شركات صناعة السيارات الصينية في روسيا تواجه تراجعًا حادًا في المبيعات، مما ينذر بنهاية هيمنتها على القطاع التجاري. منذ بداية 2023، أُغلقت 213 صالة عرض، بينما تراجعت صادرات السيارات بنسبة 47.2%. التأثير السلبي لأزمة القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار أدى إلى انكماش القطاع التجاري، خاصة مع مواجهة بعض الطرازات مشكلات جودتها. رغم ذلك، يرى خبراء أن هذه الأزمة مؤقتة، ويقوم الوكلاء بتقديم عروض وتسهيلات مالية لجذب المستهلكين. ومع توقع انسحاب المزيد من العلامات التجارية، يبقى السؤال حول قدرة السيارات الصينية على المنافسة مستقبلًا مقابل الركود في القطاع التجاري.
موسكو – تواجه الشركات الصينية لصناعة السيارات في روسيا صعوبات كبيرة قد تنذر بنهاية سيطرتها على القطاع التجاري الروسية إذا استمرت مبيعاتها في الانخفاض، حيث أُغلقت المئات من صالات العرض الخاصة بالسيارات الصينية في روسيا بعد سنوات من تحقيق مبيعات مرتفعة.
أزمة مبيعات
بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار من السنة الجاري، تم إغلاق 213 مركزًا لبيع السيارات الصينية، متجاوزة العدد المسجل في عام 2024 بالكامل. وشمل هذا الإغلاق السريع صالات عرض لأكبر أربع شركات صينية في القطاع التجاري الروسية: هافال، شيري، جيلي، وتشانجان، مع توقعات باستمرار هذا الاتجاه في الشهور المقبلة.
وفقًا لبيانات الجمارك الصينية، فقدت روسيا مركزها كأكبر مستورد للسيارات الصينية في أبريل/نيسان 2025، وتراجعت إلى المرتبة السادسة في قائمة مستوردي السيارات من الصين.

من حيث الأرقام، سجلت صادرات سيارات الركاب الصينية إلى روسيا خلال الأربعة أشهر الأولى من السنة تراجعًا بنسبة 47.2% مقارنة بالسنة السابق، حيث بلغت 1.9 مليار دولار، كما انخفضت بنسبة 16.2% في أبريل/نيسان مقارنة بشهر مارس/آذار.
جاء هذا التراجع بعد فترة من النمو الاستثنائي في صادرات السيارات الصينية، والتي استفادت من انسحاب الشركات الغربية من القطاع التجاري الروسية بسبب العقوبات المفروضة على موسكو. وقد ساهمت الشركات الصينية في ملء هذا الفراغ بأسعار تنافسية، وهو ما جذب شريحة واسعة من المستهلكين الروس.
تعد السيارات الصينية أقل تكلفة من نظيراتها الأجنبية، كما تتنافس معها في السعر والجودة، متفوقة في بعض الحالات من حيث الراحة. تقدم الشركات الصينية تشكيلة متنوعة من الطرازات، بدءًا من سيارات السيدان الماليةية وصولاً إلى سيارات الدفع الرباعي الراقية.
ومع ذلك، فإن هذا التوسع السريع جاء مصحوبًا بمشكلات في الجودة. تعرضت طرازات شركة “تشانجان” لانتقادات حادة بسبب عيوب في تصميم مساند المقاعد، إذ أظهرت التقارير أنها قد تؤدي إلى كسور ضغطية في العمود الفقري للسائقين والركاب في حالة الحوادث. وقد دفع ذلك الاتحاد الوطني للسيارات في روسيا إلى فتح تحقيق وسحب تلك الطرازات من الأسواق.
انسحبت أيضًا علامتان تجاريتان صينيتان من القطاع التجاري الروسية، هما سكاي ويل وليفان. ويتوقع مراقبون أن يتجاوز عدد العلامات المنسحبة من القطاع التجاري بحلول نهاية السنة أكثر من عشرة علامات، بالإضافة إلى تراجع اهتمام الشركات الصينية بشكل عام بالقطاع التجاري الروسية.
منافسة وصعوبات اقتصادية
كشف نيقولاي دميتريف، المدير التجاري في شركة “أفتو لوغو” المتخصصة في بيع السيارات الصينية وقطع غيارها، أن أسباب الإغلاق متعددة، بما في ذلك المنافسة الشرسة، وتراجع القدرة الشرائية، وبعض المشكلات الفنية في بعض الطرازات.
وقال في حديثه للجزيرة نت إن الشركات الصينية قامت بتوسيع وجودها في روسيا بسرعة من خلال فتح عدد كبير من صالات العرض، لكن القطاع التجاري لم تكن مهيّأة لتحمل هذا العدد، مما أدى إلى اختلال كبير بين العرض والطلب.
كما ساهم ارتفاع سعر الفائدة الذي فرضه المؤسسة المالية المركزي، وضعف الروبل، وزيادة أسعار السيارات وقطع الغيار في تقليص القدرة الشرائية للمستهلكين، مما انعكس سلبًا على مبيعات الوكلاء المحليين.
ولفت دميتريف إلى أن من أبرز المشكلات الفنية في بعض السيارات الصينية هي انخفاض مقاومتها للتآكل، حيث أظهرت أبحاث أجريت في 26 مقاطعة روسية أن بعض الطرازات تبدأ بالتآكل بعد عامين فقط من الاستخدام. بالمقابل، توفر السيارات الأوروبية والأميركية مقاومة أعلى للتآكل، حيث يمكن أن يصل عمر الهيكل المعدني إلى 12 عامًا، ومع الطلاء المقاوم يمكن أن يمتد حتى 22 عامًا، مما يجعلها أكثر جاذبية رغم تكلفتها المرتفعة.
سحابة صيف
في المقابل، يعتقد أناتولي باجين، المدير التقني في وكالة “أفتوستات” لتحليل أسواق السيارات، أن التراجع الحالي لا يمثل نهاية لسيطرة السيارات الصينية في روسيا، بل يعتبر أزمة مؤقتة يمكن تجاوزها.

ويرى أن الشركات الصينية ستعمل على معالجة هذه القضايا من خلال تعزيز معايير الأمان، وتحسين مقاومة التآكل، وتقديم تسهيلات تمويلية لجذب المستهلكين.
على الرغم من الشائعات حول احتمال عودة علامات تجارية ألمانية مثل “بي إم دبليو” و”مرسيدس” إلى القطاع التجاري الروسية، إلا أن باجين يعتبر أن هذا السيناريو غير محتمل في المستقبل القريب بسبب استمرار العقوبات الأوروبية.
وأضاف أن المستهلك الروسي سيظل يوازن بين السيارات الروسية والصينية في عام 2025، لكن السيارات الصينية قد تصبح أقل توفرًا بسبب ارتفاع أسعارها.
ونوّه أن بعض وكلاء السيارات الصينية في روسيا قد خفضوا أسعار السيارات الجديدة، ونفذوا برامج “تريد إن” لاستبدال السيارات القديمة، وخفضوا معدلات الفائدة على القروض إلى 0.01%، مع إتاحة خطط تقسيط تمتد لخمس سنوات، بالإضافة إلى منح بوليصات تأمين مجانية مع الشراء.