكتشفة لسنوات، فدورة تكاثرها البطيئة وخصائصها البيولوجية الغامضة تؤدي إلى انتشار الأضرار بهدوء حتى تصل إلى درجات خطيرة، مما يعقد جهود القضاء على المستعمرات وغالباً ما تكون متأخرة جداً.
رغم أن معظم النمل الأبيض يعيش في موطنه، حيث لا يستطيع التكيّف في البيئات الحضرية، فإن الأنواع المسؤولة عن معظم الأضرار مثل النمل الأبيض التايواني والآسيوي الجوفي ونمل الخشب الجاف في غرب الهند قد تكيفت مع المناخات الحضرية.

دور البشر
في تصريح لموقع الجزيرة نت، قال الدكتور رضا عبد المنصف أحمد، أستاذ ورئيس قسم الحشرات في جامعة كفر الشيخ، إنه يمكن للبشر أن يسهموا بشكل كبير في نقل النمل الأبيض عن طريق نقل البضائع والمواد الملوثة، وكذلك عبر استخدام الحاويات والصناديق الخشبية الملوثة، ونقل النباتات والتربة الملوثة.
وذكر أن النمل الأبيض يمكن أن يتسبب في أضرار اقتصادية جسيمة في قطاع الزراعة، حيث يهاجم المحاصيل والمنتجات الزراعية، مما يؤدي لخسائر كبيرة في الإنتاج.
يُسجل النمل الأبيض أيضاً أضراراً للبنية التحتية، حيث يهاجم الهياكل الخشبية والمباني، مما يتسبب في تدهور هذه الهياكل وزيادة تكاليف الصيانة ويخلق مشاكل تجارية، حيث يؤدي نقله إلى مناطق جديدة إلى فرض قيود على التجارة وزيادة تكاليف المكافحة.
وفي تصريح آخر، قال الدكتور كريم محمد موسى، أستاذ علم الحشرات المساعد في جامعة كفر الشيخ والباحث الزائر بجامعة كيوشو اليابانية، إن النمل الأبيض يُعتبر من الحشرات الاجتماعية التي تتغذى أساسًا على المواد النباتية المتحللة، وله دور مهم في تدوير العناصر الغذائية وتحليل المواد العضوية في النظم البيئية.
ورغم ذلك، فإن انتشاره غير المنظم، الذي يتسبب فيه التوسع الحضري والنقل البحري والممارسات الزراعية، يشكل تهديداً كبيراً للبنية التحتية والتنوع البيولوجي.
كما ساهمت الأنشطة البشرية في تسريع انتشار هذه الحشرات عبر مناطق متعددة حول العالم، فالبشر ليسوا مجرد مساهمين ثانويين، بل هم السنةل الحاسم في تسريع انتشار النمل الأبيض نتيجة لتلك الأنشطة.
نصائح الخبراء
وأضاف موسى أنه بالإضافة إلى الانتشار العالمي للنمل الأبيض، فإنه أيضاً موجود في المنطقة العربية، حيث يُعتبر السودان من أكثر الدول العربية تأثراً به. تم تسجيل إصابات داخل البيوت، المخازن، والمرافق السنةة، خصوصاً في المناطق الريفية الصحراوية، كما أبلغ عن تدمير مخازن الحبوب والبيوت المبنية من الطين في ولايات مثل كردفان ودارفور.
تم توثيق وجود عدة أنواع من النمل الأبيض في المملكة العربية السعودية، خاصة في المناطق الجنوبية مثل جازان وأبها، وأيضاً في الوسطى مثل القصيم والرياض. بينما في مصر، يمثل النمل الأبيض آفة منزلية وزراعية في محافظات صعيد مصر مثل الأقصر وأسوان.
ولتقليل انتقال النمل الأبيض عبر القوارب والسفن، يقول عبد المنصف: “ينبغي فحص البضائع والمواد المنقولة، واستخدام حاويات نقل آمنة، والإسراع بتطبيق معايير دولية لفحص وتفتيش البضائع، بالإضافة إلى تدريب السنةلين في مجال النقل والتجارة على كيفية التعرف على النمل الأبيض والتعامل معه”.
إلى جانب ذلك، أوصى عبد المنصف باستخدام المبيدات الحشرية، ومن خلال تطبيق هذه الإجراءات يمكن الحد من انتشار النمل الأبيض وتقليل الأضرار الماليةية التي يسببها.