إعلان


بدأت الهند بتعزيز صادرات الأسلحة إلى أرمينيا كجزء من استراتيجيتها لمواجهة التحالف المتنامي بين تركيا وأذربيجان وباكستان. تزايد التعاون العسكري بين الهند وأرمينيا بعد حرب ناغورني قره باغ، حيث تراجعت اعتماد يريفان على موسكو. تشمل الصفقات العسكرية مكونات متطورة مثل مدافع وقذائف، مما يعزز قدرة أرمينيا الدفاعية. ينظر المحللون إلى هذه العلاقات كجزء من التنافس الجيوسياسي المتزايد في أوراسيا، خاصة في ظل الأوضاع العالمية الراهنة. تحركات الهند تأتي في سياق ردودها على دعم أنقرة لإسلام آباد في النزاعات النطاق الجغرافيية مع باكستان.

بدأت الهند في تعزيز صادراتها من الأسلحة إلى أرمينيا، وهو ما يعتبره المحللون جزءًا من جهودها لمواجهة التحالف الإستراتيجي المتزايد بين تركيا وأذربيجان وباكستان.

إعلان

ترى نيودلهي أن هذا التحالف الثلاثي -الذي يمتاز بأبعاد عسكرية وسياسية واضحة- يمثل تهديدًا مباشرًا لمصالحها الإقليمية، واصطفافًا واضحًا بجانب إسلام آباد في أعقاب التصعيد الأخير في النزاع النطاق الجغرافيي، وفقًا لتقرير نشره موقع “أوراسيا دايلي” للمحلل السياسي والباحث فياتشيسلاف ميخائيلوف.

تتطور العلاقات الدفاعية بين الهند وأرمينيا بشكل ملحوظ منذ عام 2020، عقب انتهاء حرب ناغورني قره باغ الثانية، ويرجع ذلك إلى المصالح الإستراتيجية المشتركة بين البلدين وتراجع اعتماد يريفان على موسكو، المزود شبه الحصري للعتاد العسكري لأرمينيا حتى وقت قريب.

يشير المحللون الهنود إلى أن هذا التحول يُعبر بوضوح عن المواجهة الجيوسياسي المتزايد في أوراسيا، حيث يتم إعادة صياغة التحالفات بشكل متسارع في ظل استمرار النزاع الروسي الأوكراني وتصاعد المواجهات الإقليمية الأخرى.

وتسارع كل من تركيا وأذربيجان في إعلان دعمهما لباكستان بعد العملية العسكرية التي أطلقتها الهند الفترة الحالية الماضي تحت الاسم الرمزي “سِندور”. استهدفت هذه العملية، التي نفذها القوات المسلحة الهندي، 10 معسكرات يُعتقد أنها تؤوي مسلحين في الجانب الباكستاني من النطاق الجغرافي، في منطقة كشمير المتنازع عليها، إضافةً إلى أهداف داخل العمق الباكستاني.

13048816 1 1747396838
هنود يرفعون لافتات ويرددون شعارات احتجاجا على ما اعتبروه دعمًا تركيًا لباكستان في المواجهة الأخير (الأوروبية)

عززت الهند إدراكها بضرورة مواجهة التحالف التركي الأذربيجاني الباكستاني من خلال توسيع شراكتها العسكرية مع أرمينيا، وذلك على خلفية سلسلة من التحركات التي اعتُبرت دعمًا مباشرًا لإسلام آباد.

تشير تقارير غير مؤكدة رسميًا إلى أن هذه التحركات تضمنت توفير شحنات من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى باكستان من قِبل أنقرة وباكو قبل وأثناء عملية “سِندور”. وقد تلت ذلك سلسلة من الاجتماعات بين القيادات السياسية والعسكرية للدول الثلاث، مما زاد من قلق نيودلهي تجاه هذا التكتل الإقليمي ذو الطابع العسكري والسياسي.

نقل الكاتب عن راجان كوتشار، كبير مستشاري مركز “إنديك ريسيرشرز فوروم” للدراسات، قوله: “علاقات الهند مع تركيا وأذربيجان ليست في أفضل حالاتها، ولفت إلى أن أي صفقات تسليح موجهة إلى أرمينيا لن تؤثر سلبًا على تلك العلاقات في ظل الوضع الحالي”.

وأضاف كوتشار أن العلاقات بين الهند من جهة، وتركيا وأذربيجان من جهة أخرى ليست جيدة، وبالتالي فإن بيع الأسلحة لأرمينيا لن يُحدث فارقًا كبيرًا، خصوصًا وأن كلا البلدين صرحا انحيازهما الصريح لباكستان، وساهما في تحريضها ضد الهند خلال العملية الأخيرة.

أسلحة هندية لأرمينيا

في عام 2022، وُقِّع عقد بقيمة 244.7 مليون دولار بين الهند وأرمينيا يتضمن تزويد يريفان بمنظومات “بيناكا” متعددة القاذفات، إلى جانب مجموعة من الذخائر والمعدات المساندة، يُقدّر عددها بما لا يقل عن 4 بطاريات. تشمل الصفقة أيضًا قذائف هاون وصواريخ مضادة للدروع وأنواعًا أخرى من الذخائر.

