تاريخ العلاقات بين تركيا والهند يعود للعصور الوسطى، مع تبادلات ثقافية وتجارية خلال العهد العثماني. بعد استقلال الهند عام 1947، تطورت العلاقات عبر اتفاقيات متنوعة، رغم وجود توترات بسبب دعم تركيا لباكستان خاصة في قضية كشمير. على الرغم من هذا التعقيد، يسعى الجانبان للحفاظ على التعاون من خلال آليات ثنائية ومشاركة في المنظمات الدولية. العوامل الماليةية تعزز التواصل، حيث بلغ حجم التبادل التجاري نحو 10 مليارات دولار في 2023. رغم التحديات، تشمل الجوانب السياحية والتكنولوجية مجالات مشتركة تسعى البلدان لتطويرها.
تاريخ العلاقات بين تركيا والهند يعود إلى العصور الوسطى، حيث بدأت تبادلات دبلوماسية وثقافية وتجارية بين الدولة العثمانية وسلاطين الهند المسلمين. وقد استمر هذا التفاعل لقرون، مبنيًا على روابط حضارية وثقافية مشتركة ساهمت في بناء أساسات قرب البلدين.
بعد استقلال الهند في 1947، تطورت العلاقات الثنائية بشكل ملحوظ من خلال توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة. ومع ذلك، لا تزال هذه العلاقات متقلبة ومعقدة، حيث تتأرجح بين مجالات التعاون والنزاعات، إذ تتقدم العلاقات أحيانًا في مجالات المالية والثقافة والسياحة، لكنها غالبًا ما تتأثر بالمواقف المختلفة بشأن القضايا الإقليمية والدولية.
تواجه العلاقات التركية الهندية تحديات مزمنة، أبرزها التعاون الاستراتيجي بين تركيا وباكستان، خاصة في الجوانب الدفاعية والعسكرية. فالدعم التركي لباكستان في قضية كشمير وانتقاداتها للسياسات الهندية تجاه المسلمين يشكلان عقبة كبيرة أمام تطوير التعاون السياسي والماليةي بين البلدين.
رغم وجود هذه العقبات، تمكنت تركيا والهند من استمرارية التعاون عبر إنشاء آليات ثنائية مثل “حوار تخطيط السياسات”، واستثمار علاقاتهما في المحافل الدولية مثل مجموعة العشرين ومنظمة شنغهاي، مما يعكس رغبة الجانبين في تجاوز الخلافات وتعزيز شراكة أكثر توازنًا.

العلاقة التاريخية
تعود العلاقات الدبلوماسية بين الهند وتركيا إلى أواخر القرن الخامس عشر، حيث بدأ السلاطين العثمانيون ببناء علاقات رسمية مع حكام شبه القارة الهندية المسلمين، بدءًا بالبهمانيين ثم حكام غوجارات والتيموريين، واستمرت في عهد نظام حيدر آباد وتيبو سلطان ونواب أركوت.
إعلان
أسهمت الثقافة التركية بشكل كبير في حضارة الهند في مجالات مثل الفن والعمارة والأزياء والمأكولات. حيث لاقت فلسفة جلال الدين الرومي الصوفية قبولًا واسعًا في شبه القارة الهندية، نظرًا لتقاطعها مع التقاليد الصوفية المحلية. كما تشترك اللغتان التركية والهندوستانية في أكثر من 9 آلاف كلمة.
خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية (1858-1947)، استمرت بعض التبادلات الدبلوماسية بين الهند وتركيا. حيث عبر مهاتما غاندي عن تضامنه مع الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، مستنكرًا الظلم الذي تعرضت له. قدمت الهند دعمها في عشرينيات القرن الماضي لحرب الاستقلال التركية وتأسيس الجمهورية التركية.
كما أسهمت شخصية مصطفى كمال أتاتورك في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي لدى الهنود، وألهمت بشكل غير مباشر حركة التحرر الهندية. وقد قوبل انتصاره على اليونانيين وتأسيسه تركيا الحديثة بالترحيب من الشعب الهندي والثناء من قادة مثل جواهر لال نهرو وأبو الكلام آزاد.
