تشهد الصين زيادة غير مسبوقة في استيراد النفط الخام من منطقة الخليج، حيث وصلت الواردات إلى 10.9 مليون برميل يوميًا، مدفوعة بانخفاض الأسعار وتعزيز المخزونات. المحللون يعتبرون هذه الخطوة استعدادًا لمواجهة اضطرابات جيوسياسية محتملة، خاصة مع تزايد التوترات مع الولايات المتحدة. هذا التكديس يعكس رغبة الصين في تأمين احتياطيات استراتيجية قبيل أي صدام عسكري أو عقوبات جديدة على إيران، مما يعزز الطلب على النفط الخليجي ويعطي دفعة لإيرادات الدول المصدرة. مع ذلك، تحتاج دول الخليج لمراقبة تقلبات السوق العالمية وتنوع مصادر دخلها لضمان الاستدامة.
الاقتصاد العالمي | شاشوف
في خطوة تثير اهتمام أسواق الطاقة العالمية وتحليلات المراقبين الاستراتيجيين، تضاعفت إقبال الصين على شراء النفط الخام الفوري من منطقة الخليج بشكل غير مسبوق. وبينما يُعزى هذا التوجه جزئيًا إلى استغلال انخفاض الأسعار العالمية وتعزيز المخزونات الاحتياطية، يرى محللون أن هذا التكديس الكثيف قد يكون مؤشراً خطيراً على استعدادات صينية لمواجهة اضطرابات جيوسياسية كبرى، قد تشمل نزاعاً محتملًا مع الولايات المتحدة أو تصعيدًا عسكريًا جديدًا في الشرق الأوسط، خصوصًا في ظل التعقيدات المحيطة بالمفاوضات النووية الإيرانية-الأمريكية.
سجلت واردات الصين النفطية المنقولة بحراً زيادة ملحوظة لتصل إلى 10.9 ملايين برميل يوميًا في أبريل الماضي، وهو أعلى مستوى لها منذ أغسطس 2023. تأتي هذه الزيادة، بحسب تقرير نشرته صحيفة “إيكونوميك تايمز”، على الرغم من التباطؤ الملحوظ في الطلب المحلي على الوقود في الصين، مما يعزز فرضية أن الشركات الحكومية الصينية تتسابق لتخزين الخام كإجراء احترازي لمواجهة أي صدمات جيوسياسية محتملة، خاصةً مع تجدد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين.
استفادت دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، من هذا التحول الاستراتيجي في بوصلة الطلب الصيني، حيث ارتفعت صادرات الرياض النفطية إلى الصين لتصل إلى 2.1 مليون برميل يوميًا في مايو الماضي، وفقًا لبيانات شركة “فورتيكسا” للتحليلات النفطية.
عزت منصة “Discovery Alert” الأسترالية هذا النمو إلى انسحاب الصين التدريجي من استيراد النفط الأمريكي. وقد ساهم هذا الإقبال الصيني في تخفيف حدة انخفاض أسعار الخام عالميًا بشكل مؤقت، حيث ارتفع خام برنت بشكل طفيف إلى 64.82 دولارًا في أبريل، فيما توقع محللو “غولدمان ساكس” متوسط سعر يبلغ 63 دولارًا للبرميل خلال عام 2025.
تحليل: تكديس النفط الصيني – استعدادات لمواجهة أم تحوط اقتصادي؟
يرى مراقبون استراتيجيون أن الحجم الكبير لعمليات الشراء الصينية يتجاوز مجرد الاستفادة من الأسعار المنخفضة أو تأمين احتياجات اقتصاد يتباطأ محليًا، إذ يُنظر إلى هذا التكديس المكثف لمخزونات النفط على أنه مؤشر قد يحمل دلالات أعمق وأكثر خطورة.
في ظل تصاعد التوتر بين بكين وواشنطن حول قضايا متعددة، بدءًا من تايوان إلى بحر الصين الجنوبي والسباق التكنولوجي، فإن تأمين احتياطيات نفطية ضخمة يُعتبر خطوة حيوية لأي دولة تستعد للاحتمالات المتعلقة بنزاع مباشر أو فرض عقوبات واسعة قد تعطل تدفقات الطاقة. في هذه الحالة، يصبح النفط أصلًا استراتيجيًا حاسمًا لدعم المجهود الحربي أو الصمود الاقتصادي في مواجهة الضغوط الخارجية الشديدة.
علاوة على ذلك، تأتي هذه التحركات في وقت حرج بالنسبة للشرق الأوسط، تحديدًا فيما يتعلق بالمفاوضات المتعثرة بين إيران والولايات المتحدة حول برنامج طهران النووي. فشل هذه المفاوضات قد يؤدي إلى إعادة فرض عقوبات أمريكية صارمة على صادرات النفط الإيرانية، أو حتى تصعيد عسكري إقليمي.
في هذا السيناريو، قد تكون الصين، التي تُعد من كبار مستوردي النفط الإيراني، بصدد تأمين بدائل من أسواق الخليج لتعويض أي نقص محتمل، أو حتى لتكوين مخزون استراتيجي يمكّنها من الاستمرار في شراء النفط الإيراني متحدية العقوبات، مع امتلاك ما يكفي من الاحتياطيات لمواجهة أي تداعيات دولية.
إن هذا السلوك الشرائي النشط، من وجهة نظر هؤلاء المراقبين، يعكس استعدادًا صينيًا لسيناريوهات متوترة قد تعيد تشكيل خريطة الطاقة والتحالفات في المنطقة والعالم.
بينما يعزز هذا الطلب إيرادات دول الخليج ويدعم موازناتها وبرامجها التنموية، يُشدد مراقبون على ضرورة يقظة دول الخليج تجاه تقلبات السوق العالمية، وأهمية تنويع مصادر الدخل لضمان استدامة النمو، محذرين من تحديات قد تواجه موازناتها في حال استمرار تراجع الإيرادات النفطية عالميًا، حيث تراجعت أسعار النفط بنحو 10 دولارات للبرميل منذ بداية عام 2025.
في ظل مواجهة أسواق النفط عدم استقرار نتيجة الحرب الجمركية بين القوى الكبرى، واحتمال تشديد العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية، كانت الصين قد زادت من وارداتها من النفط الخام في أبريل الماضي بنسبة 7.5% على أساس سنوي، لتصل إلى حوالي 11.69 مليون برميل يوميًا. وقد خصصت شركة أرامكو السعودية كميات كبيرة للصين بلغت 48 مليون طن في مايو بسبب زيادة الطلب على التكرير وتخزين المشتقات، مما يُبقي المملكة ثاني أكبر مورد نفطي للصين بعد روسيا.
من المتوقع أن يستمر الاعتماد الصيني على النفط الخليجي، خاصة إذا فشلت المحادثات النووية الإيرانية-الأمريكية وأعيد فرض عقوبات على طهران، مما سيدفع بكين للتوجه بشكل أكبر نحو نفط دول مجلس التعاون الخليجي.
تظل المخاوف من تأثيرات الحرب التجارية على النمو الاقتصادي العالمي قائمة، حيث قدرت وكالة الطاقة الدولية في أبريل الماضي أن الطلب على الوقود قد ينخفض بنحو 300 ألف برميل يوميًا بحلول الربع الأخير من العام الجاري، وفي ظل هذه المعلومات المتشابكة، وتصريحات سابقة للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” حول ضرورة زيادة إنتاج “أوبك”، يبدو أن أسواق النفط العالمية مقبلة على مرحلة معقدة تتطلب مراقبة دقيقة، حيث تتجاوز دوافع الشراء والبيع الحسابات الاقتصادية الدقيقة لتلامس عمق الاستراتيجيات الجيوسياسية للقوى الكبرى.
تم نسخ الرابط