لا تشتكي قبل ان تعرف ماذا لو قام الوارث بالاعتداء على ما بيد غيره من الورثة قبل القسمة في القانون اليمني تعلم درس
بقلم: القاضي مازن امين الشيباني
حين يموت المورث ويخلف عددا من الورثة الا ان احدهم هو من وضع يده على التركة دون الاخرين لاي سبب.
ظلت التركة بيد احد الورثة لبضع سنوات ثم طلب احد الورثة الاخرين اجراء القسمة فرفض واضع اليد اجراء القسمة فقام من يطالب بالقسمة بالاعتداء على جزء من التركة.
هنا في هذا الوضع يسأل كثيرون
هل تقوم جريمة الاعتداء على ملك الغير ؟
في الواقع هناك تباين بالاراء
البعض يقول تقع هذه الجريمة والبعض يقول لا تقع
فما هو رأي القانون بشأنها؟
اقول اولا ان المسألة هنا لا تؤخذ بالقناعات والمسبقة ولا بالمعتقدات التي لا نستطيع تغييرها
فالمسألة قانونية بحتة وبحاجة الى تحليل
وللاجابة على هذا السؤال دعوني اقول ان هناك ثلاث مسائل اولية يجب بيانها قبل الاجابة على السؤال.
1- المسألة الاولى:-
ان جريمة الاعتداء على ملك الغير لها صور محددة .. فالقيام بوضع اليد على المال لا يعتبر اعتداء .. فالاعتداء على ملك الغير وفق المادة ٣٢١ عقوبات اما هدم او تخريب او تعييب او اعدام للمال او اتلاف للعقار او المنقول او النبات او عطل منفعته ماديا.
وللتفرقة بين الصور
نفترض ان المال عبارة عن سيارة فكيف تقع جريمة الاعتداء عليها
القيام باحراق السيارة بشكل كلي هو اعدام للسيارة بحيث تنتهي كلية ولا يبقى من مسماها سوى الحديد
واما الاتلاف فهو قد يكون بصورة اعدام جزئي للمال وقد يكون بصورة اعدام لقيمته المالية مع بقاء عين المال، وبالتالي يعتبر احراق محرك السيارة هو اتلاف للسيارة ولو بقي لها شكل وهيكل خارجي ومقاعد ومقدمة.
والقيام بنزع اسلاك من محركها بصورة عشوائية تخريب للسيارة
بينما القيام بتكسير نوافذها وابوابها وفطر اطاراتها هو اضرار بها
فالفرق بين التخريب والاضرار ان التخريب يجعل محرك السيارة غير صالح للعمل بحيث تكون السيارة لا تشتغل ولا يدور محركها
اما الاضرار فيكون المال محل الاعتداء لا زال يؤدي وظيفته ولكن تم الاضرار به على نحو يجعله اقل قيمة واقل كفائه
فالتخريب يحول دون الحصول على فائدة المال
اما الاضرار لا يوقف منفعة المال وانما يقلل منها او من قيمتها او كفائة المال المعتدى عليه
اما تعطيل المال فهو ان يتم تغيير مادي في المال دون الاضرار به وانما بالقيام بعمل يجعله معطل ولا يؤدي االغاية منه ومن ذلك القيام بنزع اطارات السيارة او نزع البطارية يعطل المنفعة منها، لكنه لا يضر بالسيارة،
وفي الارض الزراعية القيام بوضع احجار فيها او غمرها بالمياه يعطل منفعتها المتمثلة بالزراعة
بينما جعل المال غير صالح للاستعمال يتضمن تعطيل منفعة من جهة واضرار بالمال او باي جزء منه من جهة اخرى
مثل فطر اطارات السيارة فهذا لا يعطل منفعة السيارة فحسب بل جعل اطاراتها غير صالحة للاستعمال
وهذا يعني ان القيام بالاستيلاء على مفاتيح السيارة لمنع صاحبها من استخدامها لا يشكل تعطيل منفعة السيارة ولا جعلها غير صالحة للاستعمال لان الفعل هنا لم ينصب على السيارة نفسها ولا على اي جزء من اجزائها.
واذا كان غمر الارض بالمياه يعطل منفعتها فان القيام بتجريفها يجعلها غير صالحة للاستعمال
هذه صور جريمة الاعتداء على ملك الغير بالاضافة الى الهدم واتلاف النباتات (قلع النبات، تكسير النبات، او حرمانه من الري حتى يموت)
هذه الصور (الهدم- التخريب- الاعدام – الاتلاف- الاضرار- تعطيل المنفعة- جعل المال غير صالح للاستعمال – اتلاف النباتات) اذا تحققت في فعل الوارث في المال الذي خلفه مورثه وهو بيد احد الورثة الاخرين فتقوم بحقه جريمة الاعتداء على ملك الغير، لان فعله لم يقع على حصة خاصة به، بل وقع ايضا على حصص باقي الورثة، ولا يجوز ان يقال هنا لا تقوم الجريمة لشبهة الملك، فالملك ثابت له وليس مجرد شبهة، وانما الاعتداء وقع على ما يملكه وعلى ما يملك غيره من الورثة في هذا المال المعتدى عليه، وبالتالي تقوم جريمة الاعتداء على ملك الغير قبله، ولا يجوز ان يقال يخصم نصيبه لعدم مسائلته جنائيا، والا لاصبح كل وارث هو من يختار المال الذي يريد ان يكون من نصيبه ويذهب يعتدي عليه ليقول بعد ذلك (اخصموه من نصيبي) فهنا سيختار افضل الاموال لتخصم من نصيبه
وبالتالي مثل هذا الوارث يسائل جنائيا حتى وان كان المال المعتدى عليه له نصيب فيه، فنصيبه الشائع لا يعفيه من المسائلة بجريمة الاعتداء على انصباء غيره من الورثة في هذا المال، وفي هذه الصور تكون حيازة الوارث مستحقة للحماية الجنائية ليس على اساس انه المال مملوك له،وانما على اساس ان حصته وقع اعتداء عليها باحدى الصور المبينة انفا.
