سقط الجنيه المصري مجدداً أمام الدولار في الأسبوع الأول من 2023 بعد دقائق من إعلان بنكي الأهلي ومصر المملوكين للدولة طرح شهادات ادخارية جديدة بسعر عائد يصل إلى 25 في المئة بنهاية مدة الاستحقاق أو بسعر عائد شهري 22.5 في المئة بداية من اليوم الأربعاء.
26 جنيهاً لكل دولار
وسجل سعر الجنيه المصري في مقابل الدولار الأميركي في البنك الأهلي 26.30جنيهاً في مقابل كل دولار للبيع وهو نفس سعر الشراء، بينما سجل في سعر البيع في بنك مصر 26.30 جنيه في مقابل كل دولار و26.25 جنيه لسعر الشراء.
وتراجع سعر صرف العملة المصرية في مقابل نظيرتها الأميركية في البنك التجاري الدولي (أكبر ذراع مصرفية من القطاع الخاص) ليسجل الدولار 26.40 جنيه لسعر البيع بينما سجل سعر الشراء 26.30 جنيه، ووصل سعر الصرف في بنك الإسكندرية 26.50 جنيهاً للبيع و26.40 جنيه للشراء، وسجل في بنك قناة السويس، 26.5 جنيه للشراء، و25.4 جنيه للبيع.
شهادة ادخار بعائد 25 في المئة
وصباح الأربعاء أعلن البنك الأهلي المصري إصدار شهادة بلاتينية جديدة مدتها سنة بعائد يصل إلى 25 في المئة يصرف في نهاية مدة الشهادة، أو بعائد يبلغ 22.5 في المئة يصرف شهرياً وذلك اعتباراً من الرابع من يناير (كانون الثاني)، كما أعلن بنك مصر كذلك طرح شهادة ادخار بعائد 25 في المئة سنوياً.
في غضون ذلك أظهرت بيانات “رفينيتيف” تراجع الجنيه المصري إلى 25.20 للدولار الأربعاء مسجلاً أكبر حركة يومية منذ سمح له البنك المركزي بالانخفاض بنحو 14.5 في المئة في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وخفض البنك المركزي المصري قيمة العملة منذ مارس (آذار) 2022 بنحو 70 في المئة ما يعادل 10.5 جنيه، إذ تراجع سعر الصرف من 15.5 جنيه في مقابل كل دولار ليسجل الأربعاء نحو 26 جنيهاً.
كانت مرونة سعر الصرف مطلباً رئيساً لصندوق النقد الدولي الذي وافق على حزمة إنقاذ مالي لمصر مدتها 46 شهراً بقيمة ثلاثة مليارات دولار في أكتوبر (تشرين الأول)، إذ كانت القاهرة تسعى إلى الحصول على القرض منذ مارس، بعد أن أدت التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا إلى تفاقم نقص النقد الأجنبي، مما تسبب في تباطؤ حاد في الواردات وتراكم البضائع في الموانئ قبل أن تعلن الحكومة الأسبوع الماضي أنها ألغت تدريجاً نظام خطابات الاعتماد الإلزامي للمستوردين الذي فرضته في فبراير (شباط) 2022، مما أدى إلى تفاقم أزمة الاستيراد، وفقاً لـ”رويترز”.
في 26 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، نفى رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي هشام عكاشة، إصدار البنك لشهادات ادخار بعائد يصل إلى 20 في المئة، عقب قرارات البنك المركزي بزيادة الفائدة على الإيداع والإقراض ثلاثة في المئة، في تصريحات إعلامية لإحدى الفضائيات.
نفي ثم إصدار
في غضون ذلك حركت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 16.25 في المئة و17.25 في المئة و16.75 في المئة، على الترتيب في آخر اجتماعات اللجنة في 2022 الخميس 22 ديسمبر الماضي، وكانت اللجنة حركت أسعار الفائدة خلال العام الماضي بمقدار ثمانية في المئة منذ مارس الماضي في ثلاثة اجتماعات كان آخرها في أكتوبر الماضي.
اتفاق مسبق
واتفق محللون على أن الخفض الجديد في قيمة العملة المحلية جاء عقب قرار إلغاء البنك المركزي المصري لنظام الاعتمادات المستندية والعودة للعمل بنظام مستندات التحصيل وهو ما طلبه الصندوق الدولي بشكل صريح، عند إعلان موافقته على قرض للقاهرة بقيمة ثلاثة مليارات دولار، مطالباً بوضع سعر صرف مرن عقب إنهاء أزمة البضائع العالقة بالموانئ المصرية نتيجة شح العملة الأجنبية.
