إعلان


في مايو 2025، زار رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد فرنسا لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، حيث تزايد التعاون منذ توليه السلطة في 2018، مما أدى إلى توقيع اتفاقيات دفاعية وثقافية. تدفع فرنسا نحو توسيع نفوذها في شرق أفريقيا وسط تراجعها في غرب القارة، مستخدمةً إثيوبيا كنقطة انطلاق. تشمل العلاقات الماليةية مبيعات الطائرات واستثمارات في الطاقة والبنية التحتية، مع زيادة التجارة بين البلدين. رغم التعاون العسكري، تعطلت بعض الاتفاقات بسبب النزاع في تيغراي، مما دفع إثيوبيا لتوجه نحو روسيا للحصول على دعم بديل.

في إطار جولة أوروبية شملت كلاً من إيطاليا والفاتيكان، زار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد العاصمة الفرنسية في مايو/أيار 2025، لاستكمال جهود إعادة بناء العلاقات بين بلدين يتشاركان في مصالح إستراتيجية تمتد من القرن الأفريقي إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، متناولين العديد من القضايا الحيوية مثل إعادة بناء البحرية الإثيوبية والدور الفرنسي في شرق أفريقيا والمنافسة الشديدة عليها.

إعلان

شهدت العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة تقاربًا ناتجًا عن اعتبارات جيوسياسية واقتصادية وتنموية، مدفوعًا بزيارات تبادلية لم تتوقف إلا خلال سنوات الحرب (2020-2022) نتيجة الخلاف حول قضايا تتعلق بالانتهاكات الحقوقية المروعة التي نتجت عن النزاعات، والانقسام الإقليمي الذي جعل أديس أبابا تواجه القوى الغربية.

French President Georges Pompidou (1911-1974) and Emperor of Ethiopia Haile Selassie (1892-1975) listen 17 January 1973 to the national anthems upon Pompidou's arrival in Addis Ababa for a 3-day state visit to Ethiopia, the last stage of his trip to the Horn of Africa. Pompidou arrived from Djibouti, the French territory of Afars and Issas. AFP PHOTO (Photo by AFP)
القائد الفرنسي الأسبق بومبيدو (يسار) وإمبراطور إثيوبيا هيلا سيلاسي لدى وصول بومبيدو إلى أديس أبابا عام 1973 (الفرنسية)

دبلوماسية اللقاءات عالية المستوى

تسارعت ديناميكية هذه العلاقة بعد تولي آبي أحمد السلطة في مايو/أيار 2018، حيث سافر إلى باريس في أكتوبر/تشرين الأول من السنة ذاته لوضع الأسس لاتفاقيات دفاعية وثقافية، بينما قام القائد الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة أديس أبابا في مارس/آذار 2019 ليكون أول رئيس فرنسي يزور هذا البلد منذ جورج بومبيدو عام 1973.

وقد ساهم في تعزيز هذه العلاقة انتخاب سهلي ورق زودي رئيسة لإثيوبيا في أكتوبر/تشرين الأول 2018، والتي تتقن اللغة الفرنسية بفضل دراستها للعلوم الطبيعية في جامعة مونبلييه الفرنسية، وكانت أيضًا على صلة بالإستراتيجية الخارجية الفرنسية في أفريقيا من خلال عملها كسفيرة في العديد من الدول الفرنكوفونية.

بعد توقيع اتفاقية بريتوريا التي أنهت حرب تيغراي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، استأنف النشاط الدبلوماسي حيث التقى أحمد وماكرون 3 مرات في عام 2023 فقط، كما زار القائد الأمريكي أديس أبابا في ديسمبر/كانون الأول من السنة التالي، وفي مايو/أيار 2025 استقبلت باريس آبي أحمد مرة أخرى.

تشير العديد من الملاحظات إلى أن هذه اللقاءات المتكررة تعكس رغبة مشتركة لتسريع التحالف بين البلدين وتوجيهه نحو آفاق استراتيجية، حيث وصف مهندس الإستراتيجية الفرنسية في إثيوبيا وسفيرها فيها، ريمي ماريشو، العلاقة السياسية بين بلاده وأديس أبابا بأنها “متينة”.

AFP acy 1749626828
آبي أحمد يستمع إلى ماكرون (يقف يسارًا) بينما يتم توقيع اتفاقيات بين إثيوبيا وفرنسا عام 2019 (الفرنسية)

الرؤية الفرنسية للعلاقة مع إثيوبيا

لا يمكن فصل التوجه الفرنسي نحو إثيوبيا عن سياق جيوسياسي أكثر اتساعاً، يظهر فيه فقدان فرنسا لمناطق نفوذها القائدية في غرب القارة، ما أدى إلى انسحابات وصفت بأنها مهينة من “حدائقها الخلفية” في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وساحل العاج وتشاد. هذه الوضعية دفعت باريس إلى محاولة استكشاف فرص لتوسيع وجودها في جنوب وشرق أفريقيا، حيث تلعب إثيوبيا دورًا محوريًا.

يتضح مفهوم “الضرورة الإستراتيجية” لبناء مجالات نفوذ بديلة من خلال ما أوضحه مدير أفريقيا والمحيط الهندي بوزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، كريستوف بيجو، في عام 2021، عندما قال إن “الحاضر والمستقبل لفرنسا يرتبطان بشدة بالحاضر والمستقبل لأفريقيا”.

تسعى باريس من خلال عزمها على تعزيز علاقاتها مع إثيوبيا إلى تثبيت حضورها في مناطق استراتيجية مثل القرن الأفريقي، لاستعادة مكانتها وأهميتها في المواطنون الدولي، حيث تعتبر هذه المنطقة محور نقل عالمي يتصل بالبحر الأحمر وقناة السويس شمالاً، ومنطقة الخليج الغنية بالطاقة والمحيط الهندي الذي أصبح مركز ثقل جيوسياسي عالمي.

مع تحول القارة الأفريقية إلى “ألواح شطرنج”، واحتدام التنافس الدولي عليها، يكشف التوجه الفرنسي نحو مناطق جديدة في القارة عن رغبة الإليزيه في الحفاظ على الوزن الجيوسياسي لفرنسا أمام المنافسين مثل الصين وروسيا وتركيا، عبر تقديم نفسها كبديل محتمل في سوق يزخر بالمنافسين مثل شرق أفريقيا، بينما تسعى بكين وأنقرة لتعزيز نفوذها في إثيوبيا.

البعد الماليةي له أهمية كبيرة في هذا التوجه، إذ تعتبر فرنسا منطقة القرن الأفريقي وجهة واعدة للاستثمار وتوسيع التجارة. تهتم باريس بالتعاون الماليةي وجهود التحديث، وتسعى إلى دعم نفوذها من خلال اتفاقيات تجارة واستثمار ودفاع.

خريطة أثيوبيا يظهر موقع إقليم تيغراي
خريطة أثيوبيا تظهر موقع إقليم تيغراي (الجزيرة)

التعاون الماليةي والتنموي

على الرغم من أهمية الجانب الجيوسياسي في العلاقات بين البلدين، إلا أن الجانب الماليةي شهد تطورات بارزة في السنوات الأخيرة، حيث ازدادت التجارة بين البلدين إلى أكثر من ملياري بر إثيوبي بحلول عام 2023، مقارنة بـ 0.37 مليار بر إثيوبي في السنة التي تولى فيها أحمد السلطة قبل 5 سنوات. (الدولار يعادل حوالي 135 بر إثيوبي).

في هذا السياق، تُعد إثيوبيا، بما يزيد عدد سكانها عن 120 مليون نسمة، بديلًا محتملاً للأسواق التي فقدتها باريس في غرب القارة، وهو ما يتضح من الاختلال الكبير في الميزان التجاري بين البلدين في عام 2023، حيث بلغت الصادرات الإثيوبية 210 ملايين برإثيوبي والواردات من فرنسا 1.81 مليار بر.

وقعت البلدان اتفاقيات كبيرة لتعزيز قدرات إثيوبيا في مجالات الطيران المدني والعسكري، بما في ذلك شراء طائرات إيرباص وطائرات رافال المقاتلة، حيث تهدف الإستراتيجية الفرنسية إلى تحفيز التجارة وتوسيع التنمية الاقتصاديةات الفرنسية في قطاعات رئيسية مثل الطاقة والنقل والبنية التحتية والاتصالات والتعدين.

French President Emmanuel Macron, followed by French Armies Minister Sebastien Lecornu (2nd R), walks past a Dassault Rafale fighter aircraft during his New Year address to the French Army at the Mont-de-Marsan air base, southwestern France, on January 20, 2023. (Photo by Bob Edme / POOL / AFP)
ماكرون (يسار) يمر أمام طائرة مقاتلة من طراز داسو رافال (الجزيرة)

كما حصلت إثيوبيا على استثمار كبير من صندوق التنمية الاقتصادية الفرنسي لإنتاج الكهرباء الحرارية الأرضية، ويتم البحث عن فرص استثمار جديدة في قطاعات مثل الزراعة والخدمات اللوجستية.

تقوم الوكالة الفرنسية للتنمية بعمل نشط في إثيوبيا من خلال عدة مبادرات، حيث وقعت مع وزارة المالية الإثيوبية في 25 مارس/آذار 2025 اتفاقية مالية هامة بقيمة 28.5 مليون يورو (25 مليون يورو لدعم الميزانية، و3.5 ملايين يورو للمساعدة الفنية) لدعم أجندة الإصلاح الماليةي في البلاد، بما في ذلك دعم الإصلاح الماليةي المحلي، وإصلاح القطاع المالي، وإصلاحات الشركات السنةة.

صرحت فرنسا عن تمويل بقيمة 100 مليون يورو عبر الوكالة الفرنسية للتنمية لمشاريع التحديث، وقرض بقيمة 80 مليون يورو لتجديد شبكة الكهرباء في إثيوبيا خلال زيارة ماكرون في ديسمبر/كانون الأول 2024.

يمثل الجانب الثقافي مجالاً مهمًا للنشاطات الفرنسية في إثيوبيا، حيث تشمل المساهمة في ترميم كنائس لالبيلا المنحوتة في الصخر، وتنمية القدرة على جذب السياح، بالإضافة إلى تخصيص 25 مليون يورو لدعم ترميم قصر الإمبراطور هيلاسلاسي ومتنزهه وتحويلهما إلى متحف يفتح أبوابه للجمهور في عام 2028.

AFP 20241221s 1738765777
ماكرون (يمين) يسير بجانب آبي أحمد عند وصولهما لزيارة قصر الإمبراطور هيلاسلاسي “اليوبيل” بعد التجديد (الفرنسية)

إثيوبيا الساعية وراء دعم متعدد الأبعاد

تعتمد استراتيجية إثيوبيا في تطوير علاقاتها مع باريس على مجموعة من المحاور، حيث تشغل خطتها التنموية “إثيوبيا 2030” التي أطلقتها عام 2020 تحت عنوان “إثيوبيا منارة الازدهار الأفريقي”، والهادفة، وفقًا لمنصة غلوبال كونيكتيفيتز، إلى تحويل البلاد إلى أحد المحركات الماليةية في إفريقيا.

تشير المنصة التي تقدم رؤى معمقة حول برامج الاتصال الدولي إلى حاجة أديس أبابا لدعم المستثمرين والشركاء الأجانب لتحقيق هذه الأهداف، خاصة في وقت استغل فيه المستثمرون الصينيون الفرص في إثيوبيا، بينما تسعى إثيوبيا الآن إلى تنويع شراكاتها الدولية مستفيدة من انفتاح فرنسا نحو تعزيز وجودها في إفريقيا غير الناطقة بالفرنسية.

لا تقتصر رغبة إثيوبيا في الحصول على الدعم على الجانب التنمية الاقتصاديةي فقط، بل تشمل أيضًا التنسيق الجيوسياسي مع باريس في القضايا الإقليمية، حيث أعرب سفير فرنسا في إثيوبيا ريمي ماريشوت عن “دعم بلاده الكامل” لمبادرات أديس أبابا في السودان والصومال، كما يمثل الاتحاد الأوروبي أحد الممولين القائدين لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال.

تمثل فرنسا أيضًا داعمًا دوليًا هامًا لمدعاة إثيوبيا بالوصول إلى منفذ بحري عبر الوسائل السلمية، وقد اعتبر ماكرون هذا الطلب “مشروعًا”، بعد أن تحول في السنوات الأخيرة إلى عنصر استراتيجي في الإستراتيجية الخارجية الإثيوبية، واصفًا إياه بأنه “ضروري للوجود”.

كما تستطيع فرنسا، من خلال حضورها في الكيانات الماليةية الدولية، مساعدة إثيوبيا في مواجهة التحديات الماليةية الناجمة عن وباء كورونا وحرب تيغراي، حيث نوّه ماكرون التزام فرنسا بدعم الإصلاحات الماليةية وإعادة هيكلة ديون إثيوبيا.

أسهم ترؤس فرنسا بالتعاون مع الصين للجنة الدائنة الرسمية المشرفة على التزامات ديون إثيوبيا في التوصل إلى اتفاقات شاملة لتعليق مدفوعات الديون الثنائية السنةة لإثيوبيا بحلول نهاية عام 2023، مع وضع جدول زمني للسداد يبدأ من عام 2027، مماحسن السيولة النقدية في إثيوبيا وزيادة ثقة الأسواق الدولية باقتصادها.

تعاون عسكري دونه تحديات

تتصل أديس أبابا وباريس بتعاون عسكري طويل الأمد في مختلف المجالات، حيث وقّع وزيرا دفاع البلدين في عام 2019 اتفاقية شاملة للتعاون الدفاعي تضمنت تدريب القوات المسلحة على مهام حفظ السلام في الصومال، إلى جانب برامج لتقوية جيش إثيوبيا، تشمل تدريبات عسكرية مشتركة في البر والجو والبحر.

من جهة أخرى، كان أهم بنود هذا الاتفاق هو توقيع رسالة نيات لدعم إعادة بناء الأسطول البحري الإثيوبي، حيث خصصت باريس ضابط تعاون مقيم في إثيوبيا، وشرعت في تدريب الضباط الإثيوبيين في الأكاديمية البحرية الفرنسية ونجحت إثيوبيا في الحصول على طرادات تدريبية فرنسية في سبيل هذا المشروع.

تشير أهمية هذا الاتفاق الدفاعي إلى وصف ماكرون له بأنه “غير مسبوق”، وأفاد محللون بأن فرنسا تأمل من خلاله في ترسيخ وجودها البحري وحماية مصالحها في تلك المنطقة الحساسة، إذ قد تتيح لها تلك الفرصة تقديم خدماتها في مجال الاستقرار البحري ومكافحة القرصنة مما قد يُفتح أمامها آفاق شراكة مع عواصم أفريقية أخرى تبحث عن تلك الخدمات.

يدعم كذلك تعزيز البحرية الإثيوبية سوقًا جديدة للشركات الفرنسية لتسويق منتجاتها في مجالات السفن والصواريخ وأنظمة المراقبة البحرية.

ورغم كل هذه الأبعاد المهمة، صرحت باريس عن تعليق تلك الاتفاقية في عام 2021 نتيجة الانتهاكات المرتبطة بحرب تيغراي، وعلى الرغم من استئناف أنشطة التدريب في السنة التالي، إلا أن الموقف الفرنسي من دعم البحرية أظهر “ارتباطًا مشروطًا” بتحقيق تقدم في قضايا مثل العدالة الانتقالية.

هذه الأوضاع دفعت أديس أبابا للجوء إلى موسكو، حيث أبرمت اتفاقًا لتدريب وبناء القدرات البحرية الإثيوبية في مارس/آذار من هذا السنة، ما عُد دعمًا للكرملين في استبدال النفوذ الغربي في أفريقيا.

تسلط التقلبات التي مر بها ملف دور فرنسا في بناء البحرية الإثيوبية الضوء على التحديات التي تواجهها باريس في ترسيخ وجودها في القرن الأفريقي المضطرب، وأبرزها تأثير الأوضاع الداخلية من صراعات وانتهاكات على قدرة فرنسا على تنفيذ استراتيجياتها في البلدان المستهدفة.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا