إعلان


بعد إعلان ترامب عن منحه الإيرانيين مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق، اقترحت إيران موعد المفاوضات قبل انتهاء المهلة لإظهار عدم انصياعها للضغوط الأميركية. بينما تكثف واشنطن جهودها لخلق ضغط نفسي، تسعى إيران للحفاظ على الهدوء والاستعداد لأي سيناريو. السياسات الأميركية المتقلبة تعقد المفاوضات، إذ تغيرت مدعاها بشكل متكرر. إيران تعارض التخلي عن برنامجها النووي وتصر على رفع العقوبات بشكل دائم. وتبرز المخاوف من تحولات في موقف إيران نحو إنتاج السلاح النووي. في خضم هذه الأجواء، تسأل إيران عن جدوى التوصل لاتفاق في ظل إعادة فرض العقوبات، بينما تلوح بزيادة تخصيب اليورانيوم.

قبل حوالي شهرين، صرح القائد الأمريكي دونالد ترامب أنه سيوفر للإيرانيين فرصة شهرين للتوصل إلى اتفاق معه، ومن المحتمل أن سبب إصرار إيران على إجراء الجولة السادسة من المفاوضات بين الطرفين يوم الأحد 15 يونيو/ حزيران بدلاً من 12 يونيو/ حزيران، هو أن 12 يونيو/ حزيران يتزامن مع نهاية فترة الفترة الحاليةين، وتريد إيران إرسال رسالة بأنها لن تنصاع للإرادة الأمريكية.

إعلان

بينما يسعى الجانب الأمريكي لخلق أجواء مشحونة نفسياً قبل الجولة السادسة من المفاوضات، يبذل الجانب الإيراني جهداً للحفاظ على الهدوء وإبراز نوع من الطمأنينة بشأن قدراته الدفاعية وموقفه، ربما لتجنب تصعيد الوضع الداخلي.

في الوقت نفسه، يواصل القادة العسكريون التأكيد على أن القوات المسلحة الإيرانية في حالة تأهب قصوى، وأن إيران تستعد لأي سيناريو محتمل.

هنا في طهران، يكفي أن تتجول في أروقة مراكز اتخاذ القرار السياسي، أو تشارك في اجتماعات مراكز الدراسات، أو تتحدث مع القادة، لتكتشف أن جميع صناع القرار، من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، متفقون على أن الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان لتطبيق السيناريو الليبي ضد إيران، ويجب على إيران ألا تقع في هذا الفخ، حتى لو أدى ذلك لإشعال فتيل الحرب.

تفضل القيادة الإيرانية أن تُسجل في التاريخ بأنها حاربت وقاومت الولايات المتحدة وإسرائيل حتى النهاية، بدلاً من أن تُكتب عنها أنها استسلمت وأدخلت البلاد في سيناريو يشبه السيناريو الليبي.

يمكن القول إن مسألة عدم الانصياع للطلبات الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، تُعد من القضايا القليلة التي يتفق عليها الساسة الإيرانيون من مختلف الاتجاهات السياسية.

حتى المعارضة الإيرانية، التي لا تتلقى رواتبها من إسرائيل والولايات المتحدة، تدعم موقف إيران بعدم الالتزام بالإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، ورفض التخلي عن ما يُعتبر إنجازات علمية ودفاعية إيرانية.

على الرغم من أن الأضواء عادة ما تتركز على جولات المفاوضات التي يقودها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع ممثل القائد الأمريكي ستيف ويتكوف، فإن المفاوضات الحقيقية بين الطرفين غالبًا ما تتم خلف الكواليس، وذلك عبر اتصالات غير رسمية ومفاوضات غير علنية، وبعد أن تُفضي هذه المباحثات إلى نتائج مرضية، يلتقي عراقجي مع ويتكوف لتثبيت ما تم التوصل إليه بشكل غير رسمي.

لذلك يمكن القول إن الاتفاق على إجراء الجولة السادسة من المفاوضات يعني أن الجانبين قد توصلا إلى نتيجة خلال المفاوضات السرية.

لكن، في جميع الأحوال، تُعتبر المشكلة القائدية التي تواجه المفاوضات بين الطرفين هي عدم وضوح ما يريده الجانب الأمريكي، هناك اضطراب ملحوظ في قراراته.

تبدأ المفاوضات بين الطرفين بعد مباحثات مطولة وتبادل للرسائل، حيث تم التوصل إلى صيغة مرضية نسبياً لكلا الطرفين، على أنه سيتم تخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم من قبل إيران، وتقديم ضمانات مُرضية للأمريكيين بشأن سلمية برنامجها النووي، مقابل رفع كامل للعقوبات الأمريكية عن إيران.

