صرح البيت الأبيض أن القائد ترامب وقع مذكرة لنشر ألفي عنصر من الحرس الوطني في لوس أنجلوس، ردًا على ما وصفه بـ”الاعتداءات العنيفة” ضد ضباط إدارة الهجرة. جاء ذلك في ظل انتقادات من حاكم كاليفورنيا غافن نيوسوم، الذي اعتبر الخطوة “تحريضًا متعمدًا”. تتجلى التوترات بين ترامب وكاليفورنيا، التي تدعم سياسات ديمقراطية ليبرالية، في مجالات مثل الهجرة والبيئة. يُنظر إلى تصريحات ترامب السلبية تجاه الولاية على أنها تعكس انقسامًا عميقًا، بينما تستمر كاليفورنيا في تقديم دعمها للمهاجرين وتبني قيم التقدمية.
واشنطن – جاء في بيان البيت الأبيض أن القائد دونالد ترامب وقّع مذكرة رئاسية تقضي بنشر ألفين من عناصر الحرس الوطني في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، لتكون حلقة إضافية في سلسلة النزاعات التي تحدث بين إدارة ترامب وكبرى الولايات الأميركية الليبرالية.
وتم ذلك بعد ما وصفه البيان بـ”الاعتداءات العنيفة التي استهدفت ضباط إدارة الهجرة والجمارك وعناصر إنفاذ القانون الفيدرالية” في المدينة.
وذكر البيت الأبيض أن “قيادات ولاية كاليفورنيا من الحزب الديمقراطي لم تتمكن من حماية المواطنين وضمان سيادة القانون”، مما تطلب تدخلا فدراليا لضمان الاستقرار.
ونوّه أن إدارة القائد ترامب تتبع سياسة “عدم التسامح مطلقا” تجاه العنف والسلوك الإجرامي، خصوصا عند استهداف عناصر الاستقرار المكلفين بمهمات رسمية.
حاكم كاليفورنيا
اعتبر حاكم كاليفورنيا غافن نيوسوم قرار ترامب لاستدعاء الحرس الوطني “تحريضا متعمدا”، مشيرا إلى أنه يزيد من حدة التوتر.
وكان نيوسوم قد أجرى اتصالا بترامب يوم الجمعة، حيث تحدثا لمدة حوالي 40 دقيقة، كما أفاد مكتب الحاكم.
وادعى ترامب، بدون تقديم دليل، أنه اضطر للتدخل بسبب عدم قدرة المسؤولين الديمقراطيين في كاليفورنيا، بما فيهم نيوسوم، على السيطرة على الاحتجاجات.
يُنظَر إلى نيوسوم كأحد أهم الأمل للحزب الديمقراطي للعودة إلى البيت الأبيض بعد انتهاء فترة ترامب في عام 2028.

عمدة لوس أنجلوس
تلقى عمدة لوس أنجلوس الديموقراطية كارين باس ردود فعل قاسية على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك من أعضاء إدارة ترامب، لرفضها عمليات إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك التي تستهدف المهاجرين غير الشرعيين في مدينتها.
وقالت باس في بيان لها -الذي اعتبرته إدارة ترامب تحريضا ضد عمل قوات إنفاذ قوانين الهجرة- “تلقينا تقارير عن إجراءات إنفاذ قوانين الهجرة الفيدرالية في عدة مواقع بلوس أنجلوس. وبصفتي عمدة لمدينة تضم العديد من المهاجرين، أشعر بغضب شديد مما حدث. هذه التكتيكات تزرع الخوف في مجتمعاتنا وتشوه المبادئ الأساسية للأمان في مدينتنا”.
لدى عمدة المدينة تاريخ طويل من المقاومة لسياسات ترامب، حيث نظمت باس في مارس/آذار 2017 وقفة ضخمة في مقر بلدية المدينة لرفض سياسة ترامب، خصوصا فيما يتعلق بالهجرة والرعاية الصحية (برنامج أوباما كير).
كما وقعت باس على عريضة تدعا بإجراء تقييم لترامب لفحص اضطراباته النفسية أثناء ترشحه للرئاسة، وتجاهل حضور حفل تنصيب خلفه جو بايدن في عام 2021.
وفي أغسطس/آب 2020، وصفت باس ترامب بأنه عنصري، متهمة إياه بـ “إعطاء ترخيص للعنصريين للعمل ضد المهاجرين”.
قبل يومين، عبرت عمدة لوس أنجلوس لشبكة “إي بي سي” عن أن نشر الحرس الوطني لم يكن ضروريا.
إرث من العداء
تتسم العلاقة بين ترامب وكاليفورنيا بالتوتر العميق والخلاف حول مواضيع مختلفة، مما يعكس الانقسامات الأيديولوجية بين الإدارة الفيدرالية والرؤية التقدمية لحاكم الولاية جافين نيوسوم.
برزت التوترات في السياسات البيئية والمناخية، حيث لطالما تمسكت كاليفورنيا بمبادرات مناخية تتعارض مع موقف إدارة ترامب، بالإضافة إلى خلافات كبيرة حول التجارة والتعريفات الجمركية التي أثرت سلبا على اقتصاد الولاية.
تعد “سياسات الهجرة” و”الملاذات الآمنة” من أهم القضايا الخلافية، إذ توفر قوانين الولاية الملاذ الآمن لعدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين، بينما تضغط إدارة ترامب لتعاون الشرطة المحلية مع سلطات الهجرة لتطبيق القوانين بشدة.
تتبنى كاليفورنيا تشريعات متقدمة تتعلق بالحقوق والحريات، وهو ما يراه ترامب غير مقبول، حيث يعتبر ذلك تهديدا للسلامة في الولاية.
لا يُخفي ترامب مشاعره السلبية تجاه قيم كاليفورنيا التقدمية، بل ويرى فيها رمزا لليسار الاشتراكي، كما يستطيع قطع التمويل عن برامج مهمة في الولاية للضغط من أجل تغيير السياسات المحلية لتعزيز القوى المحافظة والجمهورية.
يتذكر سكان الولاية كيف انتقد ترامب حكامها الديمقراطيين خلال أزمة الحرائق الغابية بدلا من تقديم الدعم، وألقى اللوم عليهم في اندلاعها.
خلال حملته الانتخابية الثانية، اتهم ترامب الديمقراطيين بتحطيم كاليفورنيا وتحويل سان فرانسيسكو إلى مدينة غير قابلة للعيش، مدعياً أن سياسات الولاية “المجنونة” غذت ارتفاع الأسعار والضرائب وأسعار الغاز وأعداد المهاجرين غير الشرعيين.

لماذا كاليفورنيا؟
تعتبر هذه الولاية رابع أكبر اقتصاد عالمي، حيث بلغ ناتجها المحلي الإجمالي السنة الماضي حوالي 4.1 تريليون دولار، متفوقة على كبرى الماليةيات مثل الهند واليابان وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والبرازيل.
يقترب عدد سكان الولاية من 40 مليون نسمة، مما يبرز تنوعها الفريد، وتمتلك اقتصادا قويا ومتعدد المصادر يشمل قطاعات التقنية والترفيه والزراعة والصناعة.
تعد كاليفورنيا موطن “وادي السيليكون“، مركز الابتكار التكنولوجي في الولايات المتحدة، وهي تسهم بنسبة كبيرة من الإنتاج الزراعي الأميركي، كما تلعب موانئها -مثل لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو- دورا حيويا في التجارة الدولية.
سياسياً، تصوت كاليفورنيا للديمقراطيين، وفي انتخابات 2024 حصل ترامب على 38% فقط من الأصوات فيها، مما يجعلها معقلا للديمقراطيين والتيار اليساري، مما يؤدي إلى صراع مباشر مع جميع قرارات ترامب ومواقفه.