بدأ اهتمام أرمينيا بهذه المنظومات في منتصف عام 2018، عندما أجرت منظمة البحوث والتطوير الدفاعي الهندية تجارب ميدانية وعروضًا حية أمام وفد عسكري أرمني، مما مهد الطريق لاحقًا لتوقيع العقد الرسمي.

وفي عام 2023، أبرمت شركة “كالياني إستراتيجيك سيستمز” الهندية اتفاقية بقيمة 155.5 مليون دولار لتوريد مدافع عيار 155 ملم إلى أرمينيا، في إطار تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين.

وفي نفس السنة، صرحت شركة “زين تكنولوجيز” الهندية، المتخصصة في تطوير أجهزة المحاكاة العسكرية وأنظمة مكافحة الطائرات المسيّرة، تلقيها طلب تصدير بقيمة 41.5 مليون دولار دون الكشف عن هوية العميل. وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2023، أقرّت الشركة بتأسيس فرع لها في أرمينيا لتوسيع أعمالها هناك، بما في ذلك عمليات البيع والدعم الفني وخدمات الصيانة.

وفي عام 2024، أبرمت أرمينيا صفقة لتوريد منظومات الدفاع الجوي من طراز “آكاش”، بكميات غير معلنة، مما جعلها واحدة من أكبر مستوردي المنتجات الدفاعية الهندية.

ينوه خبراء هنود إلى أنه على مدى سنوات عديدة، كانت روسيا المزود الوحيد تقريبًا للأسلحة إلى أرمينيا، لكن “علاقات البلدين تأثرت سلبًا بسبب عدم دعم يريفان الصريح لموسكو في نزاعها مع أوكرانيا”.

نتيجة لذلك، أصبحت الهند واحدة من أبرز مزودي الأسلحة لأرمينيا، حيث التحقت الجمهورية التي تقع في منطقة جنوب القوقاز بقائمة المشترين الأجانب لأصناف معينة من الأسلحة والمعدات العسكرية الهندية الصنع.

ورغم أن أرمينيا قامت بتجميد مشاركتها في منظمة معاهدة الاستقرار الجماعي منذ بداية عام 2024، إلا أنها لا تزال عضوًا رسميًا في هذا التكتل العسكري السياسي الذي يشمل عددًا من الدول السوفياتية السابقة.

ردا على تركيا

يزعم كريس بلاكبيرن، المحلل السياسي المستقل المقيم في لندن، في حديثه لصحيفة “جريدة جنوب الصين الصباحية”، أن مبيعات الأسلحة الهندية إلى أرمينيا تعتبر ردًا مباشرًا على الدعم العلني الذي أظهره القائد التركي رجب طيب أردوغان لباكستان، وانتقاداته للدول التي تسلح أرمينيا.

يرى بلاكبيرن أن روسيا لن تعارض التعاون الدفاعي المتزايد بين الهند وأرمينيا، مشيرًا إلى الخصوصية التاريخية للعلاقة بين موسكو ونيودلهي في المجال العسكري.

أفاد الكاتب أن الهند اتهمت باكستان باستخدام طائرات مسيّرة مصنوعة في تركيا خلال الاشتباكات المسلحة التي اندلعت في مايو/أيار الماضي، مما أثار استياء واسعًا في الرأي السنة الهندي.

استجابةً لذلك، أطلق المستهلكون والشركات الهندية حملة مقاطعة شملت المنتجات التركية والأذربيجانية، مع الامتناع عن السفر السياحي إلى كلا البلدين، إضافة إلى تقليص التبادلات في مجالات المنظومة التعليمية والثقافة وتجميد العلاقات التجارية مع أنقرة وباكو.

كما نقل الكاتب عن أوداي تشاندرا، الأستاذ المشارك في جامعة جورجتاون- فرع قطر، أن تسليح الهند لأرمينيا ينبغي أن يُفهم في سياق أوسع يشتمل على قطع العلاقات مع مشغّل المطارات التركي وتراجع السياحة الهندية إلى تركيا وأذربيجان.

أضاف تشاندرا: “قد لا تكون مثل هذه الأساليب العدوانية والدبلوماسية الصارمة مألوفة في الماضي، إلا أن حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي تحاول استثمار الظرف الراهن وتعمل بمبدأ: “إما أن تكون معنا أو ضدنا”.

حاليًا، تُجري الهند مفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق تجاري ثنائي، ومن المتوقع أن تظهر نتائج هذه المحادثات قبيل انعقاد قمة مجموعة “كواد” -وهو تكتل غير رسمي يضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا- في سبتمبر/أيلول المقبل.