المطلب الأمريكي كان محصوراً في “التنوّه من سلمية البرنامج النووي الإيراني، وعدم سعي إيران نحو تصنيع الأسلحة النووية”، بينما كان المطلب الإيراني واضحاً، وهو “رفع العقوبات بشكل دائم وتقديم ضمانات بأن الولايات المتحدة ستلتزم بتعهداتها في الاتفاق ولن تنسحب أو تفرض عقوبات جديدة تحت مسميات مختلفة”.

وفقاً لما قاله لي أحد المشرفين على المفاوضات، فقد غيّر الجانب الأمريكي رأيه أكثر من خمسين مرة خلال خمس جولات من المفاوضات، دون أن يقدم في أي منها مشروعاً واضحاً يوضح ما سيقدمه للجانب الإيراني مقابل طلباته، أو يبين كيفية رفع العقوبات وتلبية المدعا الإيرانية.

تعي الولايات المتحدة جيدًا أن إيران لن تقبل بوقف تخصيب اليورانيوم بالكامل داخل البلاد، إذ إن إيران تشارك في المفاوضات من أجل رفع العقوبات فقط، ولا يوجد أي دليل على أن إيران ستخضع للطلبات الأمريكية.

حتى التهديدات العسكرية الأمريكية لن تكون لها تأثير في تغيير الموقف الإيراني، فقد ظلت التهديدات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية متواجدة منذ عام 1995، ورغم ذلك استمرت إيران في تطوير برنامجها النووي، ولم تقم بتقليل التصعيد إلا عبر اتفاقيات سياسية.

كما أن الأمريكيين يدركون أنه لا يمكن تدمير البرنامج النووي الإيراني بضربة عسكرية واحدة، بل يحتاج الأمر إلى عمليات عسكرية متعددة، وسوف تكون محفوفة بالمخاطر، حيث إن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي بل سترد وتدافع عن نفسها.

علاوة على ذلك، حتى لو تم تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل، فإن إيران قادرة على إعادة بنائه خلال عام في أماكن سرية، لامتلاكها التقنية اللازمة، فضلاً عن وجود كافة المواد التي تحتاجها من معادن اليورانيوم لتكنولوجيا تصنيع أجهزة الطرد المركزي وغيرها، داخل أراضيها.

كما أن إيران استطاعت الحصول على وثائق نووية سرية إسرائيلية تتضمن كيفية تصنيع الأسلحة النووية، والتي تم تزويدها بها من قبل الأوروبيين، مما يثير احتمال أن تتجه إيران هذه المرة نحو تصنيع السلاح النووي لتأمين وجودها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الأمريكيين يعلمون أن وجود اليورانيوم المخصب بنسب عالية، بالإضافة إلى التقنية وأجهزة الطرد المركزي الموجودة حاليًا داخل إيران، يُمكِّن هذا البلد من تصنيع السلاح النووي في غضون أيام، إذا ما وُجدت الإرادة السياسية لذلك.

لذا، هناك مخاطرة كبيرة أيضًا بأن تسعى إيران نحو سيناريو كوريا الشمالية نتيجة للسياسات الأمريكية والأوروبية، بدلاً من أن تتجه نحو السيناريو الليبي.

كانت الولايات المتحدة قد دخلت في مفاوضات مع كوريا الشمالية، وتوصلت خلال ولاية بيل كلينتون إلى اتفاقيات تحد من برنامجها النووي. ولكن، بعد ذلك، أدت سياسات جورج بوش إلى توجه هذا البلد نحو تصنيع السلاح النووي، معلناً عن أول تجربة نووية له في عام 2006.

لولا سياسات السلطة التنفيذية الجمهورية الأمريكية وتهديداتها، لربما لم يكن لدى كوريا الشمالية دافع لتصنيع السلاح النووي.

هنا يكمن جوهر المطلب، وهو أن أي هجوم أمريكي أو إسرائيلي على إيران، وإنشاء تهديد وجودي لهذا البلد، قد يؤدي إلى تغيير المرشد الإيراني لفتواه، ويغير من عقيدة إيران النووية.

علاوة على ذلك، فإن الصين ستكون أكثر من سعيدة بدعم إيران مادياً وعسكرياً لمواجهة الولايات المتحدة، وإدخالها في المستنقع الإيراني، حيث تدرك أن الأمريكيين سيتجهون لاحقاً لمواجهة الصين بعد أن يطمئنوا لتحييد إيران وروسيا.

أما روسيا، فلن تقبل أيضاً بخسارة منفذها الوحيد المتبقي الآمن نحو البحار الدافئة، ولن تتأثر إذا غرقت الولايات المتحدة في المستنقع الإيراني، حيث سيؤدي ذلك بشكل تلقائي إلى انخفاض مستوى الدعم الأمريكي لأوكرانيا.

أما دخول الأوروبيين، غير الراضين عن تهميش دورهم في المفاوضات، عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتهديدهم بتفعيل “آلية الزناد” في الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، فقد أعقد الموقف، إذ أصبح إيران تُعد نفسها لاتخاذ خطوات صارمة ضد هذه الخطوة، أقلها زيادة معدلات تخصيب اليورانيوم بنسب عالية، وتقليل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خاصة بعد حصولها على مستندات سرية إسرائيلية تؤكد أن تلك الوكالة قد سربت معلومات سرية لإسرائيل عن برنامجها النووي، وأن بعض مفتشيها قد تجسّسوا لصالح إسرائيل.

في الواقع، تتساءل إيران حالياً عن جدوى التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة إذا كانت العقوبات الدولية ستُعاد فرضها عليها.

على الرغم من أن موضوع إعطاء إجازات صيفية للأميركيين الموجودين في المنطقة، وسفر عائلاتهم، هو أمر اعتيادي يتكرر كل عام، فإن الولايات المتحدة تحاول تصوير هذا الأمر على أنه تهديد لإيران، بأن هناك إمكانية للقيام بعمل عسكري إذا قررت إيران التصعيد بعد قرار مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو في حال عدم استجابتها للطلبات الأمريكية.

حسب بعض التسريبات، حين تم التوصل إلى اتفاق بين الجانبين خلال الجولة الثالثة من المفاوضات لإنشاء كونسورتيوم (تحالف دولي من المنطقة) لتولي مسؤولية تخصيب اليورانيوم في إيران، غيّر الأمريكيون رأيهم بعد زيارة ترامب للمنطقة، ودعاوا بأن يكون موقع تخصيب اليورانيوم على إحدى الجزر الإيرانية في الخليج ويكون مكشوفًا لا تحت الأرض.

بعد ذلك، عادوا وغيّروا رأيهم مجددًا في الرسالة التي أرسلوها، ودعاوا بأن يتم التخصيب خارج الأراضي الإيرانية، وأن تقوم إيران بوقف التخصيب وتفكيك منشآت التخصيب بالكامل داخل البلاد، مع السماح للمفتشين الأمريكيين بتفتيش المنشآت الإيرانية تحت رعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كان من المتوقع أن ترفض إيران هذا الطلب.

وفقاً لبعض التسريبات، قدمت إيران مقترحها البديل للجانب الأمريكي، والذي ينص على بقاء منشآت تخصيب اليورانيوم في أماكنها داخل إيران، وأن يقوم الكونسورتيوم بإنشاء منشآت تخصيب جديدة في مواقع يتم الاتفاق عليها، لتلبية احتياجات إيران ودول المنطقة من اليورانيوم المخصب.

تقبل إيران، بموجب هذا المقترح، بتقليل نسبة التخصيب داخل منشآتها دون إيقافه، بالتوازي مع الكميات التي تتلقاها من الكونسورتيوم.

يمكن أن تُخفض نسبة التخصيب إلى مستويات منخفضة تقريبًا تقترب من الصفر، حيث إن تخصيب كمية أقل من الطن بنسبة 3.67% يُعتبر عمليًا مساويًا للصفر، وهو كافٍ فقط للحفاظ على دوران أجهزة الطرد المركزي دون أن تتعطل.

بينما تتمسك إيران بالإبقاء على اليورانيوم المخصب بنسب عالية داخل البلاد، في أماكن مغلقة وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن الجانب الأمريكي طلب من الجانب الروسي التدخل لنقل هذا اليورانيوم إلى روسيا، وهو ما ترفضه إيران حالياً على الأقل.

لكن، في المقابل، تدعا إيران الأمريكيين بعروض مغرية، أبرزها توضيح كيفية رفع العقوبات عن إيران، حيث إن القائد الأمريكي لا يمكنه إلا رفع العقوبات الرئاسية، التي تشكل حوالي 20% فقط من مجموع العقوبات، في حين يتطلب رفع باقي العقوبات قرارًا من الكونغرس الأمريكي.

يرفض الإيرانيون مبدأ تعليق العقوبات الأمريكية، كما حدث بعد الاتفاق النووي، لأن التجربة السابقة أثبتت أن تعليق العقوبات لا يؤدي فعليًا إلى فتح مجالات التعاون الماليةي الإيراني على المستوى الدولي.

من خلال موافقة الولايات المتحدة على إجراء الجولة الجديدة من المفاوضات، يبدو أن هناك تصوراً بأنها قد تقبّلت ضمنيًا العرض الإيراني، وأن ما يتم طرحه إعلاميًا يهدف فقط إلى كسب أوراق للتفاوض.

السؤال هنا هو: هل تريد الولايات المتحدة الحرب أم السلام؟ إذ إن الاتفاق ومشروع السلام المُرضي للطرفين أصبحا مطروحين على الطاولة، والخوف الوحيد هو أن تحاول الإدارة الأمريكية نقل مشاكلها الداخلية، خاصة في ظل ما يحدث داخل الولايات المتحدة من احتجاجات على قرارات ترامب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا