إعلان


في الساعات الأولى من الجمعة، تصاعدت الهجمات الصاروخية بين إسرائيل وإيران، مما أثار جدلاً في الكونغرس الأمريكي. بينما دعم بعض المشرعين حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، أعرب آخرون عن قلقهم من تورط أمريكا في صراع لا يخدم مصالحها. انقسم الديمقراطيون بين المساندين والمعارضين للهجمات الإسرائيلية، مشيرين إلى مخاطرها على السلام الإقليمي. في الجانب الجمهوري، تباينت الآراء بين دعم أي تدخل لصالح إسرائيل وفريق “ماغا” المعارض لأي تورط أمريكي. كذلك عبر ترامب عن موقف متضارب، داعماً جهود نزع الأسلحة النووية الإيرانية، لكنه يفضل عدم تدخل أمريكا في المواجهة.

واشنطن- في الساعات الأولى من فجر يوم الجمعة الماضي، شهدت تبادلاً سريعًا للهجمات الصاروخية بين إسرائيل وإيران، حيث لم تقتصر تداعيات هذا التصعيد العسكري على ساحة المواجهة المباشرة فقط، بل امتدت أيضًا إلى قاعات الكونغرس الأميركي في واشنطن، ودوائر صنع القرار داخل الحزب الجمهوري بشكل خاص.

إعلان

لقد أثارت الضربات الإسرائيلية جدلاً واسعًا بين المشرّعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حيث عبّر بعضهم عن دعمهم لما أسموه “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، فيما أعرب آخرون عن قلقهم من أن تؤدي هذه التحركات العسكرية إلى تورط الولايات المتحدة في صراع لا يخدم مصالحها الإستراتيجية.

انقسام ديمقراطي

في الساعات التي سبقت الغارات الجوية الإسرائيلية على إيران، اتحد المشرّعون الديمقراطيون في موقفهم، مدفوعين بحادثة الاعتداء الجسدي على السيناتور أليكس باديا، وانطلقوا في مسيرة داخل الكابيتول مدعاين بفتح تحقيق رسمي.

لكن الغارات الإسرائيلية أثارت انقسامًا غير متوقع في صفوف الديمقراطيين حول التصعيد العسكري الذي قام به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، تجاه طهران.

لطالما انتقد الديمقراطيون العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، مأنذرين من تأثيراتها الكارثية، واتخذوا نفس الموقف تجاه التصعيد مع إيران، مشيرين إلى أن العالم لم يعد يتحمل حروبًا جديدة.

أنذر السيناتور جاك ريد، أحد أبرز الأعضاء الديمقراطيين في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، من أن التصعيد الإسرائيلي لا يهدد فقط حياة الأبرياء، بل يزعزع أيضًا استقرار الشرق الأوسط وسلامة القوات الأميركية الموجودة في المنطقة.

من جهتها، عبرت السيناتور جين شاهين، عضو لجنة العلاقات الخارجية من هاواي، عن قلقها الشديد، ووصفت الهجمات بأنها “تصعيد مثير للقلق قد يؤدي إلى ردود انتقامية قد تخرج عن السيطرة”.

كما تساءل النائب خواكين كاسترو عبر منصة “إكس”، عن مغزى شعار “أميركا أولاً” الذي أطلقه القائد الأميركي دونالد ترامب، مشيرًا إلى أنه “ما معنى هذا إذا كان ترامب يأذن لنتنياهو بسحب البلاد إلى حرب لا يريدها الأميركيون؟”.

في المقابل، لم تخلُ صفوف الديمقراطيين من أصوات تدعم الضربات الإسرائيلية على إيران، معتبرةً إياها خطوة ضرورية لردع طموحاتها النووية. حيث نوّه النائب جاريد موسكوفيتز أن السماح لإيران بتطوير سلاح نووي “سيعرّض إسرائيل والولايات المتحدة وشركاءها الإقليميين لخطر دائم ومباشر”.

Missiles launched from Iran are intercepted as seen from Ashkelon, Israel, June 15, 2025. REUTERS/Amir Cohen
تيار ماغا يخشى من تدخل القوات الأميركية بالشرق الأوسط لإسقاط الصواريخ الإيرانية (رويترز)

“ماغا” تأنذر

خلال الحرب المستمرة بين إسرائيل وإيران، وجد الجمهوريون أنفسهم في مشهد منقسم، حيث انقسمت الكتلة الجمهورية بين قيادات تقليدية تؤكد دعمها لإسرائيل دون تحفظ، وبين الأعضاء المؤيدين لحركة “ماغا” (اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا) الذين يعارضون أي انخراط أميركي في نزاع إقليمي لا يخدم المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة، متمسكين بشعار “أميركا أولاً” الذي كان من أبرز وعود القائد ترامب الانتخابية.

شكلت دعوة تيار ماغا لإنهاء التدخل الأميركي في حروب الشرق الأوسط تحديًا محوريًا للعلاقة الطويلة الأمد بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

يجد هذا التيار أن التدخل الأميركي في دعم جميع انتهاكات إسرائيل يُعد ضررًا لمصالح الولايات المتحدة المتنوعة بالشرق الأوسط، حيث يشككون في مدى توافق مصالح إسرائيل دائماً مع مصلحة الولايات المتحدة.

للضربات الإسرائيلية، التي سبقت انطلاق الجولة السادسة من مفاوضات البرنامج النووي بين الولايات المتحدة وإيران، تأثير كبير على الحوار داخل صفوف تيار “ماغا” بشأن مدى توافق العلاقات الخاصة بين أميركا وإسرائيل مع سياسات “أميركا أولاً”.

وقد نشرت مؤسسة “قف معًا” للأبحاث، الممولة من عائلة كوخ الجمهوري، ورقة أنذرت فيها من تداعيات العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ودعات بتقليل الاعتماد الإسرائيلي على الدعم الأمريكي. حيث لفتت الورقة إلى أن “إسرائيل الأكثر أمانًا وارتباطًا دبلوماسيًا ستعتمد بدرجة أقل على الدعم العسكري الأميركي وأكبر على الشراكات الإقليمية لضمان مستقبلها”.

يخشى تيار ماغا من أن عمل القوات الأميركية في الشرق الأوسط لإسقاط الصواريخ الإيرانية قد يؤدي إلى تدخل مباشر ضد إيران. كما يرون أن التحركات العسكرية الضخمة مثل نقل الصواريخ وحاملات الطائرات إلى الشرق الأوسط قد تعرض الاستعداد الأميركي للخطر في صراع محتمل ضد الصين أو كوريا الشمالية.

يقول دبلوماسي أميركي سابق للجزيرة نت، مفضلًا عدم ذكر اسمه، “يجب التمييز بين الدعم الدفاعي الأميركي لإسرائيل، والذي أعتبره مستمرًا منذ بدء رد إيران على هجمات إسرائيل، وبين الدعم الهجومي، الذي يختلف تمامًا عما يجري الآن، وهو ليس حاصلاً بعد، وقد لا يحدث”.

من جهته، أجرى النائب الجمهوري توماس ماسي استطلاعًا بين متابعيه، سأل فيه “هل يجب أن تقدم الولايات المتحدة السلاح لإسرائيل لتستمر في مهاجمة إيران؟” وقد شارك أكثر من 126 ألف شخص في الاستطلاع، حيث أبدى 85% منهم تأييدهم لوقف شحن السلاح لإسرائيل، في حين وافق 15% فقط.

ذرائع المحافظين الجدد

كرر تيار “المحافظون الجدد” التقليدي في المعسكر الجمهوري تصورات سادت بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، والتي أدت إلى حروب العراق وأفغانستان واحتلالهما لقرابة عقدين.

يعتقد هذا التيار أن الحفاظ على “العلاقة الخاصة” هو جزء لا يتجزأ من سياسة ترامب الخارجية، وأن الدعوات لتخلي ترامب عن إسرائيل تعتبر خطأ استراتيجيًا يؤذي مصالح واشنطن، حيث تُعتبر هذه الدعوات انعزالية وضارة في جوهرها.

يؤكد هذا المعسكر أن إسرائيل تقاتل إيران نيابة عن الولايات المتحدة وكل الغرب، ويذهبون إلى أبعد من ذلك بالقول إن دول الخليج تفضل إضعاف إيران وتقليص قدراتها العسكرية.

بعد الهجمة الإسرائيلية الأولى على المنشآت الإيرانية، تدفقت المعلومات والتصريحات من أنصار نتنياهو من الجمهوريين عبر منصة “إكس”، حيث أعربوا عن دعمهم للعمليات العسكرية وامتدحوا فعاليتها، بما في ذلك تصريح رئيس مجلس النواب مايك جونسون بأنه “يمارس حقه المشروع في الدفاع عن النفس”.

أشاد السيناتور الجمهوري توم كوتون، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، بشجاعة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بينما وصف السيناتور ليندسي غراهام الضربة بأنها “واحدة من أكثر الضربات العسكرية والاستخباراتية إثارة للإعجاب في تاريخ إسرائيل”.

قبل بدء الحملة الجوية، أجرى “معهد رونالد ريغان” استطلاع رأي بشأن احتمال توجيه إسرائيل ضربات جوية للمنشآت النووية الإيرانية إذا فشلت الجهود الدبلوماسية. أظهرت المعلومات أن حوالي 60% من الجمهوريين أيدوا الضربات، بالمقابل كانت النسبة 35% فقط من المستقلين و32% من الديمقراطيين.

أعرب 45% من كافة المشاركين عن دعمهم لتنفيذ الضربات الجوية، بينما عارضها 37% وأبدى 18% ترددهم.

في حديث مع الجزيرة نت، قلل ساؤل أنزيوس، المسؤول السابق بالحزب الجمهوري، من أهمية الانقسام بين الجمهوريين. وقال: “يفضل أنصار تيار ماغا أن يكونوا أقل تدخلاً لكنهم يتفقون على أن النظام الحاكم الإيراني يظل أكبر دولة راعية للإرهاب وأن برنامجه النووي يشكل تهديداً”.

لفت أنزيوس إلى أن “طالما أن إسرائيل توجه ضرباتها نحو الأهداف العسكرية والبنية التحتية، فإن معظم الجمهوريين والديمقراطيين سيبقون متحدين لدعم جهود إسرائيل”.

وأضاف: “يبدو أن الانقسام التقليدي بين ماغا والتيار التقليدي يتركز أساسًا حول دعم أوكرانيا وليس إسرائيل. وبالنظر إلى الحقائق على الأرض، يبدو أن هذا الموقف غير ثابت، لكنه يعكس تأثير القائد ترامب على تفكير مؤيدي ماغا”.

موقف إدارة ترامب

يظهر القائد ترامب مواقف متناقضة لا تعكس موقفًا ثابتًا تجاه الحرب بين إسرائيل وإيران. فهو يكرر دعوة للتوصل إلى اتفاق نووي جديد بين الولايات المتحدة وإيران يقضي بمنع طهران من تطوير برامجها النووية، معربًا عن رغبته في استخدام الحرب لتحقيق هذا الهدف، لكنه يؤكد في ذات الوقت على ضرورة انسحاب واشنطن من المواجهة.

بعد منتصف ليلة السبت، غرد ترامب عبر منصة تروث سوشيال مؤكدًا أن بلاده لن تشارك في الهجمات على إيران، مأنذرًا طهران من عواقب أي هجوم على بلاده أو مصالحها.

يُعتبر جيه دي فانس، نائب القائد، أحد أبرز مؤيدي ضبط النفس في الإستراتيجية الخارجية ضمن الحزب الجمهوري، ولم يستبعد إمكانية إعادة النظر في قواعد العلاقة الخاصة مع إسرائيل.

في الوقت نفسه، نشرت مؤسسة هيريتيج، التي تُعتبر مركزًا فكريًا لحركة “ماغا”، تقريرًا يدعو إدارة ترامب إلى “إعادة تشكيل علاقتها مع إسرائيل” من علاقة خاصة إلى شراكة استراتيجية متكافئة تركز على المصالح المتبادلة.

كما انتقد الإعلامي المعروف، والمقرب من ترامب، تاكر كارلسون، رموز اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة من رجال أعمال وإعلاميين ومفكرين، راسمًا صورة نقدية للسياسات الداعمة للصراع.

جادل كارلسون بأن المخاوف من حصول إيران على سلاح نووي قريبًا هي مخاوف غير مبررة، ونوّه أن الحرب معها لن تؤدي إلا إلى “آلاف” الضحايا الأميركيين في الشرق الأوسط.

قال كارلسون إن التدخل الأميركي المباشر في الحرب ضد إيران “سيكون صفعة في وجه ملايين الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم على أمل تشكيل حكومة تضع مصالح الولايات المتحدة أولاً”.

مهاجمًا أي دعوات للانخراط في الحرب إلى جانب إسرائيل، لفت كارلسون إلى أن “الفارق الحقيقي ليس بين أولئك الذين يدعمون إسرائيل والذين يدعمون إيران أو الفلسطينيين، بل بين أولئك الذين يشجعون العنف وأولئك الذين يسعون إلى منعه، بين دعاة الحرب وصانعي السلام”.

عندما سُئل “من هم دعاة الحرب؟”، ذكر كارلسون أسماء بعض الشخصيات مثل شون هانيتي (مذيع في شبكة فوكس) ومارك ليفين (مقدم برنامج في شبكة فوكس) وروبرت مردوخ (ملياردير يهودي ومالك صحيفة وول ستريت جورنال) وآيكبير لموتر (ملياردير ورجل أعمال يهودي أميركي) وميريام أديلسون (مليارديرة يهودية).


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا