يشعر سكان بوينت روبرتس، المدينة الأمريكية النطاق الجغرافيية مع كندا، بآثار الحرب التجارية التي اشتعلت بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض. يعتمد اقتصادهم على الزوار الكنديين، الذين يشكلون 90% من الزبائن. الحرب التجارية أدت إلى تراجع عدد الزوار بنسبة 25%، مما أثر سلباً على الأعمال وخاصة في مجال التجزئة. أطلق السكان مبادرات لدعم العلاقات مع كندا، مثل تعليق لافتات دعم. وفي الوقت نفسه، يحاول المسؤولون معالجة الأزمة وتحسّن العلاقات التجارية. الحرب التجارية كانت نتيجة لفرض رسوم جمركية، مما زاد من تعقيد وضع المدينة الفريد.
لم يكن يخطر ببال سكان مدينة بوينت روبرتس الأميركية -التي تقع على النطاق الجغرافي بين الولايات المتحدة وكندا-، أنهم سيتكبدون ثمن الحرب التجارية التي أطلقها القائد دونالد ترامب بعد أيام قليلة من عودته إلى البيت الأبيض، وهو ما يمكن اعتباره نوعاً من “النيران الصديقة”.
يعتمد سكان هذه المدينة الأميركية -التي تمتد على نحو 12.65 كيلومتراً مربعاً ويبلغ عدد سكانها حوالي 1275- على السياح والزوار القادمين من كندا، نظراً لقرب المسافة بين الجانبين، حيث تعد هذه المنطقة جيباً جغرافياً نادراً لوجودها في الركن الشمالي الغربي من ولاية واشنطن، وينسب أصل هذا الوضع إلى ترسيم النطاق الجغرافي الذي تم عام 1846 بين الولايات المتحدة وكندا.
تُحيط المياه ببوينت روبرتس من ثلاث جهات، والجهة الوحيدة التي تربطها باليابسة هي النطاق الجغرافي مع كندا، لذا يُضطر سكانها للعبور إلى كندا والذهاب نحو 40.2 كيلومتراً في الداخل للدخول مجدداً إلى الولايات المتحدة.
نتيجة لموقعها الجغرافي الفريد واعتمادها الكبير على كندا، أضحت بوينت روبرتس واحدة من أكبر المتضررين في الحرب التجارية المستمرة بين البلدين.
كندا.. شريان الحياة الماليةي للمدينة
يستند اقتصاد المدينة بشكل رئيسي إلى الزوار والمقيمين الكنديين، الذين يشكلون حوالي 90% من القطاع التجاري المحلي، مما جعل العملة الكندية الأكثر تداولاً هناك بدلاً من الدولار الأميركي أو على الأقل مساوية له في الأهمية.
تعتبر التجارة بالتجزئة القطاع الرائد في المدينة، حيث تساهم السياحة بشكل كبير فيها نظراً لوجود عدد كبير من العقارات المخصصة للإيجار للعطلات التي يمتلكها كنديون.
العديد من مالكي العقارات الكنديين يعيشون في منطقة فانكوفر الكبرى، ويميل سكان بوينت روبرتس إلى اعتبار سكان مقاطعة بريتيش كولومبيا كـ “إخوة”، حسب تقرير لصحيفة “ذا غارديان”، وليس مجرد جيران، حيث أن العديد منهم يحمل الجنسية المزدوجة.
الحرب التجارية بين كندا والولايات المتحدة وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في العصر الحديث، بسبب التهديدات المتكررة من ترامب بفرض تعريفات جمركية كبيرة على مجموعة واسعة من السلع، ما أثر بشكل “مدمر” على الأعمال في بوينت روبرتس.
جاء ذلك بعد سنوات قليلة من محاولات الانتعاش التجاري من الأضرار التي تسبب بها إغلاق النطاق الجغرافي بسبب “كوفيد-19″، الذي استمر لمدة 20 شهراً، مما أدى إلى فقدان نصف الأعمال في المدينة.
