أطلقت أعلى المستويات الاقتصادية في إسرائيل تحذيرات حول المخاطر التي تواجه الاقتصاد بسبب الحرب المستمرة وعدم اليقين السياسي. خلال مؤتمر اقتصادي، أكد محافظ بنك إسرائيل، أمير يارون، أن تبعات الصراع تشمل زيادة الدين العام ونقص العمالة، مما يؤثر سلباً على النمو. تقديرات تكاليف الحرب تصل إلى 93 مليار دولار إذا استمرت حتى نهاية 2025. على الرغم من تسجيل نمو متواضع بمعدل 1% في 2024، إلا أن التحديات الهيكلية والضغوط التضخمية تهدد المستقبل. كما انتقد بعض الخبراء الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، معربين عن حاجة ملحة لنهج شامل للتعامل مع التحديات.
تقارير | شاشوف
أعلى المستويات الاقتصادية في إسرائيل دقّت ناقوس الخطر، محذّرة من أن البلاد تسير على حبل مشدود بين انتعاش اقتصادي مفاجئ ومخاطر ‘فوضى’ حقيقية، نتيجة استمرار الحرب وآثارها العميقة، فضلاً عن حالة عدم اليقين السياسي الداخلي.
وفي إطار نقاشات مؤتمر ‘إيلي هورفيتس للاقتصاد والمجتمع’ المرموق، الذي نظمه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أدلى محافظ بنك إسرائيل، ‘أمير يارون’، بتصريحات قوية تعكس قلق المؤسسة النقدية بشأن المستقبل.
‘كلما تُركت مؤسسات الدولة تتعرض للأذى، زاد تأثير ذلك على الاقتصاد بشكل عام’، هكذا حذر يارون، مشيراً بوضوح إلى التجاذبات السياسية والمخاوف من إضعاف المؤسسات، مؤكداً أن الوضع الاقتصادي الحالي ‘ليس من الحكمة إضافة عوامل خطر وتحديات جديدة إليه’.
تصريحات يارون لم تأتِ من فراغ، بل تستند إلى تحليل دقيق للمشهد الاقتصادي الذي، بالرغم من إظهار بعض مظاهر التماسك، يعاني من آثار الحرب المستمرة ضد غزة، والغموض الذي يحيط بالمستقبل. فقد شهد الاقتصاد انكماشاً حاداً بنسبة 21% في الربع الأول من عام 2024، ثم حقق نمواً بنسبة 16% في الربع الأول من عام 2025، لكن يارون يوضح أن هذا النمو ‘لم يكن كافياً للتعافي الشامل’، واصفاً الانتعاش بأنه ‘معتدل وبطيء’ نتيجة طبيعة الصدمة وطول فترة استمرارها.
فاتورة الحرب الباهظة: أرقام تتحدث عن نفسها
حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة ضد غزة، التي دخلت عامها الثاني، تركت آثارها الثقيلة على كافة مفاصل الاقتصاد الإسرائيلي. الأرقام الصادرة عن بنك إسرائيل المركزي ووزارة المالية ترسم صورة مقلقة، حيث تقدّر وزارة المالية أن إسرائيل أنفقت حوالي 112 مليار شيكل (نحو 30.6 مليار دولار) على العمليات العسكرية في غزة ولبنان خلال عام 2024 وحده.
وتقديرات أخرى تشير إلى أن التكلفة الإجمالية قد تصل إلى 67 مليار دولار بنهاية 2024، مع تحذيرات من ارتفاعها إلى 93 مليار دولار إذا استمرت الحرب حتى نهاية 2025. ولتمويل هذه التكاليف، لجأت إسرائيل إلى الاقتراض المكثف، مما أدى إلى مضاعفة حجم الديون المسجلة في 2023 لتصل إلى 160 مليار شيكل (43 مليار دولار)، مما سبب زيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 60.5% في 2022 إلى 62.1% في 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 67% أو حتى 69% بنهاية 2024.
بعد انكماش حاد، نما الاقتصاد بنسبة متواضعة تقدر بحوالي 1% فقط في عام 2024. ورغم أن بنك إسرائيل توقع نمواً بنسبة 3.5% لعام 2025، إلا أن المحافظ نفسه حذر من أن استمرار النزاع قد يقلل هذه النسبة بمقدار نصف نقطة مئوية. كما ارتفع معدل التضخم السنوي إلى 3.6% في أبريل 2025، متجاوزاً النطاق المستهدف لبنك إسرائيل (1%-3%)، مما أدى إلى إبقاء البنك على أسعار الفائدة عند 4.5% لكبح جماح الأسعار، وهو ما قد يؤثر بدوره على النمو.
بالإضافة إلى ذلك، أبقت وكالات التصنيف الائتماني العالمية مثل ‘فيتش’ و’ستاندرد آند بورز’ تصنيف إسرائيل عند (A) لكنها خفضت النظرة المستقبلية إلى ‘سلبية’، مركّزة على المخاطر الجيوسياسية والمالية المتزايدة.
تحديات هيكلية ومعضلة سوق العمل
يشير يارون إلى أن الفجوة في الناتج المحلي الإجمالي، التي تُقدّر بنحو 4% مقارنة بالوضع قبل الحرب، ترجع بشكل أساسي إلى ‘قيود العرض’، حيث يأتي في مقدمة هذه القيود النقص الحاد في القوى العاملة، نتيجة استدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط، والغياب شبه التام للعمال الفلسطينيين، والانخفاض الكبير في عدد العمال الأجانب، وهذا النقص أثر بشكل كبير على قطاعات حيوية مثل البناء والزراعة والتكنولوجيا الفائقة.
بينما شهد الطلب انتعاشاً بعد الصدمة الأولية، لم ينجح الاقتصاد في تلبية هذا الطلب، مما أدى إلى زيادة الواردات، بالتزامن مع ارتفاع حاد في الإنفاق الحكومي، وخاصة في الجانب الدفاعي.
لم تقتصر التحذيرات في المؤتمر على الجانب الاقتصادي. فقد أثار الدكتور إيال هولتا، مستشار الأمن القومي السابق، قضايا استراتيجية عميقة، مشيراً إلى أن إسرائيل ‘ليس لديها مفهوم أمني مكتوب بشكل صحيح’، وأنها ‘لم تستعد أبداً لحروب طويلة’.
أكد هولتا أن الضرر الذي ألحقته إسرائيل بحماس ‘غير مسبوق’، لكنه حذر من أن ‘هزيمة حماس لن تحل قدرة العناصر المتطرفة في غزة على حمل السلاح’، داعياً إلى ‘حل أكثر شمولية’، كما أعرب عن قلقه من أن الانشغال بالحرب الحالية يصرف الانتباه عن التحدي الاستراتيجي الأكبر المتمثل في إيران.
اليوم، يقف الاقتصاد الإسرائيلي عند مفترق طرق حاسم، ففيما يمتلك عناصر قوة ومرونة ساعدته على التغلب على أزمات سابقة، فإن طول أمد الحرب، وتكاليفها الباهظة، وعدم اليقين السياسي، ونقص العمالة، والضغوط التضخمية، كلها عوامل تضغط على المستقبل.
تم نسخ الرابط