يوم الجوع الأكبر
أن تكون مسجونًا فهذا سلب للحرية، وأن تكون مسجونًا في بلدك ولدى محتل فهذا سلب للحرية والكرامة معًا، وأن يكون ذلك المحتل أعرابي قزم لا يفهم معنى كلمة إنسان، فهنا تجتمع طامة فوق أخرى لترسم لنا وجهًا قبيحًا رأيناه بأعيننا للمحتل الإماراتي الصغير القزم في سجون عدن السرية والعلنية.
يوم الجوع الأكبر، هو أحد أشد أيام الحبس عناءً، وفي كل أول يوم عيد أضحى أتذكر تلك اللحظات العصيبة التي أذاقها لنا المحتل. ففي يوم عرفة قررنا أن نصوم، وكان عشاؤنا لا يزيد عن مكرونة معطفة يابسة، وأما نصيبنا من الماء في يومنا وليلتنا أقل علبة الشملان المعروفة .
فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
مارسوا معنا تلك العقوبة الحقيرة، فقط لأنا مارسنا حريتنا خلف قضبان سجونهم بأن صمنا دون إذنهم، وعشنا ليلتنا الطويلة بجوعنا وإرهاقنا حتى طلع فجر العيد وقدموا لنا بعد كل تلك المدة كمية قليلة جداً من الشعيرية، أو ما تُعرف بـ” العطرية”، رماها لنا وكأنّه يرمي بسقط عيش في مكب نفاية.
جاء ظهر العيد، وجاء أحد العساكر إلينا ونحن معلقون بالشبك، بلغ منا الجوع مبلغًا شديدًا، وينادي من بعيد بلاليط بلاليط، يعني ” عطرية”، ويمدها إلينا من خلف الشبك ويقول ” كلوا يا كلاب”، تلقيناها منه، ولم تمضي إلا ثواني معدودة حتى انتهت بلاليطهم في بطوننا الخاوية التي ما شهدت مثل تلك اللحظات منذ أن وعينا على الدنيا، وقد سميت ذلك اليوم بـ ” يوم الجوع الأكبر”
امتن الله علينا بأن أخرجنا من ظلمهم وبطشهم، وامتن عليكم كذلك بأن جنبكم أذاهم وحقدهم، ولكن هناك من لا يزال يعيش تحت وطأة سوطهم حتى اليوم، يمارسون عليه ما يخطر وما لا يخطر على البال من أساليب الإهانة والتعذيب والتجويع.
هناك إخوانٌ لنا كانوا بالأمس يعيشون بيننا، واليوم غائبون في ظلمات سجونهم في عصب، وميون، والريان، وقاعة وضاح، ومنهم من أُخرج خارج الوطن محبوسًا في سجونهم، لا ندري من منهم لا زال يقارع الباطل بقلبه بعد أن كبلت جسده قيودهم، وأرهقه تعذيبهم، ومن منهم قد قضى نحبه منتصرًا لكرامة الوطن، رافضًا العيش بذل تحت أيدي هؤلاء المكراء.
حين كنت مسجونًا، تساءلت، كيف يحلو العيش للناس وفيهم من تعذبه أيدي الغريب، فكيف لا تهتز أواصر العقيدة والدم اليمني والعروبة الآنفة في نفوس شعبي ضدهم، ولكن بعد أن أخرجني ربي منهم، ورأيت كمية الكبت والبطش، علمتُ أنه لا خلاص منهم إلا بقول كلمة شجاعة، تهز كيانهم الواهن، وتفيق الشعب المكلوم المكتوم، لتبدأ ثورة الوعي التي بفضل الله تحولت اليوم إلى ثورة رفض صريح لكل غريب محتل، أو قريب مختل، فلا مكان بيننا لطامع في الأرض، أو بائع للأرض والعرض.
لقد رأيتُ في حبسي أولي اللحى الطويلة التي تلامس الصدور من أتباع سلفية ربيع المدخلي وهم يتسابقون على خيمة ابو خليفة سعيد محمد خميس النيادي الإماراتي ويبوسون أيدي ضباط الإمارات ويأخذون منهم ثمن بيع فتاويهم إما لقتل فلان وعلان، أو لتبرير وجود المحتل في الأرض، ورأيتُ إعلاميي الصرفة وبائعي الكلمة والصورة وهم يتذللون ويتدللون حتى يبنوا مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم مقابل هدم كرامتهم أولاً ثم كرامة كل يمني.
لا يدوم ظلم بتجبر، ولا يزول حق بضعف، ولكن الخلاص صبر ساعة، وكما أخرجني الرحمن ومن معي من حبسهم وذلهم، سيخرج اليمن من سجنها الكبير بوجود هؤلاء المحتلين، وستعلم أدواتهم أنها كانت رخيصة في عيون سادتهم، وفي عيون كل الشعب،
فلا تنسينا فرحة الأعياد، ولا تقلبنا بين الأهل والأولاد إخوتنا ووطننا، فقضيتنا مستمرة حتى نرى يمننا الذي نحلم به بأم أعيننا.
والله مولانا نعم المولى ونعم النصير