تواجه مدينة تعز، ثالث أكبر مدن اليمن، أزمة مياه خانقة تضاف إلى مجموعة من الأزمات الاقتصادية والمعيشية. أعلنت السلطة المحلية عن إجراءات عاجلة لمعالجة المشكلة، التي تعود لأضرار الحرب ونقص الأمطار، مما أدى إلى جفاف المصادر المائية. وتشمل الحلول المؤقتة إيقاف تعبئة الوايتات من الآبار وإعادة ضخ المياه إلى الشبكة. كما تمت الموافقة على تسعيرات رسمية للمياه، مع اقتراح استراتيجي لمشروع تحلية المياه. يعكس الوضع الاقتصادي المتدهور في اليمن بشمولية، مما يزيد من معاناة المواطنين ويؤثر على الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه.
متابعات محلية | شاشوف
يعاني سكان مدينة تعز، ثالث أكبر مدينة في اليمن، من أزمة مياه خانقة مستمرة منذ عدة أشهر، مما يزيد من قسوة الظروف المعيشية التي يعيشونها، في إطار انهيار اقتصادي يضرب مختلف أرجاء البلاد.
وفي محاولة للتخفيف من حدة هذه الأزمة، أعلنت السلطة المحلية في محافظة تعز عن مجموعة من الإجراءات العاجلة، بينما تشير تفاصيل الوضع إلى تحديات جسيمة تتجاوز حدود المحافظة.
تضاف أزمة المياه في تعز إلى سلسلة الأزمات المتتالية التي يعاني منها المواطنون، والتي رصدتها تقارير سابقة للمرصد الاقتصادي شاشوف، حيث تقدم صورة قاتمة عن الواقع المعيشي في المحافظة المثقلة بآثار النزاع.
وحسب بيان صحفي حصلت عليه شاشوف، أكدت السلطة المحلية في المحافظة أنها ستتدخل لدراسة المشكلة وضع حلول طارئة.
تفاصيل أزمة المياه في تعز وأسبابها
خلص الفريق المكلف إلى أن تفاقم أزمة المياه يعود إلى عدة عوامل متداخلة، يأتي في مقدمتها الأضرار الخطيرة التي لحقت بشبكة المياه المحلية المغذية من حوض الحوجلة، الذي يعد المصدر الأساسي تاريخياً لتزويد المدينة بالمياه، نتيجة سنوات الحرب الطويلة. وقد زاد من تعقيد هذا الوضع شح الأمطار في الآونة الأخيرة، مما أدى إلى انخفاض منسوب المياه وجفاف آبار الضباب السطحية التي كانت تسهم في تلبية احتياجات المدينة.
كما أشار تقرير السلطة المحلية إلى تعثر مشروع آبار ‘طالوق’، وعدم جاهزية أجزاء كبيرة من الشبكة الداخلية للمياه في المدينة، إضافة إلى نقص عمليات الصيانة والإصلاح خلال السنوات الماضية، مما جعل تغطية الشبكة تقتصر على نسبة محدودة من الأحياء السكنية.
واعترف التقرير بوجود بعض القصور والاختلالات في إدارة الموارد المائية من قبل مؤسسة المياه والصرف الصحي، واستغلال بعض مالكي الآبار الخاصة للأزمة برفع أسعار تعبئة الوايتات.
حلول مطروحة للتخفيف من حدة الأزمة
لمواجهة هذا الوضع الحرج، شرعت السلطة المحلية في تنفيذ خطوات فورية، شملت إيقاف تعبئة الوايتات من آبار المؤسسة وإعادة الضخ إلى الأجزاء الجاهزة من الشبكة الرئيسية وتغذية خزانات السبيل العامة. كما تم تكليف مؤسسة المياه برفع كفاءة الضخ وتوسيع تغطية الشبكة وإصلاحها، مع إنشاء خمس نقاط تجميع مركزية للمياه لتغذية الشبكة وخزانات السبيل وتعبئة الوايتات مؤقتاً بسعر رسمي محدد.