قدّمت دوائر سياسية وأمنية في الهند قلقها إزاء موافقة الولايات المتحدة على تزويد تركيا بصواريخ متطورة من طراز “إيه آي إم 120 أمرام”، وهي صواريخ جو-جو متوسطة المدى قادرة على إصابة الأهداف خارج مدى الرؤية، وذلك مطلع الفترة الحالية الماضي.

تعتبر هذه الصفقة -التي تبلغ قيمتها 225 مليون دولار- محاولة لإعادة تحسين العلاقات المتوترة بين واشنطن وأنقرة، وهما عضوان في حلف شمال الأطلسي (الناتو). ومع ذلك، أنذر محللون هنود من أن هذه الخطوة قد تعقد العلاقات بين الولايات المتحدة والهند، خاصةً مع الدعم العلني الذي تقدمه أنقرة لشريكها الباكستاني.

هل تتغير موازين القوى؟

تباينت الآراء حول ما إذا كانت هذه الصفقة ستؤثر فعلاً على توازن القوى في آسيا، أو ستبقى محصورة داخل إطار التعاون العسكري بين الحلفاء الغربيين.

يرى الدكتورة داتيش باروليكار، الأستاذ المشارك في كلية الدراسات الدولية والإقليمية بجامعة غوا الهندية، أن منح الولايات المتحدة “الضوء الأخضر” لتركيا لشراء صواريخ “إيه آي إم 120 أمرام” المتطورة قد يكون له تداعيات خطيرة على أمن جنوب آسيا ومنطقة المحيط الهندي بأسرها.

قال باروليكار: “الموافقة على صفقة كهذه، دون فرض قيود واضحة على احتمال نقل هذا النوع من الأسلحة المتطورة إلى دول مثل باكستان، قد تمهد الطريق لمزيد من التصعيد وعدم الاستقرار في الإقليم”.

يرى المسؤولون في نيودلهي أن الروابط الدفاعية المتنامية والشراكة الإستراتيجية الناشئة بين الهند وأرمينيا ليست مجرد خطوة لتعزيز القدرات الدفاعية ليريفان، بل تأتي في إطار لعبة جيوسياسية كبرى تخوضها الهند كقوة نووية صاعدة.

تتيح هذه الشراكة للهند توسيع نفوذها في منطقة القوقاز الجنوبي، حيث تواجه منافسة من تركيا وباكستان الداعمتين لأذربيجان، مما يعزز مكانة نيودلهي كلاعب رئيسي في أوراسيا.

تسلط هذه العلاقات الضوء على أهمية ممر النقل “الشمال- الجنوب”، الذي يهدف إلى ربط الهند بأوروبا وروسيا عبر أراضي أرمينيا وإيران.

يعتقد الخبير السياسي المتخصص في شؤون جنوب آسيا بريدجيت ديبسركار أن مبيعات الهند من الأسلحة إلى أرمينيا ستعزز بلا شك من قدرات وإمكانات منظومة دفاع أرمينيا، مشيرًا إلى نجاح القوات الهندية خلال النزاع المسلح الذي اندلع في مايو/أيار مع باكستان في إحباط عدة هجمات بطائرات تركية مسيرة.

يُفيد خبراء أذربيجانيون أن المشهد الحالي لتوازن القوى والمصالح في جنوب القوقاز، مع دخول الهند وباكستان على الخط، يشير إلى تشكيل ما يمكن وصفه بـ”تحالفات ثلاثية متضادة”؛ ففي جهة يوجد تحالف “تركيا- أذربيجان- باكستان”، بينما في الجهة المقابلة يتشكل تحالف “إيران- أرمينيا- الهند”. ومع أن باكو ويريفان تصنفان ضمن فئات جيوسياسية أقل وزنًا، إلا أنهما تؤديان دورًا محوريًا في نقل مصالح القوى الإقليمية الكبرى.

تبرز هذه التحالفات الجديدة كعامل رئيسي في تصعيد الميل إلى عسكرة جنوب القوقاز، حيث تسهم الدولتان النوويتان في جنوب آسيا بدور فعال في تعزيز هذا الاتجاه.

<pكشفت صحيفة "ذا إيكونوميك تايمز" الهندية، في مطلع السنة الجاري، أن أرمينيا قررت اعتماد مدفعية "ترايان"، وهي نتاج شراكة صناعية بين الهند وفرنسا، بهدف تعزيز قدرات وحدات المدفعية لديها. وبحسب ما نقلته الصحيفة، فإن تسليم الدفعات الأولى من هذا السلاح سيبدأ خلال الأشهر القليلة المقبلة.

وفي المقابل، فإن الجبهة المقابلة من التحالف الثلاثي، مع انخراط متزايد للصين، تشهد نشاطًا مكثفًا لتعزيز القدرات الهجومية. فقد أفادت تقارير إعلامية مؤخرًا بأن أذربيجان تستعد لشراء 24 مقاتلة إضافية من طراز “جيه إف 17 ثاندر بلوك 3″، وذلك بعد إعلان سابق عن نيتها اقتناء 16 طائرة من النوع نفسه، المُصنّع بشراكة باكستانية صينية.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا