مع دخول سوريا مرحلة انتقالية جديدة بعد سنوات من الحرب، تتجلى الفرص الاقتصادية التي تترافق مع مخاطر كبيرة. وزارة الاقتصاد أعلنت عن تلقيها أكثر من 500 طلب لتأسيس شركات جديدة، مع رفع تدريجي للعقوبات الدولية. يبرز وزير الاقتصاد فرصاً في مجالات متنوعة، مع ضرورة خلق بيئة قانونية ملائمة. رغم التفاؤل، تعاني البلاد من دمار اقتصادي وبنية تحتية متهالكة. تطرح الاستثمارات الخارجية تساؤلات حول مصلحتها في إعادة الإعمار، وسط أطماع إقليمية ودولية. يتطلب الأمر وعياً وطنياً لضمان عدم تدهور الاقتصاد الوطني، مع تركيز على حماية الموارد المحلية واستعادة السيادة الاقتصادية.
تقارير | شاشوف
أحمد الحمادي
مع بداية مرحلة انتقالية حاسمة جديدة في سوريا عقب سنوات طويلة من الحرب وانهيار النظام السابق، يبدو أن الاقتصاد السوري يفتح أبوابه على مصراعيها، لكنه يأتي مع فرص ومخاطر متزامنة. وفي تطور يعكس بدايات هذه المرحلة الجديدة، أعلنت وزارة الاقتصاد والصناعة عن استلام أكثر من 500 طلب لإنشاء شركات جديدة منذ بداية العام، في العديد من القطاعات الاقتصادية، بالتوازي مع علامات رفع تدريجي للعقوبات الدولية المفروضة على البلاد لأكثر من عقد.
وزير الاقتصاد المكلف ‘محمد نضال الشعار’، صرح بأن ‘سوريا تمتلك فرصاً استثمارية هائلة في مجالات الصناعة، التجارة، الخدمات، الطاقة والبنية التحتية، ولكن هذه الفرص تحتاج إلى بيئة قانونية وتشريعية واضحة لجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية’.
وأضاف الشعار أن الحكومة بصدد تعديل قانون الاستثمار، بالإضافة إلى مجموعة من القوانين الاقتصادية المرتبطة، بما يضمن خلق بيئة أكثر تنافسية وجودة للإنتاج.
تفاؤل رسمي وحذر ضروري
أكد وزير الاقتصاد والصناعة أن رفع العقوبات الدولية، الذي اعتُبر خطوة حيوية لدعم المرحلة الانتقالية بعد سلسلة من القرارات الأمريكية والأوروبية، يبشر بنمو القطاعين المصرفي والتجاري، ويعزز من التحويلات المالية وتدفق الاستثمارات. وأوضح الشعار أن ‘سوريا غنية بفرص استثمارية واعدة’، مشيراً إلى أن الوزارة تبذل قصارى جهدها لتعديل قانون الاستثمار وتوفير ‘البنية التحتية المناسبة’ لتهيئة بيئة جذب.
ومع ذلك، يواجه هذا التفاؤل الرسمي واقعاً اقتصادياً مدمراً خلفته 14 عاماً من الحرب، حيث تُقدّر الأمم المتحدة خسائر تفوق 800 مليار دولار، بالإضافة إلى بنية تحتية مُتداعية. والأكثر أهمية، أنه يواجه سباقاً مُحمّلاً من قوى إقليمية ودولية تسعى لتقسيم “الكعكة” السورية.
الأطماع الاقتصادية: سوريا كـ’جائزة كبرى’
مجرد الإعلان عن 500 طلب لتأسيس شركة هو مؤشر على حجم الاهتمام الدولي، لكن السؤال الجوهري يبقى: هل ستكون هذه الاستثمارات داعمة لإعادة الإعمار الفعلي وتمكين السوريين، أم ستمهد الطريق لهيمنة الشركات الأجنبية الكبرى على اقتصاد سوريا ومواردها الطبيعية مثل النفط والغاز والفوسفات والأراضي الزراعية؟
تعتبر المرحلة الانتقالية الأكثر خطورة، ففي ظل ضعف المؤسسات الناشئة وحاجة البلاد الماسة للسيولة، قد تُقدم تنازلات ضخمة تُقيّد مستقبل البلاد لعقود. الأمر الذي يتطلب وعياً وطنياً ويقظة لضمان عدم تحول مشاريع إعادة الإعمار إلى ‘نهب منظم’ تحت غطاء الاستثمار والتنمية، وأن تُعطى الأولوية للشركات الوطنية وإعادة بناء القدرات المحلية.
لطالما كانت سوريا موقعاً استراتيجياً في خرائط الطاقة العالمية، واليوم، تعود المشاريع القديمة-الجديدة لتبرز بقوة، حيث تسعى تركيا، التي تأمل في تعزيز نفوذها الاقتصادي في شمال سوريا وضمان طرق تجارية حيوية، إلى جانب دول الخليج، لتفعيل أو إنشاء مشاريع لأنابيب النفط والغاز عبر الأراضي السورية.
هذه المشاريع، مثل خطوط نقل الغاز من الخليج إلى أوروبا عبر سوريا وتركيا، تحمل فوائد اقتصادية محتملة كسوريا كدولة عبور، لكنها في المقابل تجعلها رهينة للمصالح الجيوسياسية لهذه الدول، وقد تُكرس انقسامات وتجاذبات داخلية حول مساراتها وعائداتها.
العين الإسرائيلية: أبعد من الأمن
لا يمكن تجاهل الأطماع الإسرائيلية، التي تتجاوز البعد الأمني التقليدي. فمن الناحية الاقتصادية، ترى إسرائيل في سوريا المتغيرة فرصة لتوسيع نفوذها، بما في ذلك موارد الجولان المحتل والسعي لتعزيز السيطرة على الموارد المائية والزراعية، فضلاً عن احتمال استكشاف موارد طاقة جديدة.
تعتبر المياه أيضاً ضمن دائرة الأطماع الإسرائيلية، حيث تُعتبر موارد سوريا المائية هدفاً استراتيجياً على المدى البعيد، بالإضافة إلى إمكانية فتح الأسواق السورية أمام المنتجات والتكنولوجيا الإسرائيلية إن تطورت العلاقات في المستقبل.
ستعمل تل أبيب على منع المنافسين وإعاقة أي مشاريع اقتصادية كبرى (خاصة تلك التي تشارك فيها خصومها) التي قد تعزز قوة سوريا أو حلفائها المستقبليين.
قد يكون استلام 500 طلب لتأسيس شركة خبرًا سارًا، لكنه في الوقت نفسه يجب أن يُعتبر جرس إنذار. التحدي الأكبر أمام السوريين اليوم لا يقتصر فقط على إعادة بناء ما دمرته الحرب، بل يتعلق ببناء اقتصاد وطني قوي ومستقل يضع مصلحة المواطن السوري في المقام الأول.
يتطلب ذلك شفافية مطلقة في العقود، وقوانين استثمار تحمي الموارد الوطنية، وتأسيس مؤسسات قوية قادرة على التفاوض من موقع الند وليس من موقع الحاجة، وحذراً شديداً من ‘الأصدقاء’ الجدد الذين قد يخفوا وراء وعودهم الرخاء أطماعاً لا نهاية لها. فإن المعركة القادمة في سوريا قد لا تكون عسكرية، بل اقتصادية بامتياز، ونتائجها ستحدد مستقبل البلاد لعقود قادمة.
تم نسخ الرابط