تحدد التسعيرة الرسمية بـ 1 ريال لكل لتر من المياه لتعبئة الوايتات (6000 ريال لوايت سعة 6000 لتر)، فيما تم تحديد سعر البيع للمواطنين من الوايتات بـ 30,000 ريال لسعة 6000 لتر، مع تحذيرات للمخالفين بعقوبات رادعة.
وعلى صعيد الحلول المستقبلية، أوصى الفريق المعني بالعمل على استكمال مشروع خط الضباب، وتشكيل فريق فني لمعالجة مشكلات مشروع طالوق، ومتابعة جهود محافظ المحافظة لإعادة الضخ من آبار الحوجلة، بالإضافة إلى التواصل مع الجهات المركزية لدعم مشروع تحلية المياه كحل استراتيجي لأزمة المياه في تعز.
تأتي أزمة تعز في سياق كارثة معيشية أوسع تضرب عدن وبقية المحافظات اليمنية، حيث أدى الانهيار الحاد في أسعار صرف الريال اليمني إلى تداعيات وخيمة تمثلت في تآكل القدرة الشرائية للمواطنين بشكل غير مسبوق، وارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية والأدوية، مما دفع بملايين الأسر إلى ما دون خط الفقر.
كما أثر انهيار العملة بشكل مباشر على قطاع الأعمال، حيث ارتفعت تكاليف الاستيراد وأصبحت عملية التخطيط المالي شبه مستحيلة، مما أدى إلى إغلاق العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة وتسرح العاملين فيها.
ويشهد الشارع اليمني احتجاجات للنساء والرجال تنديداً بالانهيار الاقتصادي الحاد وتدهور الخدمات، ولكنها تعرضت لقمع منهجي من قبل الأمن في عدن، وتم منع متظاهرات محتجات من الوصول إلى ساحة العروض، في حين تتمثل مطالبهن بأبسط الحقوق اليومية من مياه وكهرباء وخدمات صحية وتعليمية، وفق متابعة شاشوف لملف الاحتجاجات التي خرجت خلال شهر مايو الماضي.
بالتوازي مع ذلك، تتفاقم أزمة الكهرباء بشكل حاد، خاصة في عدن والمحافظات ذات المناخ الحار مثل أبين ولحج وحضرموت، حيث تشهد هذه المناطق انقطاعات طويلة للتيار الكهربائي تصل إلى 18 ساعة في اليوم، مما يؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية، ويعطل المرافق الحيوية كالمستشفيات ومضخات المياه، ويزيد من الأعباء على القطاع الخاص الذي يتعين عليه الاعتماد على مولدات الديزل المكلفة.
ويستمر فشل حكومة عدن في معالجة الأوضاع المتدهورة يوماً بعد يوم، وأصبحت وعودها بالنسبة لقطاع كبير من المواطنين مجرد مسكنات لا تغني من جوع. وكان آخر وعود الحكومة هو تصريح رئيس وزراء حكومة عدن، وفق علم شاشوف أمس الأحد، حيث أكد أن الحكومة تسعى لاحتواء التدهور الاقتصادي والخدمي وتخفيف المعاناة المعيشية من خلال تلبية الأولويات العاجلة، كما أشار إلى أنه سيتم العمل على إيجاد الحلول وحشد كافة الإمكانات، وهنأ بأن ‘دور الأشقاء في السعودية والإمارات ساهم في مواصلة الدولة لالتزاماتها الحتمية والتطلعات لمضاعفة الدعم من شركاء اليمن’.
الوضع الراهن في تعز، وفي مختلف محافظات حكومة عدن، يعكس حالة من الانهيار الاقتصادي الشامل، حيث تتداخل الأزمات وتغذي بعضها البعض، فغياب مصادر المياه المستدامة، مع شبكات متضررة، يفتح الباب أمام استغلال السوق السوداء ويزيد الأعباء المالية على الأسر المنهكة أصلاً بفعل التضخم وفقدان مصادر الدخل.
بينما تمثل الإجراءات التي اتخذتها السلطات المحلية في تعز جهداً ضرورياً للتخفيف من أزمة المياه، تظل استدامة أي حلول مرهونة بتحقيق استقرار اقتصادي أكبر، ومعالجة الأسباب الجذرية للأزمة الإنسانية المستمرة.
تم نسخ الرابط