جمعة رجب
هكذا يبدو اليوم جامع الجند في ليلة هي من أزهى لياليه تأتيه الناس من كل حدب وصوب ، قليل منهم يعرفون سر الإحتفال بهذا اليوم بأنها أول جمعة في ألإسلام باليمن عندما و فدها رسول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم – معاذ بن جبل رضي الله عنه ليخرج منها لاحقا عطاء بن أبي رباح وعمرو بن أبي ربيعة وطاوس بن كيسان .
ما يهمني هنا ذكريات طفولتي في هذه الليلة ،،، التي كانت مشرقة في قلوبنا ومنورة في جوانحنا كانت لدينا جدة اسمها صفية لم أجد إلى الآن امرأة في صلاحها ، كانت لاتنوم من الليل إلا فليلا ؛ تقضيه في صلاة و ذكر وتسبيح كأن في غرفتها دبيبا من النحل – لها دار جوار الجامع من جهة الشرق هو ثاني اثنين من دور الجند ، كانت زيارتها في هذه الليلة جزءا من مناسك أسرتنا : الكبار يسمرون هناك ، أما نحن كنا نذهب ونعود لنشاهد وجوها لم نرها طوال السنة وكانهم جاءوا من عصور غابرة ، كانت الطرق الصوفية تتنافس في عرض ما لديها من قصائد وترانيم صوفية ، يهمني منها اللحن والإيقاع وحركة الشيخ وتمايل المريدين بثيابهم المزركشة ، والإيقاع المميز .
كنت أحس بروحانية وصفاء ذهني كبيرين ، وانا أنتقل من مجموعة إلى أخرى ، أقف مشدوها هنا وسمعي يشنف إلى صوت هناك ، ورفاقي يشدون يدي أن نخرج للتسوق في سوق عريض يقوم على هامش المناسبة حول الجامع ، الجيوب عامرة بما ندخره طول العام لهذه المناسبة العظيمة في أذهاننا كأطفال قبل أن تتوسع مداركنا لنفرق بين ما يجب أن يكون في هذه المناسبة ، كان السمك المجفف المملح في هذه الليلة أشهى طعام نأكله بالإضافة إلى البطاطا ،،، والحلويات ،،، ثم نقفز أنا و إخوتي أحمد و عبدالله إلى بيت جدتنا لنظهر على أبي رحمه الله و إخواني محمد وعلي ولا بأس من ترديد قصيدة بعد أبي او عمي عبدالله ” الله الله الله الله ربنا ،،، الله الله الله حسبنا ،،، الله الله الله الله سيدنا ،،، ربي سامحنا و فرج همنا ” و في منتصف الليل يبلغ الأمر ذروته في الجامع ،،، حيث يكون قراءة الكتاب ( المولد ) يليه الترحيب ثم النحبة ، ولكل فرقة لها شيخ ومجنون ، هذا المجنون يقوم بحركات مخيقة ترتعد لها فرائصنا ،
كان الكبار يعودون للقرية ونحن ننام عند الجدة لنقوم على يوم جديد هو يوم الجمعة حيث نتسوق التسوق الرسمي ونصلي الجمعة ثم نعود إلى البيت بالسمسمية ولعطوي والمشبك و بعض الألعاب .
الذكريات حلوة وبنفس الوقت مؤلمة نتذكر من فقدناهم .
بقلم: عباس القاضي