في مارس 2025، صرح ترامب عن تصنيع الطائرة المقاتلة “إف-47” من الجيل السادس، بتكلفة 20 مليار دولار ومدة خمس سنوات. تسعى الولايات المتحدة لتعزيز تفوقها الجوي، بعد انتقادات لتوقف إنتاج “إف-22” بسبب التكلفة العالية. تتميز “إف-47” بتقنيات متقدمة مثل “العباءة الحرارية” ومحرك تكيّفي، وتتضمن استخدام المسيرات. يتوقع أن يُنجز المشروع في سياق المنافسة مع دول مثل الصين وروسيا، اللتين تتقدمان في تطوير أنظمة الدفاع الجوي. تظل هذه المبادرات ضرورية لضمان تفوق جوي مستدام في ظل تطور التهديدات العالمية.
“إن مستقبل أُمتنا مرهون للأبد بتطوير قوة جوية”.
- ويليام بيلي ميتشيل (1879-1936)، عسكري أميركي.
في مارس الماضي، بعد سنوات من التخطيط، صرح القائد الأميركي دونالد ترامب عن إبرام صفقة مع الشركة الأميركية “بوينغ” لتطوير وتصنيع طائرة مقاتلة من الجيل السادس، باسم “إف-47″، تيمُّناً بكون ترامب القائد السابع والأربعين للولايات المتحدة. وقال ترامب: “لم يرَ العالم شيئاً يشبهها، ولن يتمكن أعداؤنا من رؤيتها قبل فوات الأوان”، معبراً عن أمله في أن تُحلق الطائرة خلال فترة ولايته التي تنتهي في يناير 2029.
تبلغ قيمة الصفقة نحو 20 مليار دولار على مدى خمس سنوات، وقد ارتفعت القيمة القطاع التجاريية لـ”بوينغ” بنحو 4 مليارات دولار بعد الإعلان، الذي جاء عقب فترة من اللامبالاة من البنتاغون تجاه الشركة. ولفت أندرو هانتر، مسؤول سابق في قسم التسلح في سلاح الجو الأميركي، إلى التنافس مع شركة “لوكهيد مارتن” التي تصنع “إف-22”.
إذا افترضنا أن “بوينغ” ستنتج 100 طائرة، فإن تكلفة الطائرة الواحدة ستكون حوالي 200 مليون دولار، وهو رقم يزيد قليلاً عن نصف تكلفة “إف-22” ويمثل ضعفي سعر “إف-35”. لم يكن هذا العقد ضمن خطط الإدارة السابقة، ولم يتضمن ميزانية وزارة الدفاع لعام 2026، كما صرح وزير سلاح الجو السابق فرانك كِندال، مشيراً إلى أولويات أخرى حالت دون إدراج الطائرة في خطط وزارته. ويعكس هذا التغيير في الإستراتيجية الأميركية الجديدة اهتمام ترامب المتزايد بالتنمية الاقتصادية في الصناعات العسكرية.
تجربة سابقة غير مُبشِّرة
لفهم الحيرة حول المقاتلة الجديدة، لننظر إلى تجربة “إف-22 راپتور”، التي لم تكن مُشجِّعة وعانت من مشاكل تكلفة عالية. توقفت “إف-22” عن الإنتاج في عام 2011 بعد فترة قصيرة، إذ بدأت الخدمة الفعلية في 2005، وامتدت ست سنوات تعتبر قصيرة جداً في عمر الطائرات الحربية، كما في حالة القاذفة “بي-52” التي لا تزال تعمل منذ الخمسينيات.
بدأت “إف-22” في الثمانينيات كبديل لـ”إف-15″، وأسندت مهمتها لشركة “لوكهيد مارتن” في 1997. استلم سلاح الجو الأميركي أول طائرة بعد خمس سنوات ودخلت الخدمة بعد ثلاث سنوات أخرى. عانى المشروع خلال هذه المدة من تقليص متكرر، في حين كانت النوايا الأصلية للبنتاغون شراء 750 طائرة، لكن العدد النهائي لم يتجاوز 200، وعدد الطائرات المؤهلة للعمليات كان 187 فقط.
