إعلان


في تحليل نشرته فايننشال تايمز، وصف إدوارد لوس علاقة ترامب بالصين بأنها “لغز عميق” تفتقر للاستراتيجية. تُظهر سياسات ترامب تجاه الصين تذبذبًا، مما أدى لأزمات دبلوماسية مثل نفي الصين لادعاءاته بالاتصال برئيسها. تصريحاته حول تايوان وتهديد الصين لا تُؤخذ على محمل الجد، ويعتبر وزير دفاعه شخصية دعائية. كما تتقلب سياسة ترامب التجارية بين التعزيزات والتهديدات. بينما تتعارض سياسته مع الاستقرار القومي، مما يسبب قلقًا عالميًا واسعًا، تعكس قراراته المتغيرة تداخل المصالح التجارية مع الإستراتيجية. يبقى مستقبل العلاقة مع الصين غامضًا، مما يزيد من تعقيد المشهد العالمي.

في تحليل سياسي شامل نشرته صحيفة فايننشال تايمز، اعتبر الكاتب إدوارد لوس علاقة القائد الأميركي دونالد ترامب بالصين “لغزًا معقدًا” يفتقر إلى أي اتساق أو إستراتيجية واضحة.

إعلان

بينما تعكس السجلات السياسية لترامب مواقف ثابتة تجاه بعض القضايا الداخلية مثل الهجرة والعجز التجاري، إلا أن سياساته نحو الصين تظهر تذبذبًا غريبًا لا يمكن التنبؤ به من قبل المسؤولين في واشنطن أو القيادة الصينية.

“فيما يتعلق بالصين، كل شيء يصبح لعبة حظ”، كما ورد في التقرير بشكل ساخر، مضيفًا: “هل يهتم ترامب حقًا بمسألة تايوان؟ دعونا نلقي عملة. هل يسعى لفصل اقتصادي تام عن بكين؟ لنجرّب عجلة الحظ”.

مكالمة زائفة وغضب دبلوماسي صيني

وقد وصل الغموض حده إلى دفع ترامب، خلال مقابلة مع مجلة تايم في أبريل/نيسان الماضي، إلى الادعاء بأن القائد الصيني شي جين بينغ قد اتصل به مؤخرًا، قائلًا “وأنا لا أعتقد أن هذا يُظهر ضعفًا من جانبه”.

RC2KUEADEX07 1748967932
تصريحات ترامب بشأن اتصال القائد شي جين بينغ به تسببت في أزمة دبلوماسية صامتة مع بكين (رويترز)

لكن وزارة الخارجية الصينية سارعبت إلى نفي هذه الادعاءات رسميًا ووصفتها بأنها “تضليل للرأي السنة”، مستخدمة لهجة دبلوماسية اعتُبرت معتدلة بالنظر إلى حساسية الموقف.

يشير التقرير إلى أن أي محاولة لفهم تفكير شي جين بينغ بناءً على تصريحات ترامب “تشبه التفسيرات من أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تخلط الأمور”، مما يعكس عدم موثوقية أقوال ترامب.

وفي تصعيد جديد للتوترات بين واشنطن وبكين، وصف القائد الأميركي دونالد ترامب نظيره الصيني شي جين بينغ بأنه “صعب جدًا وصعب للغاية في التفاوض معه”، في منشور له على منصة “تروث سوشيال”.

وكتب ترامب “أنا معجب بالقائد شي، لطالما كنت كذلك وسأظل، لكنه شخص صعب جدًا وصعب للغاية للإبرام صفقة معه!”، بحسب ما نقلت بلومبيرغ.

تايوان تحت المجهر.. ولكن لا أحد يثق في وزير الدفاع

تعد قضية تايوان من الملفات الأكثر حساسية في العلاقة بين واشنطن وبكين، حيث تعتبرها الصين جزءًا لا يتجزأ من أراضيها. بينما تعزز بكين مناوراتها العسكرية حول الجزيرة، صرح وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أن “التهديد الصيني تجاه تايوان حقيقي وقد يكون وشيكًا”.

لكن تقرير الصحيفة يشير إلى أن هذا التصريح لم يُؤخذ على محمل الجد، حيث يُنظر إلى هيغسيث على أنه مجرد شخصية دعائية، تم تعيينها من قبل ترامب كما لو كانت تؤدي دورًا في برنامج تلفزيوني واقعي.” وبذلك، تخلق إدارة ترامب فراغًا إستراتيجيًا في ملف حساس، مما يجعل الحلفاء غير قادرين على الوثوق في جدية المواقف الأميركية تجاه هذا الأمر.

سياسة تجارية مرتجلة

أما على الصعيد التجاري، فتتأرجح سياسات ترامب تجاه بكين بين التصعيد والتقليل. فقد فرض في وقت ما رسومًا جمركية على الواردات الصينية تصل إلى 145%، ثم خفضها إلى 30% بعد توقيع اتفاق مؤقت لاستئناف تصدير المعادن الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة. لكن ترامب عاد مؤخرًا ليزعم أن الصين “نقضت الاتفاق”، مهددًا بتصعيد جديد.

تُعتبر المعادن النادرة -التي تهيمن الصين على أكثر من 80% من إنتاجها العالمي- أساسية لصناعة السيارات الكهربائية والإلكترونيات والطائرات الحربية الأميركية، مما يمنح بكين ورقة ضغط إستراتيجية يصعب على واشنطن تجاهلها.

تيك توك والتقنية.. ازدواجية بلا حدود

ولن تسلم شركات التقنية من تناقضات ترامب، ففي ولايته الأولى، وصف تطبيق “تيك توك” الصيني بأنه تهديد مباشر للأمن القومي الأميركي وسعى لحظره. أما الآن، فإنه يحتفظ بالوجود المُستمر للتطبيق، وسط تكهنات متزايدة بأن ذلك قد يكون تمهيدًا لبيعه إلى شريك تجاري مقرب له. ويضيف التقرير أن هذا التحول يُظهر المعدن البراغماتي لترامب الذي يتقيّد بالصفقات بدلًا من المبادئ.

epa12146150 US President Donald Trump holds during a press conference in the Oval Office at the White House in Washington, DC, USA, 30 May 2025. EPA-EFE/FRANCIS CHUNG / POOL
القرارات المرتجلة لترامب بشأن تطبيق “تيك توك” تعكس تداخل المصالح التجارية مع اعتبارات الاستقرار القومي (الأوروبية)

وفي ما يخص صادرات الرقائق المتقدمة إلى الصين، خفف ترامب بعض القيود المفروضة سابقًا، رغم أن سياسة القائد بايدن تبنت ما يُعرف بـ”سياج عالٍ حول فناء صغير”، في إشارة إلى تشديد الرقابة على تقنيات الذكاء الاصطناعي.

يُعتبر جينسن هوانغ، المدير التنفيذي لشركة “إنفيديا”، من أبرز المناصرين لتخفيف هذه القيود، نظرًا لمصلحة شركته المباشرة في القطاع التجاري الصينية.

تأثير عالمي فوضوي

لا يقتصر الأثر السلبي للغموض في سياسة ترامب على العلاقة مع الصين، بل يمتد إلى النظام الحاكم الماليةي العالمي. في قمة حديثة، صرح القائد الفرنسي إيمانويل ماكرون بوضوح: “لا نريد أن نُعلم يوميًا ما هو مسموح وما هو غير مسموح، وكيف ستتغير حياتنا بسبب قرارات شخص واحد”. وهو تصريح يُعبر عن قلق دول الاتحاد الأوروبي من الطابع الشخصي للسياسات الأميركية في عهد ترامب.

أما جيمي ديمون، القائد التنفيذي لمصرف “جي بي مورغان”، فقد صرح بصراحة “الصين عدو محتمل… لكن ما يقلقني فعليًا هو نحن”، مشيرًا إلى الوضع المقلق الناتج عن الفوضى في الإستراتيجية الأميركية التي يعتبرها الكثيرون الخطر الأكبر على استقرار المالية العالمي.

الصين حائرة.. والعالم يترقّب

يختتم تقرير فايننشال تايمز بالقول إن الصين، مثل باقي دول العالم، تواجه معضلة مستمرة في فك رموز نوايا ترامب أو التنبؤ بخطواته التالية. في غياب أي تواصل رسمي بين شي وترامب حتى الآن، يصعب تخيل أن بكين ستخاطر بخوض لقاء علني قد يستخدمه ترامب لأغراض استعراضية أو دعائية. إذ أن لقاءاته من هذا النوع مع قادة دول مثل أوكرانيا وجنوب أفريقيا قد تحولت إلى مشاهد درامية أضرت بهذه الدول أكثر مما أفادتهم.

وهكذا، يبقى ملف ترامب والصين لغزًا مفتوحًا، تتزايد تعقيداته مع كل تصريح، وتتوسع تبعاته من المالية العالمي إلى الاستقرار الإقليمي، في وقت يبدو أن القائد الأميركي لا يتبع بوصلته الخاصة… بل ينقلبها باستمرار.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا