اليمن – صحيفة اندبندنت البريطانية في مقال قبل قليل جاء فيه :
سجال الرصاصة والسياسة
– خلال 3 عقود، لم يتردد علي عبدالله صالح في التحالف مع ألد أعدائه للحفاظ على سلطته، إلا أن ثمن انقلابه على الحوثيين كان غالياً، فشهدت صنعاء نهاية رجل قال يوماً إن “حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين”
لم يبقَ اليمن بمنأى عن احتجاجات العالم العربي، إذ عرف بدوره “ثورة شبابية” انطلقت في فبراير 2011 وقوبلت بالقمع. فجاءت “المبادرة الخليجية” في 23 نوفمبر، لتنهي 33 عاماً من حكم الرئيس علي عبد الله صالح، واضعة خريطة طريق لمرحلة انتقالية يقودها نائبه عبد ربه منصور هادي، الذي تولى السلطة في 25 فبراير 2012، ليبدأ مسيرة فخخها سلفه وأدمتها ميليشيات “الحوثيين” المدعومة من إيران.
انحناء العاصمة
فيما استبشر اليمنيون بالتوقيع على وثيقة “مؤتمر الحوار الوطني” الذي عقد بموجب “المبادرة الخليجية” وصاغ عقداً اجتماعياً جديداً لمواجهة أزمات البلد التاريخية مطلع عام 2014، كانت عربات ميليشيات الحوثي الرباعية تتوافد سراً إلى المرتفعات الشمالية لمحافظة عمران المتاخمة لصنعاء، في مساعٍ أرجعها هادي إلى “السيطرة على البلاد وتكر يس التجربة الإيرانية” في اليمن.
مضت الأحداث على نحو درامي متسارع، ليشهد الثامن من يوليو 2014 سيطرة الحوثيين على عمران عقب معارك محدودة مع القوات الحكومية.
ظهر هادي، الرئيس والجنرال المنحدر من ريف أبين الجنوبية، بلا حيلة، فالقيادات الشمالية التاريخية، سياسية وقبلية، تحكم قبضتها على مفاصل الجيش والسلطة، فيما وجهت الاتهامات للرئيس السابق بدعم الحوثيين وتسليمهم معسكرات “الحرس الجمهوري”، ذراعه العسكرية طوال فترة حكمه، في تهم لم يكن صالح يستنكف تفنيدها أو نفيها.
لم تمضِ سوى أسابيع ليحاصر الحوثيون العاصمة صنعاء ، بحجة “إسقاط الجرعة” السعرية التي أقرتها الحكومة على ثمن المحروقات. وفي 21 سبتمبر سيطرت الميليشيات الحوثية على صنعاء بقوة السلاح، بينما لم تبدِ العاصمة أي مقاومة.
لتلقي آخر الأخبار ‘تكرما’ تابعنا على قناتنا في التيليجرام
سنكون ممتنين لك عزيزي المتابع/
إملاءات واستقالة
أمسك المسلحون القادمون من أقاصي جبال الشمال بمفاصل الدولة وتهاوت القلاع العسكرية بسرعة لافتة، فوقّع الرئيس “اتفاق السلم والشراكة” برعاية الأمم المتحدة، والذي قضى بتشكيل حكومة جديدة بقيادة خالد بحاح، خلفاً لـ”حكومة الوفاق الوطني”.
وبعد أن قاوم هادي إملاءات الحوثيين في ما يتعلق بمسودة الدستور وتنفيذ اتفاق الشراكة، هاجمت الميليشيات دار الرئاسة بصنعاء وسيطرت عليها في 20 يناير 2015، وحاصرت منزل الرئيس في شارع الستين ووضعته قيد الإقامة الجبرية، ما اضطره ورئيس الوزراء إلى تقديم استقالتيهما في 22 يناير.
رفض الحوثيون استقالة هادي وبحاح واعتبروها “مؤامرة” لخلق فراغ في السلطة. وفي السادس من فبراير أصدروا إعلاناً دستورياً لإدارة البلاد، نص على حل البرلمان وتشكيل مجلس انتقالي من خمسة أعضاء يتولى الحكم خلال مرحلة انتقالية تمتد لعامين.
الإعلان الحوثي الأحادي الجانب لاقى رفضاً داخلياً واسعاً، إذ اعتُبر انقلاباً على الشرعية والاتفاقات الوطنية. وخارجياً، توالت الإدانات والتحذيرات. وأكدت معظم الدول وعلى رأسها الأمم المتحدة، شرعية الرئيس اليمني المستقيل.
آخر متر قبل “العاصفة”
في عملية غامضة ومثيرة للجدل، تمكن الرئيس اليمني المحاصر من الفرار من صنعاء والوصول إلى عدن في 21 فبراير. ومن هناك، أعلن هادي عدن عاصمة مؤقتة للبلاد، متراجعاً عن استقالته ومواصلاً مهامه الرئاسية.
غير أن نيران الحوثيين وصالح لاحقت الرئيس إلى المدينة الساحلية الجنوبية، وتحت وابل القصف الذي استهدف “قصر معاشيق” الرئاسي، اضطر هادي مجدداً إلى حزم حقائبه والمغادرة باتجاه حضرموت ومنها إلى المهرة، في رحلة شهدت محاولات حثيثة لاستهداف موكبه.
وبينما كانت سيارة هادي المدرعة تسابق الريح لتتجاوز آخر منفذ يمني باتجاه سلطنة عمان ومنها إلى الرياض، وقف الرئيس في 25 مارس 2015 على آخر الأمتار الآمنة في بلاده، ليبلغ بواسطة الجهاز اللا سلكي انطلاق عملية “عاصفة الحزم” بقيادة السعودية ومشاركة عدد من الدول العربية، استجابة لطلبه “تقديم المساندة الفورية بجميع الوسائل والتدابير اللازمة، بما في ذلك التدخل العسكري لحماية اليمن وشعبه من العدوان الحوثي المستمر”.
“الرقصة الأخيرة”
خلال حكمه الذي استمر ثلاثة عقود، لم يتردد علي عبد الله صالح في التحالف مع ألد أعدائه للحفاظ على سلطته. وهذا ما فعله بتحالفه مع الحوثيين الذين حاربهم مراراً حين كان في سدة الرئاسة، إلا أن ثمن انقلابه الأخير على هذا التحالف كان غالياً ولا يحفظ خط العودة.
ففي ظهيرة الثاني من ديسمبر 2017، وعقب ماراثون من الخلاف الملتهب الذي ظل مخفياً تحت رماد السياسة، دعا صالح اليمنيين في خطاب متلفز مباشر، إلى “أن يهبوا للدفاع عن الثورة والجمهورية والوحدة والحرية ضد هذه العناصر”، قاصداً الحوثيين، في خطاب أشّر لبدء الانقضاض على حلفاء الأمس وانقضاء زواج المصلحة.
ومثلما سيطرت قوات صالح على صنعاء بسرعة خاطفة، توالت انهياراتها على نحو أسرع، إذ لم يستغرق الأمر أكثر من يومين قبل أن يقتل الحوثيون الرئيس السابق في الرابع من ديسمبر رمياً بالرصاص، لتشهد صنعاء على الرقصة الأخيرة لرجل قال ذات يوم، إن “حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين”.
استهداف السعودية والإمارات
بموازاة الصراع اليمني، استهدفت الميليشيات الحوثية عبر الصواريخ والطائرات المسيرة منشآت استراتيجية في السعودية والإمارات، بما فيها مطارات وحقول نفط وأهداف مدنية.
هادي يسلم السلطة
التطورات الميدانية في اليمن ألقت بثقلها على أطراف النزاع كافة، وأصبح الحل السياسي ضرورياً لوضع حد لمأساة هذا البلد. وفي نهاية مارس 2022، استضافت الرياض مؤتمر المشاورات اليمنية – اليمنية برعاية مجلس التعاون الخليجي وحضور عربي ودولي كبير، فيما رفض الحوثيون المشاركة.
وأسفرت المشاورات التي امتدت حتى السابع من أبريل عن تشكيل مجلس قيادة رئاسي تسلم السلطة من الرئيس هادي، وضم ثمانية أعضاء من القيادات السياسية والعسكرية في اليمن، برئاسة رشاد العليمي.
وجاء الاتفاق عقب توصل الحكومة والحوثيين إلى اتفاق هدنة لشهرين دخلت حيز التنفيذ في الثاني من أبريل. وعلى الرغم من أنه لم يطبق بالكامل فإنه نجح في خفض مستويات العنف بشكل كبير، وتم تمديده لشهرين إضافيين في مطلع يونيو، وثم لشهرين آخرين في مطلع أغسطس.
حرب اليمن