كان سبب توقف الإنتاج تكلفة المقاتلة المرتفعة. إدارة أوباما كانت تسعى لتقليل النفقات بسبب الأزمة المالية العالمية آنذاك. وقد تم إنفاق 70 مليار دولار على المشروع، مما جعل تكلفة كل طائرة تصل إلى 369 مليون دولار، في حين كانت تكلفة الطيران حوالي 85 ألف دولار في الساعة، وهو أكثر من ضعف تكلفة “إف-35”.
نتيجة لذلك، تقرر التخلي عن “إف-22” في 2011، ولم يكن هناك حاجة لقوة كبيرة من هذه الطائرات، حيث كانت مخصصة لمعارك جو-جو، ولم يعد أعداء واشنطن يشكلون تهديداً كبيراً في هذا الجانب، خاصة مع تحول الحروب إلى نزاعات حضرية.
لا يزال قرار التخلي عن “إف-22” مثار جدل، خاصة في ظل تراجع أسطول الطائرات القديمة في القوات الجوية الأميركية. يرى المحللون أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأً في وقف إنتاج الطائرة، مما أدى إلى عدم استقرار في تطوير طائرات التفوق الجوي.

طائرات التفوُّق الجوي
تتمثل مهمة مقاتلة التفوق الجوي في ضمان استمرار العمليات العسكرية دون تدخل من الطيران العدائي، مما يتطلب القدرة على اجتياز المجالات الجوية للأعداء وتجاوز دفاعاتهم الجوية.
منذ الحرب العالمية الثانية، كانت التفوق الجوي مسألة حيوية، كما يظهر في الإنزال الشهير لقوات الحلفاء في نورماندي، حيث قال أيزنهاور: “إن نجاح الغزو اعتمد على قدرة القوات الجوية على السيطرة على الأجواء”.
لذا، يبقى العمل على “إف-47” أساسياً للجيش الأميركي، وعُدَّت البدايات الأولى في 2009، عندما أعرب مسؤولون رفيعون عن بدء العمل على الجيل السادس من طائرات التفوق الجوي. بدأت المسيرة الفعلية عام 2014 مع دراسة من وكالة الأبحاث الدفاعية المتقدمة “دارپا”، التي تعتبر رائدة في تطوير التقنية العسكرية.
نُشرت هذه الدراسة في مايو 2016، وضمت مفهوماً جديدًا للتفوق الجوي، يعتمد على “منظومة من الأنظمة” بدلاً من طائرة واحدة.
تشير هذه المقاربة إلى تطوير مجموعة من التقنيات، تستطيع العمل بشكل مستقل ثم تندمج لاحقًا ضمن مشروع التفوق الجوي. يشير التقرير إلى أن الفجوة بين الولايات المتحدة وخصومها تتسع، مما يستوجب التحرك السريع لتفادي فقدان السيطرة الجوية.
نتيجة تلك الأبحاث، تم إدخال مبادرة “الجيل القادم للتفوق الجوي” (NGAD) التي اعتمدت على فكرة “منظومة الأنظمة” كأساس. في 2015، أطلق الفرن كِندال مبادرة الابتكار في مجال الطيران بإدارة “دارپا” لتطوير نماذج أولية، ومن ثم أصدرت القوات الجوية إعلاناً عام 2022 بأن التقنيات المتقدمة التابعة لبرنامج “NGAD” أصبحت جاهزة.
كارثة التكلفة
كان من المتوقع أن يتم الإعلان عن الطائرة الجديدة عام 2024، لكن كِندال أوقف المشروع فجأة في مايو من نفس السنة، فيما استمر العمل على التقنيات الأخرى. جاء التحكم في المشروع “للتحقق من أن الولايات المتحدة تتخذ القرار الصحيح فيما يتعلق بمستقبل التفوق الجوي”. لذا، لم يتم تضمين الطائرة في ميزانية 2026، حيث ذكر كِندال: “ببساطة، لم يكن لدينا المال”، كاشفًا عن السبب الحقيقي وراء إيقاف المقاتلة.
لكن تأخير التقنيات، التي لم تصل بعد إلى مستوى كافٍ، يبقى سببًا آخر لعدم التقدم. إن التكلفة والكفاءة الماليةية مهمة، حيث إن ارتفاع تكلفة الطائرة يجعل إنتاجها بشكل مكثف تحديًا ويصعب تعويضها في المعارك الكبرى.
على عكس “إف-22” التي لم يسمح بتصديرها، قال ترامب إن حلفاء الولايات المتحدة سيكونون مهتمين بشراء المقاتلة الجديدة، رغم أن النسخ المخصصة للتصدير ستكون أقل كفاءة لتقنيات الحماية.
في هذا السياق، تساءل الجنرال كِندال عن إمكانية إقبال حلفاء الولايات المتحدة على المقاتلة الجديدة بسبب تكلفتها العالية والإصدار الأقل من حيث الإمكانيات.

ما معنى مقاتلة من الجيل السادس؟
الطائرة، بحسب النماذج الأولية، تتمتع بجناحين على شكل دلتا (∆) بدون ذيل أو جناح خلفي أفقي، ما يعزز من خصائص التخفي ضد الرادار. وتشير تقارير إلى أن الطائرة قد تحتوي على تقنية جديدة تُدعى “العباءة الحرارية”، التي تقلل الانبعاثات الحرارية والصوتية مما يسهل عليها المرور عبر أنظمة الرادار.
كما يمكن أن تحتوي المقاتلة على “محرك تكيُّفي”، يتيح لها التكيف مع أنواع مختلفة من المهام، مما يزيد من قدرتها على المناورة والبقاء أثناء القتال.
يجري العمل في البنتاغون حالياً لتطوير محركات قابلة للاستخدام على مجموعة متنوعة من الطائرات، ويعتبر نظام الاشتباك الجماعي خطوة مركزية في الجيل السادس، بإشراك سرب من المسيرات في الهجوم.
تلك المسيرات مزودة بأجهزة استشعار متقدمة، تساعد في تنفيذ الهجمات وحماية المقاتلة، بل يمكن استخدامها كدرع يحمي الطائرة. ولهذا، يُفترض أن تكون المسيرات نفسها فرط صوتية لتناسب سرعة المقاتلة.
يأتي ذلك في إطار التحديات أمام التفوق الجوي، وخاصة مع التطور السريع في استخدام المسيرات كأداة حربية، كما لوحظ في الحروب الحديثة.
تتميز المقاتلة بخصائص مستقلة، حيث ستقل الحاجة للتدخل البشري في تشغيلها، بما في ذلك إدارة المسيرات والأنظمة المتعددة على متنها، مما يجعل ذكاء الآلة جزءاً أساسياً في معركة المستقبل.
تم تطوير حساسات جديدة تمنح الطيارين تفاصيل دقيقة حول بيئة القتال، مما يقلل من زمن الاستجابة عند التعرض للخطر، وتأمل شركات الطيران في جعل الطائرة أكثر أوتوماتيكية في المستقبل مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.

أصدقاء أميركا وخصومها
تتداخل المصالح الأميركية مع رغبة حلفائها وخصومها في تطوير مقاتلات من الجيل السادس، حيث تسعى عدة دول لتحصيل نسخها الخاصة. ووفقاً للجنرال ديفيد ألفين، يُعتقد أن الولايات المتحدة لا تمتلك القدرة على تطوير “مقاتلة جيل سادس حقيقية”. ومع ذلك، هناك حلفاء أميركيون منهم من أطلقوا ثلاثة مشاريع لتطوير مقاتلات جديدة.
أحد هذه المشاريع هو برنامج القتال الجوي العالمي الذي أُعلن عنه في ديسمبر 2022 من قبل بريطانيا وإيطاليا واليابان، والذي يجمع جهود ثلاثة برامج مستقلة لتصنيع طائرة مقاتلة توازي “إف-35”.
كما تتعاون ألمانيا وفرنسا وإسبانيا في مشروع “نظام القتال الجوي العالمي”، ومن المتوقع إنتاج طائرة اختبارية بحلول عام 2027، وتتضمن جهود ثلاث شركات كبرى: “داسو” الفرنسية، و”إيرباص” و”إدَر سِستيمز” الإسبانية، لتحل محل طائرات “رافال” و”يوروفايتر تايفون”، بخصائص الجيل السادس.
ومما يُقلق واشنطن هو التطور التكنولوجي لخصومها، مثل الصين وروسيا، إذ يُركّز مشروع “إف-47” على مناطق المحيط الهادئ. ورغم قلة المعلومات حول المقاتلات الصينية القادمة، هناك نماذج لها ظهرت في العروض العسكرية، تحمل أرقامًا تشير لتكون من طراز “جيه-36″ و”جيه-50”.
المقاتلة “جيه-36” ظهرت بشكل أوضح في إبريل 2025، وتبدو بشكل ألماسة بدون ذيل، وتفوق حجم “إف-35″ و”إف-22”. كما أن تصميمها يسمح لها بالتحليق لفترات طويلة دون إعادة التزود بالوقود.
أيضًا، صرح فريق بحثي لصالح القوات الجوية الصينية عن اكتشاف طائرة تشبه مقاتلات “إف-22” و”إف-35″، بالاعتماد على إشارات أقمار “ستارلينك” لشركة “سبيس إكس”، وقد استطاعوا رصد حركتها باستخدام مسيرات صغيرة.
A test flight of Shenyang’s sixth-generation aircraft took place today. It is clearly visible that the aircraft’s swiveling wingtips are rotating. https://t.co/ROHRjHAo1R pic.twitter.com/PFKFSUffPs
— 笑脸男人 (@lfx160219) April 23, 2025
تحديات الدفاع الجوي
تُعتبر القدرة على تجنب الدفاعات الأرضية أحد أكبر التحديات التي تواجه مقاتلات التفوق الجوي الأميركية. مع التطور الكبير في نظم الدفاع الجوي، تصبح الطائرات الحديثة في مرمى النيران. يجب على الطائرة تلبية حاجة دخول المجالات الجوية المعادية، مما يجعلها عرضة للتهديدات إذا لم تكن قادرة على النجاة.
طوَّرت الصين وروسيا نظم دفاع جوي أثبتت كفاءتها، ومن أبرزها النظام الحاكم الروسي “إس-500” الذي يستطيع مواجهة جميع الأسلحة الفرط صوتية. تم تصميمه برادارات متعددة النطاقات لمواجهة الطائرات الشبحية مثل “إف-22” و”إف-35″، مما يُعطيه قدرة عالية على تحديد الأهداف بدقة.
أيضًا، تمتلك الصين منظومة “إتش كيو-22″، التي يُعتقد أنها قادرة على مواجهة معظم الطائرات الحربية. تُظهر التقارير أنها خامس نظام تطوِّره الصين خلال 12 عاماً، مما يدل على التطور السريع في هذا المجال.
كما تمكَّنت فرق بحثية من تحديد طائرات باعتماد الموجات الكهرومغناطيسية من أقمار “ستارلينك”، بما يعكس قدرة نظم الدفاع على التصدي للطائرات الشبحية مع تقدم التقنية.
يستدعي ذلك اهتماماً خاصًا من الجيوش ذات الطموحات للسعي للتفوق الجوي، بما فيها الولايات المتحدة، لتطوير نظمها وقدراتها من أجل مواجهة هذه النظم المتطورة.
هل تأخَّر الأميركيون حقا؟
الوقت المتوقع بين إيقاف “إف-22” وبدء “إف-47” هو حوالي عشرين عاماً، وهو مدة طويلة بالتأكيد. خلال هذه السنوات، تسود شعور أميركي بالأزمة في التفوق الجوي، وظهور التحديات الجديدة تثير القلق. يُظهر الإيقاف الذي طال مشروع “إف-47” تساؤلات حول تقنيات الطائرات، ويكشف الحاجة إلى تطوير سبل جديدة لتأمين التفوق في المستقبل.
بالتأكيد، يُدرك صانع القرار الأميركي هذا الوضع، ويعترف بأن التفوق الجوي الذي كان مضمونًا لنقود في العقود الماضية يحتاج إلى استثمارات وجهود جديدة. ومع أن معظم المشاريع المُسجلة ستكون للطائرات المتعددة المهام، إلا أن هناك تداخلًا كبيرًا في السمات بين معايير مقاتلات التفوق الجوي والمقاتلات السنةة.
ختاماً، بينما تبقى الولايات المتحدة في مقدمة تطوير الأسلحة الحديثة من حيث النوع، إلا أن الفجوة بينها وبين المنافسين، وخاصة الذين تُعتبرهم واشنطن خصوماً كروسيا والصين، بدأت تضيق، مما يعكس احتمال فقدان الصدارة في مجال الطائرات القتالية مستقبلاً أكثر من أي وقت مضى.