وصل الناتج المحلي الإجمالي العالمي هذا العام إلى 105 تريليونات دولار، بينما تدير شركات الاستثمار وإدارة الأصول العالمية ما يصل إلى 462 تريليون دولار، بحسب أرقام معهد التفكير المستقبلي.
هناك حول العالم ما يصل إلى 20 ألف مدير أصول يعملون في شركات تنتشر في 95 بلداً في الأقل، وإذا كان حجم الأصول التي تديرها تلك الشركات أكثر من أربعة أضعاف حجم الاقتصاد العالمي فذلك لأن تلك الثروة هي في الأغلب للقطاع الخاص من مستثمرين كبار أو أثرياء أو لصناديق مثل صناديق معاشات التقاعد أو صناديق التأمين وغيرها.
تكاد تكون صناعة إدارة الأصول صناعة أميركية، إذ بدأت قبل نحو قرن من خلال بنوك استثمارية كبرى مثل “غولدمان ساكس” و”مورغان ستانلي”، وذلك من خلال أذرع إدارة الأصول فيها التي تقوم باستثمار أموال الصناديق والأفراد الأثرياء نيابة عنهم، وبمرور الوقت لم تعد إدارة الأصول نشاطاً محصوراً في البنوك الاستثمارية الكبرى التي تقدم تلك الخدمة المالية، وتوسعت صناعة إدارة الأصول لتصبح هناك شركات إدارة أصول، مثل “بلاك روك” و”فانغارد”، تدير أصولاً برتيليونات الدولارات تتجاوز حجم اقتصاد دول أضعافاً مضاعفة.
مع هذا التوسع، أصبحت البنوك الاستثمارية وشركات الخدمات المالية في وضع من يملك القرار في شأن أكبر الشركات العالمية، سواء بملكية حصص كبيرة في أسهمها أو من سندات ديونها، وزاد اعتماد الشركات والمستثمرين الخواص على خدمة إدارة الأصول، سواء لاستثمار أموالهم نيابة عنهم أو بتقديم المشورة المالية.
صناعة أميركية
من بين أكبر 20 شركة إدارة أصول حول العالم، هناك 15 منها شركات أميركية، تدير ما يصل إلى نسبة 82 في المئة من تلك الأصول، وتعد شركة “بلاك روك” الأميركية أكبر شركة إدارة أصول في العالم، إذ تدير أصولاً لصناديق ومستثمرين وأثرياء بأكثر من 10 تريليونات دولار. وهناك فارق كبير بينها وبين الشركة الثانية على مستوى العالم، وهي “فانغارد” الأميركية أيضاً التي تدير أصولاً بنحو ثمانية تريليونات دولار.
في المرتبة الثالثة والرابعة عالمياً، تأتي شركة “ستيت ستريت غلوبال” وشركة “فيديليتي إنفستمنت”، وتدير كل منهما أصولاً بنحو أربعة تريليونات دولار، ويمكن لشركتي “بلاك روك” و”فانغارد” وحدهما امتلاك أربعة أضعاف كل الشركات المسجلة على مؤشر بورصة لندن وعددها 2000 شركة.
بنظرة أوسع من الشركات الأربع الكبرى الأميركية التي تدير أصولاً بأكثر من 26 تريليون دولار، يشير تقرير المعهد، إلى أن أكبر 500 شركة لإدارة الأصول حول العالم تدير ثروة تصل إلى أكثر من 130 تريليون دولار، أي أكثر من حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمرة وربع، أما أكبر 20 شركة فتدير أصولاً بنحو 60 تريليون دولار.
وتلعب صناعة إدارة الأصول دوراً أساساً في تراكم الثروة حول العالم، من خلال استثمار أموال الصناديق والأفراد الخواص بطريقة لا تقتصر فقط على توفير عائد على تلك الأصول وإنما أيضاً العمل على زيادة ونمو الأصول باستمرار، وبحسب دراسة حديثة لجامعة أوكسفورد فإن مديري الأصول تتزايد سطوتهم بشكل مطرد.
وأوضحت الأزمة المالية العالمية في 2009 مدى نفوذ وتأثير مديري الأصول، بخاصة من في قمة هرم تلك الصناعة المالية، وفي سعيهم إلى زيادة ثروة وعملائهم أو ضمان أفضل عائد منتظم عليها، يستثمر هؤلاء في الأسهم والسندات والعقارات وغيرها من الأصول المالية والمادية.
تطور إدارة الأصول
قبل نحو قرن كان دور البنوك الاستثمارية التي توفر خدمة إدارة الأصول هو إدارة محافظ استثمارية للعملاء الأثرياء، سواء من الأفراد الخواص أو الصناديق المؤسسية، ومع تطور تلك الصناعة، أصبحت شركات إدارة الأصول المستهدف الرئيس في الطروحات الأولية للأسهم أو طرح سندات دين الشركات الكبرى.
وهكذا، أصبحت معظم الشركات الكبرى في العالم مملوكة تقريباً من قبل شركات إدارة الأصول الكبيرة على عكس ما كان الوضع قبل عدة عقود قليلة، ففي السابق كانت الشركات الكبرى مملوكة لحملة الأسهم من الأفراد المستثمرين ومن شركات التأمين وصناديق معاشات التقاعد، بالتالي أصبح لشركات إدارة الأصول التأثير الأكبر على قرارات تلك الشركات العالمية الكبرى، نتيجة الحصة التي يملكونها فيها.
تختلف شركات إدارة الأصول عن صناديق التحوط، التي تشبهها في القيام بمهمة استثمار الأموال نيابة عن المساهمين، سواء كانوا أفراداً أو صناديق، في أنها أقل خطراً، فبينما تحقق صناديق التحوط عائداً أكبر وأسرع يتركز عمل مديري الأصول على تنويع المحافظ الاستثمارية، وهم يملكون الخبرة التراكمية التي تمكنهم من موازنة الأخطار مقابل تحقيق العائد وتنمية الأصول، فعلى سبيل المثال، تقتنص شركات إدارة الأصول الأسهم التي لا تقيمها السوق بشكل صحيح، وما إن تزيد شركة إدارة أصول حصتها من تلك الأسهم حتى يصبح تقييم سعرها أفضل في السوق، وهكذا تحقق الشركة العائد، وأيضاً تزيد من قيمة الأصول التي تديرها.
ونتيجة النفوذ المتزايد لتلك الشركات ومديري الأصول الكبار يصبح المساهمون فيها أيضاً أصحاب نفوذ بشكل غير مباشر ليس فقط على الشركات الكبرى المستثمر فيها بحصص كبيرة، وإنما أيضاً على الأسواق بشكل عام.
وهناك قواعد ولوائح منظمة من قبل السلطات المالية تخضع لها شركات إدارة الأصول كغيرها من المؤسسات المالية، وهناك بالطبع حد أدنى لثروتك كي تستعين بخدمات مديري الأصول، صحيح أنه ليس هناك رقم محدد معلن لكي تضع أموالك في شركة إدارة أصول، لكن ما لم تكن ثروتك كبيرة فلن تكون هناك قدرة على تحمل كلفة مديري الأصول بما لا ينتقص من العائد على أموالك بشكل يجعل الأمر خسارة أكثر منه مكسباً.
المصدر :إندبندنت