تعترف تركيا باستقلال الهند في عام 1947، وأقامت الدولتان علاقات دبلوماسية منذ عام 1948، وعملت على توسيع التعاون الثنائي، حيث وقعتا اتفاقية ثقافية في عام 1951.
تمت كذلك تبادل الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين، حيث زار رئيس الوزراء التركي آنذاك عدنان مندريس الهند في عام 1958، تلاها زيارة رئيس الوزراء الهندي السابق جواهر لال نهرو إلى أنقرة في عام 1960، وذلك بجانب زيارات وزارية متبادلة.
في سبعينيات القرن الماضي، أبرم البلدان اتفاقيات تعاون ثقافي واقتصادي وفني، وأبرزها كانت في أنقرة عام 1976 وفي نيودلهي عام 1978، والتي شملت مجالات المالية والمنظومة التعليمية والفنون والثقافة والإعلام والرياضة.
إعلان
العلاقات السياسية والدبلوماسية
رغم العلاقات التاريخية، لم تنجح الهند وتركيا في تحقيق شراكة وثيقة في العقود الماضية، إذ عانت علاقاتهما من توترات متقطعة، تعود أساسًا إلى دعم تركيا لباكستان، خصوصًا في قضية كشمير، التي نشبت في أواخر الأربعينيات مع اندلاع المواجهة بين الهند وباكستان.
خلال تلك الفترة، تباينت مواقف البلدين خلال الحرب الباردة، حيث انضمت تركيا إلى التحالفات الغربية مثل الناتو، بينما تبنت الهند سياسة عدم الانحياز وازدهرت علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي لاحقًا.
ومع تراجع الحرب الباردة، سعى رئيس الوزراء التركي تورغوت أوزال إلى تعزيز العلاقات مع الهند. وأثناء زيارته إلى نيودلهي في عام 1986، تم الاتفاق على فتح مكاتب الملحقين الدفاعيين في البلدين.

في إطار تعزيز العلاقات، زار رئيس الوزراء الهنود راجيف غاندي تركيا في عام 1988، وتبعها تبادل العديد من الزيارات الرفيعة في أواخر الثمانينيات والتسعينيات.
ومع ذلك، استمر دعم تركيا لباكستان في قضية كشمير كعائق رئيسي، خصوصًا بعد إدانتها للاستخدام الهندي للقوة في النزاع خلال اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي عام 1991، مما أثر سلبًا على العلاقات الثنائية.
أسهم تغيير موقف تركيا تجاه قضية كشمير في تحسين العلاقات، فقد تحولت من دعم الحل تحت رعاية الأمم المتحدة إلى تأييد التسوية الثنائية، وزيارة رئيس الوزراء التركي الأسبق بولنت أجاويد إلى الهند عام 2000 كانت بارزة حيث كان من أبرز الداعمين للهند بسبب معارضته لإنقلاب القائد الباكستاني برويز مشرف عام 1999.
أما خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي الأسبق أتال بيهاري فاجبايتي إلى تركيا عام 2003، فقد تمت مناقشة تطوير التعاون الثنائي، وتم توقيع بروتوكول لإنشاء مجموعة عمل مشتركة لمكافحة التطرف.
إعلان
تلاها تبادل العديد من الزيارات بين قادة البلدين، منها زيارة رئيس الوزراء أردوغان إلى الهند عام 2008، وزيارة القائد التركي السابق عبد الله غل عام 2010، بالإضافة إلى زيارة نائب القائد الهندي إلى تركيا في 2011، والعديد من الزيارات على مستوى الوزراء في السنوات التالية.
في عام 2013، أحدثت زيارة القائد الهندي براناب موكيرجي إلى تركيا تحولًا كبيرًا في العلاقات، حيث تم توقيع 5 اتفاقيات حكومية و6 في قطاع المنظومة التعليمية، تشمل التعاون بين مؤسسات البحوث والتقنية والإعلام.
ومع ذلك، استمرت نقاط الخلاف لتعكر صفو العلاقات، وتشمل أبرز القضايا:
- قضية كشمير: دعم تركيا لباكستان في النزاع يشكل سببًا دائمًا لتوتر العلاقات بين البلدين.
- التمييز ضد المسلمين في الهند: انتقادات تركيا المستمرة للحكومة الهندية بسبب انتهاكات حقوق المسلمين، بينما تدعي الهند أن تركيا تدعم جماعات إسلامية متطرفة تشكل تهديدًا لأمنها الداخلي.
- التعاون الدفاعي والعسكري بين تركيا وباكستان: تخشى الهند أن يعزز هذا التعاون باكستان في المواجهة.
- حركة فتح الله غولن: تصنيف تركيا للحركة كمنظمة إرهابية وضغطها على الهند لإغلاق المؤسسات التابعة لها، تسبب في توتر إضافي.
- النزاع النطاق الجغرافيي بين أرمينيا وأذربيجان وقضية ناغورني قره باغ: تركيا تدعم أذربيجان، بينما تدعم الهند أرمينيا وتدعا بوقف العدائيات.
- الممر الماليةي الصيني الباكستاني: تركيا تدعم هذا الممر ضمن مبادرة الحزام والطريق، بينما تعارضه الهند، مما يؤثر على العلاقات بين أنقرة ونيودلهي.

تصاعد الخلافات
مع صعود القومية في الهند بعد وصول حزب بهاراتيا جاناتا للقوة عام 2014، تدهورت العلاقات بين الهند وتركيا بسبب شراكتها الاستراتيجية مع باكستان وتأثيرها على الثقة بين البلدين.
إعلان
في عام 2019، تراجعت العلاقات بشكل ملحوظ بعد إلغاء الهند للمادة 370 من دستورها التي كانت تمنح ولاية جامو وكشمير الحكم الذاتي. وقد اعترضت أنقرة على القرار، مما زاد من توتر العلاقات.
في سبتمبر 2019، حث القائد التركي العالم على اتخاذ إجراءات عادلة حيال كشمير، مما أغضب الهند، التي اعتبرت أن القضية يجب أن تُحل بشكل ثنائي مع باكستان دون تدخل خارجي.
ردًا على ذلك، دعم مودي عقد لقاءات مع قادة قبرص وأرمينيا واليونان، وألغى زيارة كانت مقررة إلى تركيا، مقيدًا صادرات الهند الدفاعية إليها وأيضًا وارداتها.
كما أدانت الهند التدخل العسكري التركي في شمال سوريا، وأنذرت مواطنيها من السفر إلى هناك.
في أوائل عام 2020، استدعت الهند السفير التركي وقدمت احتجاجًا رسميًا على تصريحات أردوغان حول كشمير خلال زيارته لباكستان، التي وصف فيها الحالة بأنها انحدار حقير.
رغم تلك التوترات، لم تتوقف الجهود بين البلدين لتضييق الهوة، فقد طوّروا آلية مشتركة للتعاون، تعرف باسم “حوار تخطيط السياسات” للارتقاء بالعلاقات الدبلوماسية، وبدأت الجلسة الأولى افتراضيًا في خريف 2020.
لقاء مودي وأردوغان في قمة منظمة شنغهاي عام 2021 كان نقطة تحول في العلاقات، حيث أعادا تقييم العلاقات الثنائية بعد توترات السنوات السابقة.
في عام 2023، شهدت العلاقات سلسلة من اللقاءات رفيعة المستوى في مجموعة الـ20، منها اجتماع وزير الخارجية التركي مع نظيره الهندي في فبراير، تلاه لقاء بين مودي وأردوغان في سبتمبر.
إعلان
ومع ذلك، تدهورت العلاقات مرة أخرى في مايو 2025 بعد إدانة تركيا الهجوم الهندي على باكستان، الذي وصفته بالاستفزاز.
الأمر تفاقم بعد اكتشاف الهند استخدام باكستان لمسيّرات تركية متقدمة، مما أدى إلى ضغوط على السلطة التنفيذية الهندية لتشديد القيود على التعاملات مع تركيا، وإلغاء بعض الاتفاقيات بين الجامعات.