المحاضر بالجامعة الأميركية بالقاهرة هاني جنينة، قال إن “اتجاه أكبر بنكين تابعين للدولة المصرية لإصدار شهادة ادخار بنسبة مرتفعة للغاية يهدف إلى وقف الدولرة (اتجاه المواطنين والمستهلكين إلى الاحتفاظ بالدولار كمخزن للقيمة) وسحب السيولة من السوق المحلية لكبح الطلب في ظل معروض محدود من المنتجات والسلع”.
وتابع جنينه أن “قرار خفض العملة المصرية يأتي في إطار اتفاق مسبق مع صندوق النقد الدولي الذي يطالب باتباع سعر صرف مرن وفقاً لقوى العرض والطلب”، متوقعاً أن يحدث تذبذب في قيمة العملتين المصرية والأميركية خلال الفترة المقبلة صعوداً وهبوطاً، وأن “استعادة الجنيه لعافيته في مقابل الدولار يرتبط بوفرة العملة الأميركية أو ندرتها”، موضحاً أنه “في حال توفرها من أي مورد في أي وقت سيدفع الجنيه للارتفاع في مقابل الدولار والعكس صحيح”، متوقعاً أن “يكون الحد الأقصى لسعر العملة الأميركية في مقابل الجنيه المصري في حدود 28 جنيهاً في مقابل كل دولار من دون أن يتجاوز حاجز 30 جنيهاً”.
سحب السيولة
من جهته يرى نائب البنك العقاري المصري وليد ناجي، اتجاه البنوك الحكومية لإصدار شهادات ادخار بعائد 25 في المئة يستهدف كبح جماح التضخم ووقف “الدولرة”، مؤكداً أن “البنك المركزي يسعى إلى جذب العملاء والمستهلكين للاستثمار في الجنيه المصري، ورفع قيمة العائد على الشهادات إلى هذا المستوى أهم تلك الأدوات لإعادة الجاذبية للجنيه”، مشيراً إلى أن “تلك الشهادات أيضاً تستهدف سحب السيولة من الأسواق لتقليل حجم الطلب حتى يتعافى حجم العرض المتأثر بتراجع كميات السلع المتعطلة نتيجة البضائع العالقة في الموانئ المصري لشح العملة”.
وفي تلك الأثناء، واصلت مستويات التضخم في القاهرة الصعود، إذ أعلن البنك المركزي المصري ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي ليبلغ مستوى 19 في المئة خلال أكتوبر الماضي مقارنة بنحو 18 في المئة في سبتمبر (أيلول).
أسعار المحروقات أحد الأهداف
من جهته قال مسؤول مصرفي رفض ذكر اسمه، إن “طرح شهادة بسعر عائد يصل إلى 25 في المئة يتضمن ثلاثة أهداف تسير بالتوازي”، موضحاً أن “الهدف الأول يمثل كبح للسيولة استباقاً لقرار لجنة التسعير التلقائي للوقود التي ستحدد أسعار المحروقات خلال أيام لمدة ثلاثة أشهر مقبلة وهو ما قد ينتج منه صدمة تضخمية في الأسعار تسعى البنوك للسيطرة عليها”، مضيفاً أن “الهدف الثاني يتعلق بتذبذب سعر صرف الدولار في مقابل الجنيه وسط اتباع سعر صرف مرن للسيطرة على الأسواق من التداعيات السلبية لهذا التذبذب”.
وتابع أن “الهدف الثالث يتعلق بانتهاء آجال شهادة الادخار القائمة بالبنكين بسعر عائد 18 في المئة في مارس 2023 ويرغب الجهاز المصرفي في الإبقاء على حصيلتها بالخزائن، إذ تمثل قيمة تلك الشهادة نحو 750 مليار جنيه (28 مليار دولار أميركي)”، مشيراً إلى أن “تلك الحصيلة ليست بالقليلة ويرغب الجهاز المصرفي في الحفاظ عليها”.
في العام الماضي حركت الحكومة أسعار المحروقات مرتين، الأولى في فبراير (شباط)، والثانية في أبريل (نيسان) الماضي بنسبة 3.5 في المئة، بما يعادل 25 قرشاً (0.010 دولار أميركي)، مع تحريك سعر طن المازوت 400 جنيه (16.15 دولار)، وكانت المرة الأخيرة في يوليو (تموز) الماضي قبل أن تثبت الأسعار في أكتوبر الماضي عند ثمانية جنيهات (0.32 دولار أميركي) لليتر “بنزين 80″، و9.25 جنيه (0.37 دولار) لليتر “بنزين 92” و10.75 جنيه (0.43 دولار) لليتر “بنزين 95″، و7.25 جنيه (0.29 دولار) لليتر السولار، في حين سجل سعر بيع طن المازوت لغير استخدامات الكهرباء والمخابز خمسة آلاف جنيه (202 دولار) للطن.
المصدر : اندبندنت