من ينجو من رصاصات الحرب قد يموت من شدة المرض مع توقف العمل في المستشفيات والصيدليات
تفاقمت الأزمة الصحية في السودان مع عدم التزام طرفي النزاع بالهدنة التي من خلالها يمكن للمواطن أن يخرج إلى الشارع وقضاء حاجاته، لتلقي بثقلها على أصحاب الأمراض المزمنة الذين حالت ظروف الحرب دون وصولهم إلى المستشفيات وتلقي العلاج، فضلاً عن عدم توفر الأدوية التي تضمن لهم استمرار الحياة بسبب إغلاق معظم الصيدليات.
وما يزيد الأمر سوءاً أن الحرب تدور في المناطق السكنية حيث تتصاعد أعمدة الدخان التي يتنشقها المرضى، إضافة إلى دوي الانفجارات والقذائف والقنابل النارية الذي يؤجج الخوف والرعب في نفوسهم، ناهيك عن نقطاع تيار الكهرئي لأيام عدة.
لكن كيف يمكن أن يتعايش هؤلاء المرضى مع هذه الظروف القاسية التي ضاعفت من معاناتهم؟ وهل من أمل أو مبادرات تنقذهم من التدهور؟
انقطاع الكهرباء
طارق أحمد الزاكي يسكن حي الفتيحاب بأم درمان، وهو يعاني مرض الفشل الكلوي، أوضح أن المرض بدأ معه منذ عام، وظل يداوم على الغسيل مرتين في الأسبوع بمستشفى المناطق الحارة بأم درمان وبشكل طبيعي قبل اندلاع الحرب، منوهاً إلى أن صحته كانت مستقرة فضلاً عن تعايشه مع المرض والتغلب عليه، لأن “الدواء كان متوفراً وداومت على مسيرتي العلاجية بشكل منتظم”.
وأضاف “الحرب التي شهدتها البلاد أخيراً أصبحت كابوساً بالنسبة إلينا، هناك مشكلات صحية تواجهني بيد أنني لم أتمكن من الوصول إلى المستشفى الذي أداوم على إجراء عملية الغسيل فيه لقربها من مبنى الإذاعه والتلفزيون معقل الاشتباكات، الأمر الذي أدى إلى تدهور حالي الصحية”.
ومضى الزاكي “منذ عشرة أيام لم أتمكن من الغسيل، وبدأت أشعر بتورم في جسدي وأحتاج إلى شرب الماء، كما أن حالي تستدعي أن أكون دائماً في مكان بارد، وهذا أيضاً متعذر بسبب انقطاع الكهرباء. هذه الأسباب دفعتني إلى البحث عن مستشفى بديل للغسيل يكون بعيداً نسبياً من المعارك”.
وأبدى حسرة على ما آلت إليه الأوضاع في البلاد لاسيما أن مرضى الكلى يقفون بالطوابير لتسجيل أسمائهم حتى ينالوا حظهم من الغسيل، والأسوأ إغلاق الصيدليات وعدم توفر الدواء و”لم يعد مستبعداً أن نفقد أرواحنا”.
مخاطر ومعاناة
سهام علي حبيب من أصحاب الأمراض المزمنة في الستينيات من العمر تعاني ضيقاً في شرايين القلب وزيادة ماء في الرئة، تقول “تضررنا كثيراً من هذا الصراع الدائر، فالمستشفى الذي أراجعه قريب من القيادة العامة، وحالي بدأت تسوء ولا أدري ماذا أفعل في ظل توقف العمل بالمستشفيات والصيدليات، وضعي يتطلب المزاولة على عدد من الأدوية التي لا أستطيع الحصول عليها، فضلاً عن أنني مريضة ضغط وسكر وفي حال ارتفاعهما قد أصاب بالفشل الكلوي”.
وأردفت حبيب بأن “السودان والسودانيون لا يستأهلون ما يحصل لهم، وأتمنى من الطرفين وقف الحرب”.
كذلك أبدت وفاء عوض قلقها جراء تعرض والدها لوعكة صحية أدخلته في حال إغماء، وأربكها قرار نقل والدها إلى المستشفى بسبب تعرض حي المهندسين بأم درمان للقذف واندلاع النار باعتبارها معقل القوات الدعم السريع وقربها من مقر سلاح المهندسين.
وقالت عوض “طبيبة لم تكمل دراستها استطاعت أن تجري لوالدي الإسعافات اللازمة للبقاء على قيد الحياة… ننتظر الفرج لإنهاء هذه الأزمة”.
وتابعت “نحن نعيش أوضاعاً غير طبيعية بل قاسية ومأسوية. وعلى رغم الحروب الأهلية التي شهدها السودان، إلا أننا لم نمر بمثل هذه الموجهات التي شلت الحياة تماماً”.
مناشدة إنسانية
فيما قالت الطبيبة معزة عبدالرحمن إن “انقطاع التيار الكهربائي أدى إلى توقف الأجهزة في مستشفيات العاصمة الخرطوم وفقدنا أرواحاً كثيرة، فضلاً عن احتجازنا بالمستشفى لقربها من القيادة العامة”.
وبينت أن “المستشفى يحتوي على أحدث الأجهزة وفيه كادر طبي مؤهل، لكن حالت ظروف الحرب دون الوصول للمستشفى وأداء العمل الإنساني”. وكشفت عن أن الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم ودعت كل الكوادر الطبية إلى التوجه للمستشفيات و”مزاولة عملهم ورسالتهم الإنسانية”.
وتضيف عبدالرحمن “لماذا هذا الصراع الذي حول البلاد دماراً وجعل المواطنين في حال يرثى لها؟ ليس هناك من سبيل غير جلوس الطرفين المتصارعين إلى طاولة حوار ووقف الاقتتال الذي كان ضحيته المواطن السوداني”.
المصر:اندبندنت