العلاقات الماليةية والتكنولوجية
تعتبر العلاقات الماليةية والتجارية محورًا رئيسيًا في العلاقات بين تركيا والهند، وقد تم تعزيزها منذ السبعينيات من القرن الماضي من خلال اتفاقيات ثنائية مختلفة، من بينها اتفاقية التجارة الثنائية عام 1973 واتفاقية التعاون الماليةي والفني عام 1978.
في عام 1983، تم توقيع اتفاقية لتأسيس لجنة مشتركة للتعاون الماليةي والفني. كما تم إنشاء مجلس أعمال مشترك عام 1996 بين اتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية ومجلس العلاقات الماليةية الخارجية التركي.
عقب تولي أوزال للسلطة في تركيا، شهدت العلاقات الثنائية تطورًا ملحوظًا، إذ تم توقيع اتفاقيات لتعزيز التعاون المشترك مثل اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي وتعزيز السياحة عام 1995.
إعلان
أيضًا، تم توقيع اتفاقات الأراضي والتنمية الاقتصادية وتعزيز الحماية عام 1998، بالإضافة إلى مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في المجالات العلمية والتكنولوجية.
العلاقات الماليةية بين البلدين شهدت انتعاشًا متزايدًا مع مشاركة وفود تجارية في الفعاليات المقامة في كلا البلدين، مما ساهم في رفع مستوى التجارة الثنائية.
مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا، لوحظ تركيزه على التنمية وتنويع التجارة، حيث اعتبر الهند شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا، مما دفعه لتعميق التعاون الماليةي، مستفيدًا من منتدى مجموعة الـ20.
في سبتمبر 2003، عززت زيارة رئيس الوزراء الهندي السابق أتال بيهاري فاجبايتي العلاقات بين البلدين من خلال مناقشة التعاون في مجالي التجارة والطاقة.
في عام 2008، وقّع أردوغان خلال زيارته للهند اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، وفي 2009 تم إرسال أول قمر صناعي نانوي تركي إلى الفضاء عبر صاروخ هندي.
زيارة عبد الله غل للهند عام 2010 تناولت العمل المشترك في مجالات الفضاء والتقنية الحيوية، بينما تركزت زيارة أردوغان عام 2017 على الجوانب الماليةية، حيث كان برفقته وفد تجاري مكون من 100 عضو.
كما ساهم انتماء الهند وتركيا إلى منظمة شنغهاي في تعزيز العلاقات التجارية من خلال العديد من المبادرات، مع مناقشات سبل تعزيز التعاون خلال قمة المنظمة عام 2021.
عقد مودي وأردوغان اجتماعًا ثنائيًا خلال قمة مجموعة الـ20 في نيودلهي عام 2023، حيث تم مناقشة إمكانية التعاون في مجالات التجارة والتنمية الاقتصادية والدفاع.
وفقًا للبيانات التركية الرسمية لعام 2023، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 10 مليارات دولار، حيث ساهمت تركيا بنسبة 1.8% من صادرات الهند بما يعادل نحو 8 مليارات دولار، و0.6% من وارداتها بمنطقة تقدر بحوالي 4 مليارات دولار.
إعلان
تقدر عدد الشركات ذات الشراكة الهندية في تركيا بحوالي 250 شركة، وقد أبدت شركات هندية كبيرة مثل “تاتا” و”ماهيندرا” و”ريلاينس إندستريز” اهتمامًا متزايدًا بالقطاع التجاري التركية، بينما حققت الشركات الكبيرة التركية نجاحات ملحوظة في الحصول على عقود هامة في قطاع البنية التحتية الهندي.
بلغت التنمية الاقتصاديةات الهندية في تركيا في السنة المالية 2022-2023 حوالي 126 مليون دولار، بينما وصلت التنمية الاقتصاديةات التركية في الهند إلى حوالي 210.47 ملايين دولار.
تعتبر السياحة من أبرز جوانب التعاون الماليةي بين البلدين، حيث تستقطب تركيا عددًا كبيرًا من السياح الهنود سنويًا، وفي عام 2019 استضافت حفلات زفاف هندية بتكلفة قياسية بلغت 32 مليون دولار، وشهد عام 2023 زيارة حوالي 274 ألف سائح هندي لتركيا.
المصدر: الجزيرة + وكالات + الصحافة التركية + الصحافة الهندية