تتصاعد المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، حيث تبادل الطرفان الضربات الجوية والصاروخية. التصعيد يثير القلق حول تأثيراته على أمن الطاقة العالمي، بما في ذلك إنتاج النفط والغاز وأسعارها. تعرض حقل بارس الجنوبي للغاز لضربة إسرائيلية، مما يزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق. رغم الضغوط، ما زالت مواقع النفط الإيرانية تعمل بشكل مستقر. أسواق النفط شهدت زيادة في الأسعار، ويُخشى من إمكانية إغلاق مضيق هرمز. تهدد إيران بشن هجمات على البنية التحتية للطاقة الإسرائيلية، مما يترتب عليه آثار جيوسياسية واقتصادية واسعة.
تشهد الفترة الحالية زيادة في التوتر العسكري بين إسرائيل وإيران، حيث بدأت الأحداث الجمعة وشملت تبادل الغارات الجوية والصاروخية بين الجانبين.
هذا التصعيد يثير تساؤلات هامة حول تأثيراته المحتملة على أمن الطاقة العالمي، بدءًا من أثره على إنتاج النفط والغاز وطرق الإمداد، وصولًا إلى تقلبات الأسعار والتعقيدات الجيوسياسية.
وقد صرحت إيران يوم السبت عن نشوب حريق في حقل بارس الجنوبي للغاز في محافظة بوشهر (جنوب البلاد) جراء ضربة إسرائيلية استهدفت البنية التحتية للطاقة هناك.
وذكرت وكالة أنباء فارس أن “الكيان الصهيوني قد استهدف منشآت حقل بارس الجنوبي للغاز في ميناء كنغان بمحافظة بوشهر”.
في وقت سابق، أفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن القوات المسلحة هدد باستهداف قادة النظام الحاكم الإيراني والبنية التحتية الأساسية، بما في ذلك مصافي النفط، إذا أطلقت طهران صواريخ باليستية نحو التجمعات السكنية في إسرائيل.
يهدف هذا التقرير إلى تحليل تأثير المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران على إنتاج النفط والغاز، وطرق الإمداد، وأسعار الطاقة، وتأثيرها على أمن الطاقة والديناميكيات الجيوسياسية.
احتياطيات إيران من النفط والغاز
تُقدّر الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام في إيران بحوالي 209 مليارات برميل حتى نهاية 2021، مما يجعلها ثالث أكبر دولة في العالم بعد فنزويلا والسعودية. وتبلغ حصة إيران من احتياطيات منظمة أوبك حوالي 24% من احتياطيات النفط في الشرق الأوسط، و12% من إجمالي الاحتياطيات العالمية.
كما تحتل إيران المرتبة الثانية عالميًا بعد روسيا من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي المثبت، والتي تصل إلى حوالي 1200 تريليون قدم مكعب أو حوالي 34 تريليون متر مكعب. تشكل هذه الكمية نحو 17-18% من إجمالي الاحتياطيات العالمية، ويمثل الغاز “غير المرافق” نسبة تصل إلى 67-81% من إجمالي الاحتياطيات.
وذكرت وكالة أنباء إيرنا الرسمية أنه على الرغم من الضربات الإسرائيلية المكثفة، لا تزال مشروعات النفط والغاز في إيران تعمل بشكل مستمر ومستقر.
وأفادت الشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع النفط (نيوردك NIORDC) المملوكة للدولة بأن مصفاة “عبادان”، وهي أكبر مصفاة نفط في إيران، تعمل بكامل طاقتها التشغيلية البالغة 700 ألف برميل يوميًا.
الانعكاسات على أسعار الطاقة
شهدت أسعار النفط ارتفاعًا يتراوح بين 8 و10% الجمعة، في ظل المخاوف من انقطاع الإمدادات، بعد ساعات من الهجوم الإسرائيلي على إيران. فإيران تُعتبر منتجًا رئيسيًا للنفط والغاز، وأي استهداف مباشر لمنشآتها النفطية والغازية، مثل حقول الإنتاج أو مصافي التكرير، يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في الإمدادات العالمية.
بعد استهداف إسرائيل لحقل “بارس”، تزداد حالة عدم اليقين في الأسواق. هنا يُطرح التساؤل حول إمكانية وصول أسعار برميل النفط إلى مستوى 100 دولار، إذا ما تعرضت احتياطيات إيران لضغوط مباشرة، ويجيب على ذلك خبير اقتصاد الطاقة ومحرر منصة الطاقة، الدكتور أنس الحجي، والذي استبعد إمكانية بلوغ أسعار النفط 100 دولار للبرميل.
نوّه الحجي أنه من المتوقع تراجع أسعار النفط قريبًا، إذا لم تتغير الأساسيات القطاع التجاريية، وسط وفرة المعروض وتسجيل مخزونات الخام الصينية مستويات قياسية – وهي الأعلى حتى الآن – مما يمكن أن يُطلق في أي لحظة.
وحسب منصة الطاقة، بالإضافة للإمدادات الصينية، تعيد 8 دول من تحالف أوبك بلاس ضخ 411 ألف برميل يوميًا إلى الأسواق خلال شهر يوليو/تموز المقبل.
ورجح الحجي أن الدول مثل السعودية والإمارات ستزيد من إنتاجها في ظل التغييرات الجيوسياسية، وعبر عن أن حتى إذا فقدت القطاع التجاري كامل الصادرات الإيرانية المقدرة بحوالي 1.7 مليون برميل يوميًا، سيكون من الصعب أن تصل أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل.

سيناريو إغلاق مضيق هرمز
تهدد إيران، في حال واجهت ضغوطًا دولية قاسية، بإغلاق مضيق هرمز في الخليج العربي، حيث قامت بإيقاف حركة شحن النفط في المضيق أثناء حرب الخليج الأولى بين عامي 1980 – 1988، في ما عُرف حينها بـ “حرب الناقلات”.
تتضمن المخاوف الحالية احتمال دخول مضيق هرمز في دائرة المواجهة، مما يعرقل حركة شحن النفط والغاز الطبيعي من الدول الخليجية إلى الأسواق العالمية.
يمر عبر المضيق يوميًا 20 مليون برميل من النفط الخام والمكثفات والمنتجات المكررة، بالإضافة إلى 11 مليار قدم مكعبة من الغاز المسال، وهو يعتبر ممرًا رئيسيًا لصادرات الغاز المسال القطري والإماراتي إلى الصين، وفقًا لبيانات موقع إس بي غلوبال.
وبحسب منصة الطاقة، تسجل غالبية صادرات الغاز إلى الصين، التي استوردت 18.35 مليون طن من الغاز السنة الماضي، بالإضافة إلى توقيع 10 عقود توريد طويلة الأجل بأسعار تصل إلى 26.9 مليون طن.
بالتالي، قد تؤدي تداعيات الهجوم الإسرائيلي على إيران إلى ارتفاع أسعار الغاز المسال، خاصة في سيناريو تعطل الإمدادات من مضيق هرمز، وسوف تتأثر بشكل مباشر دول شرق آسيا مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية والصين.
وعلى عكس آراء العديد من الخبراء، لفت الحجي إلى صعوبة إغلاق إيران للمضيق وحركة الشحن فيه، مرجعًا ذلك إلى عدة عوامل، منها:
- غالبية المضيق تقع في الجانب العماني، وليس الإيراني.
- المضيق واسع بشكل لا يمكن طهران من غلقه.
- وجود القوات البحرية الأميركية والبريطانية والهندية، وغيرها.
- اعتماد إيران بشكل رئيسي على المضيق يجعلها الأكثر تضررًا في حال إغلاقه.
- أي تعطيل للصادرات الإيرانية سينعكس سلبًا على حلفائها قبل أعدائها.

تهديد أمن الطاقة الإسرائيلي
صرحت إسرائيل عن إغلاق حقول الغاز الواقعة في البحر الأبيض المتوسط، ولا سيما حقل ليفياثان، الذي يساهم بنسبة 40% من إنتاج الغاز في إسرائيل. كما قررت شركة إنرجيان تعليق إنتاج الغاز من حقل كاريش، وتم تعليق العمل كذلك من قبل شركة شيفرون في حقل ليفياثان.
تبلغ الطاقة الإنتاجية لحقل ليفياثان 1.2 مليار قدم مكعبة يوميًا، في حين تبلغ الطاقة الإنتاجية لحقل تمار 1.1 مليار قدم مكعبة يوميًا، ويزود الحقلان مصر بالغاز.
يبدو أن إسرائيل تخشى وصول الصواريخ الإيرانية إلى عمق احتياطيات الغاز، التي تعتبر من المصادر القائدية للإيرادات للدولة.
وفقًا لتقرير نُشر على موقع “فورن أفيرز”، يشير إلى أنه على الرغم من أن خيارات إيران العسكرية محدودة، فإن استهدافها لمؤسسات الطاقة الإسرائيلية، بما في ذلك حقول الغاز والبنية التحتية للطاقة، سيكون محاولة ذات جدوى لردع الاعتداءات اللاحقة.
عقب توقف حقول الغاز الإسرائيلية عن العمل، توقف ضخ الغاز إلى مصر والأردن في 13 يونيو/حزيران 2025، مما توقعه خبراء من حدوث اختلالات في واردات مصر التي تعتمد على الغاز الإسرائيلي لتوليد الكهرباء.
وذكرت مصادر إعلامية أن مصر تستورد حوالى مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي يوميًا.
تأثير المواجهة على أمن الطاقة والديناميكيات الجيوسياسية
تفوق آثار المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران النطاق الجغرافي البسيطة لتقلبات أسعار النفط والغاز، لتصل إلى تهديدات كبيرة لأمن الطاقة العالمي. المخاطر المحتملة لا تقتصر على تعطيل الإمدادات المباشر، بل تشمل أيضًا زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتأثيرات طويلة الأمد على مستقبل الطاقة والمالية العالمي، ويمكن تلخيصها كما يلي:
- تأثيرات اقتصادية عالمية قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة المستمر إلى زيادة ارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو الماليةي في الدول المستوردة للنفط والغاز، مما يهدد الاستقرار الماليةي العالمي.
- تهديدات متبادلة للبنية التحتية؛ حيث هددت إيران باستهداف البنية التحتية والمالية الإسرائيلي في حال تعرضت منشآت الطاقة الإيرانية للاعتداء. هذه التهديدات ترفع من المخاطر المحتملة على أسواق الطاقة.
- مخاطر الشحن والتأمين؛ إذ تزيد التوترات الجيوسياسية من تكاليف الشحن والتأمين على ناقلات النفط والغاز، مما ينعكس على أسعار الطاقة. كما قد تتردد شركات الشحن في المرور عبر المناطق الخطرة، مما يؤدي إلى تأخير الإمدادات وزيادة التكاليف التشغيلية.
سيناريوهات الحرب المحتملة على أمن الطاقة العالمي
- السيناريو الأول: إذا لم تتطور الأعمال العسكرية بين إيران وإسرائيل واقتصر الأمر على ضغوط متبادلة، فإن أسعار موارد الطاقة سترتفع بشكل ضئيل على المدى القصير وسرعان ما ستعود الأسعار إلى التراجع، ما لم يحدث أي تعطل للإمدادات إلى القطاع التجاري الدولية. هذا السيناريو يؤكده الخبير أنس الحجي.
- السيناريو الثاني: تعطيل جزئي لإمدادات الطاقة، حيث قد تشهد أسعار موارد الطاقة (النفط والغاز) ارتفاعات نتيجة لتصاعد المواجهة نحو استهدافات محدودة لمنشآت الطاقة أو مضايقات للملاحة في الممرات المائية.
- السيناريو الثالث: أزمة طاقة عالمية، والتي تعتمد على تصاعد المواجهة إلى حرب شاملة، مما يؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز واستهداف الجانبين لمرافق النفط والغاز المحلية والإقليمية. فذلك قد يؤدي إلى نقص حاد في الإمدادات وارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط والغاز، مما قد يؤدي إلى ركود اقتصادي عالمي عميق.
بشكل عام، حتى لو لم تؤدِ المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران إلى تعطيل كبير في الإنتاج حتى الآن، فإنها تخلق بيئة من المخاطر الجيوسياسية التي تؤثر بشكل مباشر على أسعار الطاقة وتقلبات القطاع التجاري. تعتمد شدة تأثير هذه المواجهة على أسعار الطاقة بشكل كبير على مدى تصاعد المواجهة وإمكانية استهداف منشآت الإنتاج أو تعطيل الممرات المائية الحيوية.