شكاوى أصحاب الأعمال
يعبّر أصحاب الأعمال عن شعورهم الشديد بالصدمة من الحرب التجارية التي أدت إلى انخفاض عدد الزوار إلى المدينة بنسبة تصل إلى 25% بعدما كانت نسبة الإشغال تصل إلى 90%، خاصة خلال فصل الصيف.
تاركة هذه التغييرات المفاجئة في السياسات التجارية وأخطار التعريفات الجمركية أصحاب الأعمال في حالة من عدم اليقين، حيث يشعر السكان أنهم “عالقون في المنتصف”، واصف بعضهم الوضع بأنه “غبي تماماً” و”غير منتج وغير ضروري”، حسبما أفاد موقع “غلوبال نيوز” الكندي.
ويعاني سوبرماركت “إنترناشيونال ماركيتبليس” -الوحيد في المدينة- بشدة جراء التعريفات الجمركية، ما دفع صاحبه لرفع الأسعار على الزبائن لتعويض الخسائر، لكن هذه الحيلة باءت بالفشل بسبب رفض المشترين تحمل هذه الزيادة.

محاولات إنقاذ ما يمكن إنقاذه
تفيد “ذا غارديان” بأن الجهود لتنقذ بوينت روبرتس من الكوارث الماليةية الناتجة عن التعريفات الجمركية تتزايد، حيث بدأ بعض الكنديين الذين يزورون المدينة بشكل متكرر بالقيام بذلك بشكل خفي خوفاً من ردود الأفعال السلبية.
وقام بعض السكان الأميركيين في بوينت روبرتس بتعليق لافتات تحمل عبارة “بوينت روبرتس تدعم كندا” للتعبير عن دعمهم للكنديين وتحفيزهم على عبور النطاق الجغرافي لتعزيز المالية المحلي.
بعض المحلات، مثل “سالتواتر كافيه”، عرضت دعمها لكندا من خلال لافتات وزينة، بما في ذلك لوحة كُتب عليها “سكان بوينت روبرتس يدعمون كندا”، حسبما أفادت “أسوشيتد برس”.
لم تقتصر الجهود على المبادرات الشعبية، بل وصلت إلى الجانب الرسمي، حيث كتب رئيس غرفة التجارة السابق برايان كالدر إلى رئيس حكومة بريتيش كولومبيا الكندية ديفيد إيبي، مناشداً إعفاء بوينت روبرتس من الإجراءات الكندية “الانتقامية”، نظراً لظروفها الجغرافية الفريدة.
على الجانب الآخر، يستمر مسؤولو مقاطعة واتكوم بوفد ولاية واشنطن في العاصمة الأميركية لمعالجة هذا الوضع.
قصة الحرب التجارية بين كندا وأميركا
بعد أقل من شهر من وصول القائد الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، صرح بدء حربه التجارية ضد عدة دول، أبرزها كندا والمكسيك والصين.
في الأول من فبراير/شباط من السنة الجاري، وقع ترامب أوامر بفرض رسوم جمركية شبه شاملة على الواردات القادمة من كندا والمكسيك إلى الولايات المتحدة، حيث دعت الأوامر إلى فرض رسوم بنسبة 25% على كافة الواردات من المكسيك وكل الواردات من كندا باستثناء النفط والطاقة التي ستُفرض عليها رسوم بنسبة 10%.
رداً على ذلك، صرح رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو حينها أن كندا ستقوم بفرض رسوم بنسبة 25% على السلع الأميركية التي تقدر قيمتها بـ 30 مليار دولار كندي (حوالي 20.6 مليار دولار أميركي)، على أن تتوسع هذه الرسوم لتصل إلى 155 مليار دولار كندي (106 مليارات دولار أميركي) بعد ثلاثة أسابيع.
بدأت الرسوم الأميركية في 4 مارس/آذار 2025، بينما دخلت الرسوم الكندية الانتقامية حيز التنفيذ في نفس الوقت، بينما صرحت المكسيك أنها ستنتظر رداً.
في 6 مارس/آذار الماضي، قرر ترامب تأجيل الرسوم على البضائع المتوافقة مع اتفاقية الولايات المتحدة – المكسيك – كندا التي تشكل نحو 50% من الواردات من المكسيك و38% من الواردات من كندا.