زار القائد الكيني وليام روتو الصين في مايو 2025 لتعزيز العلاقات الاستراتيجية، بدعوة من نظيره شي جين بينغ. خلال الزيارة، وقعت كينيا والصين أكثر من 20 اتفاقية بقيمة 1.6 مليار دولار في مجالات البنية التحتية، المنظومة التعليمية، والزراعة، مما يعكس تغييرات في سياسة روتو التي كانت متجهة نحو الغرب. تأتي هذه الزيارة في ظل ضغوطات اقتصادية وتهديدات من الولايات المتحدة بزيادة التعريفات الجمركية. كما تثير ديون كينيا للصين قلقا، بينما تسعى كينيا لتكون مركزا في مبادرة الحزام والطريق لتقوية اقتصادها.
وصلت طائرة القائد الكيني وليام روتو إلى العاصمة الصينية بكين مساء يوم الثلاثاء 6 مايو/ أيار 2025 في زيارة رسمية بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينغ. تُعتبر هذه الزيارة الثالثة لرئيس روتو منذ توليه الحكم في سبتمبر/ أيلول 2022، واستمرت خمسة أيام تم خلالها توقيع أكثر من 20 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
تأتي زيارة روتو بعد أسابيع قليلة من قرار القائد الأميركي بزيادة الرسوم الجمركية على صادرات الدول إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك كينيا، بنسبة 10%. كما أطلق ترامب تهديدات بزيادة الرسوم الجمركية على الصين، أكبر الماليةات العالمية، قبل أن يعود لاحقًا لإبرام اتفاق “تهدئة تجارية” يستمر 90 يومًا.
سبق وأن وعد روتو خلال حملته الانتخابية عام 2022 بطرد صغار التجار الصينيين من كينيا، مُعبرًا عن توجهه نحو الغرب، لكنه سرعان ما توجّه شرقًا؛ مُستلهمًا من الزعيم الإصلاحي الصيني “دنغ شياو بينغ”، الذي ساهم في التحول من سياسة المالية الموجّه إلى اقتصاد القطاع التجاري الحر بأسلوب صيني، والمعروف فقط بـ”الإصلاح والانفتاح”.
يبدو أن القائد الكيني استقى الحكمة بعيدًا عن الشعور، ووضَع خارطة طريق للفلسفة الماليةية لدورته الرئاسية الأولى، حيث وضع استراتيجية مثيرة للجدل تُسمى “المالية من القاعدة إلى القمة”، والتي تتضمن ست ركائز رئيسية تشمل: خفض تكاليف المعيشة، القضاء على الجوع، خلق فرص العمل، توسيع القاعدة الضريبية، تحسين ميزان النقد الأجنبي للبلاد، وتعزيز النمو الشامل.
الصين شريك إستراتيجي
أجرت وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) حوارًا مع القائد الكيني وليام روتو في 23 أبريل/ نيسان 2025، حيث أوضح أن زيارته إلى الصين تهدف إلى تعزيز الشراكة التي استمرت لأكثر من ستة عقود مع الصين، مُشددًا على دور كينيا كشريك رئيسي ومهم في مشروع الحزام والطريق، ومعتبرًا أن مشاريع مثل طريق نيروبي السريع وخط سكة حديد مومباسا – نيروبي تندرج كأدلة على حيوية الشراكة الصينية الكينية.
كما أضاف أنه يستكشف التعاون في مجالات النقل والتقنية والطاقة الخضراء، معربًا عن أمله في أن تستفيد كينيا من موقعها الإستراتيجي على الساحل الشرقي لأفريقيا لتصبح من أبرز الدول ضمن مبادرة الحزام والطريق، مؤكدًا على أن التعاون الصيني سيساعد بلاده في مكافحة الفقر من خلال تحديث الزراعة وتعزيز التجارة مع الدول الأخرى في الجنوب.
خلال تواجده في الصين، كتب روتو على حسابه في منصة “إكس”: “إن الشراكة الإستراتيجية بين كينيا والصين هي شراكة دائمة تركز على الإنسان وتستثمر في تحقيق مواقف عملية وملموسة ومستدامة ومربحة للطرفين”. ونوّه أيضًا: “سأواصل مع شي بينغ الجهود لتعزيز وإصلاح أنظمة الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الاستقرار، لكي تصبح أكثر تمثيلًا واستجابة للتحديات الحالية”.
ما هي أبرز مكتسبات كينيا من زيارة الصين؟
وقّعت كينيا والصين 20 اتفاقية ومذكرة تفاهم بلغ مجموع قيمتها 137 مليار شلن كيني (1.6 مليار دولار)، شملت مجالات متعددة مثل البنية التحتية، التجارة، المنظومة التعليمية، الزراعة، الرعاية الطبية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
في مجال البنية التحتية، وافقت الصين على تمويل مدّ خط السكة الحديدية من مدينة نيفاشا الكينية إلى مدينة مالابا الأوغندية.
كما ستقوم الصين بتمويل توسعة الطريق السريع بين نيروبي وناكورو ماو حتى مدينة مالابا الأوغندية، وتشييد طريق يربط بين طريق كيامبو السريع ومقاطعة إلدوريت، بالإضافة إلى 15 طريقًا داخليًا.
في قطاع التجارة، تم رفع العلاقة بين البلدين إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة، حيث قدّم القائد الصيني منحة بقيمة 100 مليون يوان صيني (1.7 مليار شلن كيني) لدعم مشاريع متنوعة، لا سيما في قطاع الرعاية الطبية.
على الصعيد الدبلوماسي، منحت الزيارة كينيا هامش مناورة مع حلفائها الغربيين، الذين سارعوا بالتوجّه إلى نيروبي بعد انتهاء الزيارة. فقدّمت الولايات المتحدة الأميركية دعوة لرئيس الوزراء ووزير الخارجية الكيني، موساليا مودفادي، لزيارة واشنطن وإجراء محادثات مع وزير الخارجية، ماركو روبيو. كما أطلق الاتحاد الأوروبي منتدى الأعمال بين كينيا ودول الاتحاد في الفترة من 12 إلى 14 مايو/ أيار الماضي لتعزيز التجارة والتنمية الاقتصادية، بمشاركة كبار المسؤولين الأوروبيين ورجال الأعمال.
خلال المنتدى الذي استمر يومين، تمّ تدشين غرفة التجارة الأوروبية الكينية. وفي السياق ذاته، قام القائد الفنلندي بزيارة تاريخية إلى كينيا، وهي الأولى لرئيس فنلندي، حيث تمّ خلال الزيارة توقيع مذكرات تفاهم شملت مجالات المشاورات السياسية، ودعم جهود السلام والوساطة، بالإضافة إلى التعاون في الرعاية الطبية، والطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
عقبة فخ الديون الصينية
صنّف المؤسسة المالية الدولي كينيا رابع أكثر الدول تحملًا لأعباء الديون في العالم، وتُعد الديون الصينية على كينيا مصدر قلق للعلاقات الثنائية، حيث استُخدمت من قِبل الدول الغربية كذريعة لتهديد حلفائها الأفارقة، وخاصة كينيا. وقد حذّرت واشنطن والعواصم الغربية من “فخ الديون الصينية”.
ففي مايو/ أيار 2019، اتّهم وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الصين باستخدام نظام فخ الديون (DTP) للتأثير على الدول كأداة لتقويض الموقف السياسي، من خلال خلق ديون ضخمة ومقايضتها مع الأصول السيادية في حال عدم القدرة على السداد.
تم الإشارة إلى كينيا وجيبوتي كإحدى الدول الأكثر استدانة من الصين. ومع ذلك، ترفض الصين باستمرار استخدام الديون كوسيلة للإيقاع بالدول الأفريقية، بل قدّمت في كثير من الحالات جدولة المدفوعات لمنح مهَل للدول التي تعاني من ضعف في السداد، كما حدث عندما منحت الصين كينيا في فبراير/ شباط 2021 مهلة لمدة ستة أشهر لسداد 245 مليون دولار نتيجة تداعيات جائحة كوفيد-19.
تبلغ الديون الصينية على كينيا حوالي 6.3 مليارات دولار، وفقًا لوزارة الخزانة الكينية، من أصل الدين السنة الكيني الذي بلغ نحو 11.02 تريليون شلن (حوالي 82 مليار دولار) حتى يناير/ كانون الثاني 2025. وتمثل هذه الديون ما يقارب 67% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث أنفقت السلطة التنفيذية الكينية حوالي 152.6 مليار شلن في السنة المالية 2023/2024 لسداد الديون المستحقة للصين.
يؤكد خبراء اقتصاديون أن كينيا تُستخدم 60 شلن من كل 100 شلن لسداد خدمة الدين، بينما يُستخدم المبلغ المتبقي، أي 40 شلن، لدفع الرواتب والإنفاق على التنمية.
تُعتبر بكين أكبر دائن ثنائي لكينيا، حيث استخدمت نيروبي القروض الصينية في تمويل مشاريع البنية التحتية، أبرزها القطار السريع الرابط بين نيروبي ومومباسا، الذي بلغت تكلفته 3.6 مليارات دولار قدمتها الصين.
في أبريل/ نيسان 2025، اجتمع وزير المالية الكيني جون مبادي مع نظيره الصيني لان فوان في بكين لمناقشة إعادة هيكلة الديون الصينية وتوفير التمويل الميسر لدعم الاستقرار الماليةي في كينيا. وعلى إثر ذلك، أقدمت نيروبي على إلغاء المراجعة النهائية لبرنامجها مع صندوق النقد الدولي.
تشكيك أميركي في التحالف مع كينيا
لم تلقَ زيارة القائد الكيني وليام روتو إلى الصين ترحيبًا من الحلفاء الأميركيين، إذ عبّر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، جيم ريش، عن استيائه خلال جلسة للمجلس بعنوان: “شرق أفريقيا والقرن الأفريقي: نقطة تحوّل أم انهيار؟” في 13 مايو/ أيار 2025.
اعتبر ريش أن تصريحات روتو، حين وصف العلاقة بين كينيا والصين بـ”الشراكة الإستراتيجية”، كانت “صادمة”، خاصة أنها جاءت بعد عام تقريبًا من تصنيف كينيا كحليف للولايات المتحدة. وقال: “هذا ليس مجرد انحياز للصين، بل هو أكثر من ذلك، وقد حان الوقت لإعادة تقييم علاقاتنا مع نيروبي، ليس فقط فيما يتعلق بالتجارة، بل بما يخص النظام الحاكم العالمي الجديد”.
ومع ذلك، بينما كانت لجنة العلاقات الخارجية تعقد اجتماعها لمناقشة هذه القضية، كان وفد استثماري صيني يزور نيروبي برفقة القائد روتو لاستكشاف توسيع صادرات الشاي الكيني إلى الصين.
سارعت الإدارة الأميركية، ممثلةً بوزير الخارجية ماركو روبيو، لتقديم دعوة عاجلة لرئيس الوزراء ووزير الخارجية الكيني موساليا مودفادي لزيارة واشنطن. وقد التقى مودفادي بروبيو يوم 7 مايو/ أيار 2025.
أفاد بيان وزارة الخارجية الأميركية بأن الاجتماع تناول سبل تعزيز الشراكة الأميركية- الكينية من خلال دعم المصالح الماليةية المشتركة. ونوّه روبيو على دور كينيا في تعزيز السلام والاستقرار في الصومال، والسودان، وجنوب السودان، وجمهورية الكونغو، إضافةً إلى قيادتها في بعثة الدعم الاستقراري متعددة الجنسيات في هايتي ومواجهتها لحركة الفئة الناشئة.
في 5 أبريل/ نيسان 2025، جعل كبير مستشاري القائد الأميركي، مسعد بولس، نيروبي محطة ضمن جولته الأفريقية التي شملت عدة دول، منها رواندا وجمهورية الكونغو.
قال بولس خلال لقاءاته في كينيا: “الولايات المتحدة تدرك أن كينيا لا تزال قادرة على لعب دور رئيسي في مبادرات السلام”، مضيفًا أن “القائد ترامب يدعم عملية السلام في أفريقيا، وأن الأهم هو إنجاز الأمور بسرعة وبأسلوب منظم”.
أدان موساليا مودفادي محاولة بعض النواب الكينيين القيام بزيارة موازية إلى تايوان أثناء زيارة القائد روتو إلى الصين، مؤكدًا أن هذه المحاولة “خبيثة ومتهورة”، واصفًا إياها بأنها خطوة غير وطنية واستفزازية.
أثناء الزيارة، صرح القائد روتو دعم كينيا لسياسة “الصين الواحدة”، وحل الدولة الواحدة بين إسرائيل وفلسطين، والبحث عن حلول سلمية للنزاع الأوكراني- الروسي من خلال الحوار.
الخلاصة
جاءت زيارة القائد الكيني إلى الصين في وقت حاسم لحكومة روتو التي تم إعادة تشكيلها مؤخرًا، والتى تواجه عبء الديون الصينية، وتحتاج دعمًا ماليًا عاجلاً لتحقيق الاستقرار الماليةي. كما جاءت في ظل تصاعد الحرب التجارية بين واشنطن وبكين التي تمت بزيادة التعريفات الجمركية.
مع زيادة التعريفات الجمركية على كينيا بنسبة 10%، اعتبر المحللون أن هذه الظروف أدت إلى توتر العلاقات بين نيروبي وواشنطن، مما دفع كينيا لإعادة تقييم علاقاتها مع شركائها الغربيين، معتبريين أن ذلك يُشكل فرصة للاستفادة من تداعيات المواجهة الأميركي – الصيني. بدلاً من السعي للحصول على قروض جديدة، قد تُعزّز نيروبي التعاون في مجالات القدرة الإنتاجية ونقل التقنية، وهو ما يتماشى مع أهداف بكين المتمثلة في إيجاد حلفاء جدد.
قد يكون من المفيد لـ”بكين” و”نيروبي” انضمام كينيا لمجموعة “البريكس” لتصبح إحدى الدول المهمة في شرق أفريقيا، حيث يضمن هذا الانضمام لها الاستفادة من القروض الميسرة والمساعدات من دول المجموعة وبنك تنمية “البريكس”. كما يعتبر انضمام كينيا للمجموعة، إن حدث، ضربة في وجه “واشنطن” التي تَعتبر كينيا واحدة من أقدم وأهم الحلفاء، ودولة رئيسية في استقرار الاستقرار في القرن الأفريقي، بما في ذلك الأدوار التي تلعبها كينيا في الصومال والسودان وجنوب السودان.
تمثل زيارة القائد روتو إلى الصين توازنًا في العلاقات المتأرجحة مع الدول الغربية، حيث يسعى روتو للحصول على التمويل والدعم الماليةي الحيوي من الصين، وهو جهد يتكامل مع التغيرات الجيوسياسية الأوسع. من ناحية أخرى، تعتبر الصين كينيا بوابة استراتيجية لتعزيز نفوذها الماليةي والدبلوماسي والاستقراري في منطقة شرق أفريقيا، ونقطة وصل استراتيجية في مشروع “الحزام والطريق”.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.