هذه المسألة الاولى
2- المسألة الثانية:-
مجرد القيام بوضع الوارث يده على المال وسلب حيازته من احد الورثة لا تقوم به جريمة الاعتداء على ملك الغير، والسبب ان الحيازة بين الورثة لا حجية لها فيما بينهم البين، بمعنى ان الحيازة هنا لا تنطبق عليها قاعدة (الحيازة قرينة على الملك) هذه القاعدة لا يتم اعمالها فيما بين الورثة، فمن ادعى الملك بين الورثة لا يكفيه التمسك بالحيازة، بل يتعين عليه اثبات سبب ملكيته من بيع او هبة او وصية او ارث من جهة اخرى، والسبب هو ان الورثة تقوم بينهم خلطة لسبب خارج عن ارادتهم وهو موت المورث، هذه خلطة لا يمكن فصلها الا بمعرفة ما خلفه المورث من مال من جهة، ومعرفة من هم ورثته من جهة اخرى، وعند موت المورث تعتبر الاموال التي بايدي ورثته جميعا من مخلفه، خصوصا حين يدعي بها الورثة انها من المخلف، ومن المتصور جدا ان يستحوذ احد الورثة على المستندات،ومن المتصور جدا ان يكون المورث قبل موته قد سلم بعض الاموال لبعض اولاده للانتفاع بها او للاستحواذ عليها من باب التفضيل.
هنا تقوم قرينة ان اي مال ادعى به انه احد الورثة من ملك المورث وهو بيد احد الورثة تقوم قرينة انه من ملك المورث، ولا يجوز للوارث ان يقول انا حائز ثابت وانكر ملك المورث، فالمدعي ادعى ان مورثه مات مالك لهذا المال، والمدعى عليه احد ورثته، فهنا يجب على المدعى عليه ان يثبت ان المال ملك خاص به، ويجوز له اثبات ذلك بالطرق الشرعية للاثبات فان لم يثبت اعتبر المال مملوك للمورث ويقسم بين الورثة.
ولذلك فانه لاحجية للحيازة بين الورثة وقيام احد الورثة بسلب الحيازة من الوارث الاخر لا تقوم به جريمة الاعتداء على ملك الغير ولا توجب الحماية الجنائية.
لكنها قد تجيز طلب الحماية المستعجلة، فمن سلبت حيازته من الورثة او وجد تعرض مادي لها يجوز له ان يطلب الحماية المستعجلة، لان الحماية المستعجلة تمنح لوضع قائم دون ان تؤثر بالحق الموضوعي، فلا هي تؤكد الملكية للحائز، ولا تمنع المدعى عليه من المطالبة الموضوعية.
وهذه المسالة الثانية
3- اما المسألة الثالثة:-
فهي ان تجريم فعل الاعتداء على المال ليس القصد منه حماية المال ولا تقرير ملكية المال للمجني عليه، تجريم الغعل في هذه الحالة وفي جميع الحالات القصد منه حماية الامن والاستقرار في المجتمع، فعندما يتهم شخص انه معتدي على مال رغم ان له نصيب فيه فان هذا الاتهام لا يعني انه ليس مالك وانه ليس له حق في المال، ولا يعني ايضا ان المال المعتدى عليه ملك للمجني عليه الشاكي، فلسفة قانون الجرائم والعقوبات اعم واشمل من هذا النطاق الضيق.
ولتقريب الصورة بالبلدي
قانون العقوبات يقول لكم
((انا لا يعنينا هذا المال ملك من ولا هل انت لك حق فيه او مالك حق فيه، انا تم وضعي بقصد حماية المجتمع من مظاهر تؤدي للاخلال بأمنه واستقراره، والقيام بتخريب مال او هدمه او اعدامه بحجة انك تدعي ان لك حق فيه يعتبر السكوت عليه سببا لانتشار الجريمة بين الناس، لذلك انا اعتبر هذا الفعل جريمة، وانت اذا لك حق اسلك الطرق الشرعية في طلبه)).
هذا هو منطق قانون الجرائم والعقوبات
والله تعالى اجل واعلم
دمتم برعاية الله…
منقول أ.اكرم الردماني