قصة الصعود بين أحداث الماضي وتفاعلات الحاضر
راجح باكريت.. من مطلوب لدى السعودية إلى رجلها الأول في المهرة (1-2)
ذات يوم من ربيع العام 2012م تعرض أحد القيادات الشابة من أبناء المهرة (شرق اليمن) وهو رجل أعمال للاختطاف أثناء عودته من وداع أهله في مطار العاصمة اليمنية صنعاء.
كان الخاطفون الذين اعترضوا سيارته في النقطة الثانية قبل مطار صنعاء مجموعة من الملثمين، وقالوا حينها أنهم ينتمون لأحد أجهزة الإستخبارات في صنعاء، وجرى توقيفه، ومن ثم نقله إلى غرفة محصنة بأحد المنازل في صنعاء معصوب العينين، وظل فيها قرابة الشهرين.
بدأ أهله بالبحث عنه، دون أن يجدوا لمكانه أي أثر، وبعد مرور قرابة الشهر على اختطافه، ظهر أحد الأشخاص عارضا خدمة أهل المختطف في تحديد مصير ابنهم، الذي ينتمي لأحدى القبائل الشهيرة في محافظة المهرة، وبعد أيام من حديثه، عاد ذاك الشخص ليعلن أنه توصل لمكان الإختطاف، مدعيا أن المختطفين طلبوا فدية مالية مقدارها إثنين مليون ريال سعودي.
لم يكن أمام عائلة الشخص المختطف سوى التسليم بالأمر، ودفع المبلغ، وهو ما تم، وجرى تبعا لذلك الإفراج عن الشخص المختطف وعودته لأهله، لكن الشكوك بدأت تثار حول الشخص الوسيط، ووقدرته على الوصول للخاطفين، والتفاوض معهم، والعلاقة التي تجمع الجانبين.
كان ذلك الوسيط هو راجح باكريت، محافظ المهرة الحالي، والذي ادعى حينها أن لديه علاقة بجهاز الأمن القومي الاستخباراتي في العاصمة صنعاء، وهو ما ساعده في عملية الوصول للمختطف، والتفاوض مع المختطفين.
بعد تلك الحادثة بأيام، وصل إلى المهرة مجموعة من المسلحين، وذهبوا إلى عائلة الشاب المختطف، وسردوا عليهم قصة وتفاصيل عملية الإختطاف.
وفقا لأحد المقربين من تلك القبيلة والذي روى القصة مطالبا بالتحفظ على هويته – خشية الحساسية في مجتمع كالمهرة- فإن أولئك الأشخاص الذين حضروا كانوا هم من نفذ عملية الإختطاف بناء على تعليمات من باكريت، وأن القصة هو من اختلقها، وحبكها، وبدا الأمر – وفقا للراوي في حديثه – أن دوافع حضور هؤلاء للمهرة وكشفهم تفاصيل القصة بسبب عدم حصولهم على حصتهم من المال، بناء على الوعد الذي تلقوه من باكريت، وهو ما دفعهم لكشف القصة، والبوح بتفاصيلها.
عندما علمت القبيلة بتلك التفاصيل، تجمع مجموعة من أبناءها، وشنوا هجوما على باكريت في أحد أحياء الغيضة، وأطلقوا وابلا من الرصاص على سيارته، لكنه نجا من الموت، وساعده أحد الأشخاص على الهروب، ولذلك قصة أخرى، سيأتي الحديث عنها لاحقا.
تمكن باكريت من الإفلات من الموت، وأصيب بجروح طفيفة، أسعف على إثرها إلى سلطنة عمان لتلقي العلاج، وظل فيها لأشهر، وقال حينها إن استهدافه كان من قبل مجموعة من المنتمين لتنيظم القاعدة، وهو الحديث الذي لم يكن مقبولا حينها في المهرة، لعدم تواجد تنظيم القاعدة هناك.
في الـ21 من مايو 2013م تعرض عضو مجلس الشورى اليمني، عضو مؤتمر الحوار الوطني محمد سالم عكوش لعملية اختطاف في منطقة نهم، أثناء عودته من العاصمة صنعاء إلى مسقط رأسه في محافظة المهرة.
أعلن المختطفين وهم مسلحون ينتمون لقبيلة آل الجرادي في منطقة نهم أنهم من نفذ عملية الاختطاف، وطالبوا بالافراج عن أحد مشائخهم ويدعى راجح الجرادي، الذي كان محتجز لدى الأجهزة الأمنية.
أفرج عن بن عكوش لاحقا، بأوامر من رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي الذي استجاب لمطالب الخاطفين، وأفرج عن الشيخ الجرادي، مقابل الإفراج عن بن عكوش، الذي يعد من أبرز الشخصيات الاجتماعية والسياسية المخضرمة في محافظة المهرة.
يحكي مقربون من عائلة “عكوش” الذي توفي مطلع هذا العام، أن راجح باكريت كان وراء عملية الاختطاف، مستندين لعدة قرائن، أبرزها وفق حديثهم لـالموقع بوست” أن باكريت كان أول من جاء وعرض عليهم التدخل للإفراج عن عكوش، وكان أول من وصل إلى مكان اختطاف بن عكوش، وأنه أدعى لاحقا أن جهوده وتواصله مع رئيس الجمهورية أثمرت عن إطلاق بن عكوش، وهو ما لم يحدث إطلاقا.
باكريت الشخصية والمنشأ
ينتمي راجح باكريت إلى أسرة قبلية عريقة في محافظة المهرة، وهي قبيلة “باكريت” التي تتخذ من مديرية حوف (شرق محافظة المهرة) مكانا لها، وهي المديرية التي تنحدر إليها أشهر الشخصيات القبلية والسياسية والأمنية التي تبوأت مناصب مختلفة في إدارة محافظة المهرة، وفي مجلس الشورى والنواب بالعاصمة صنعاء.
وكان والده سعيد علي باكريت يعمل في الجبهة القومية، وعُين مديرا لمديرية حوف في سبعينيات القرن الماضي، ثم أقبل وتم تعيينه ملحقا لشؤون الثقافية في البحرين، إبان فترة الحكم في الشطر الجنوبي من اليمن سابقا.
وفقا لسيرة ذاتية نشرها مقربون من باكريت عندما عين محافظا للمهرة، فقد ولد في العام 1975م، وتخرج من الثانوية العامة في العام 1994م، وحصل على بكالريوس جامعي في إدارة الأعمال، (لم يحدد من أي جامعة)، وتحدثت شخصيات محلية للموقع بوست أن تلك الشهادة كانت مزورة، وأن الرجل كان يعمل ضمن عملية تزوير للشهادات، ولديه أختام متنوعة لعدة جهات حكومية محلية، وأخرى عربية، وهو ما كان سببا، في تعرضه للمتاعب، كما سيأتي لاحقا.
عمل باكريت في مطلع حياته معلما في إحدى المدارس الحكومية بمديرية الغيضة عاصمة المهرة، وتشير سيرته الذاتية المذكورة أنه عمل في سلك التعليم كمدرس من العام 1996م، حتى العام 200م، لكن مقربون منه يؤكدون أنه عمل في التعليم لمدة لاتزيد عن ستة أشهر، قضى فيها شهرين في التدريس، ثم ترك تلك الوظيفة، التي يعتقد أنه فُصل منها، وانخرط في عدة أعمال تجارية خاصة، منها تجارة السيارات المستخدمة، التي كان يجلبها من عدة دول خليجية كالإمارات وقطر وسلطنة عمان، ويقوم ببيعها في المهرة، لكنه كان يعمل على توريد تلك السيارات التي كانت ممنوعة من دخول اليمن كالسيارات والشاحنات المحولة، بسبب مخالفتها للمواصفات والمقاييس.
مثلت تلك التجارة بالنسبة لراجح باكريت مدخلا لنسج علاقات واسعة مع رجال أعمال محليين، وآخرين في تلك الدول التي تعامل معها ماليا، وقذفته بشكل سريع إلى ميدان الشهرة، وبدأ من خلالها تقديم نفسه كرجل أعمال، وشخصية قبلية كممثل لقبيلته، لدى كل من تعامل معهم، وأدى ذلك لرفع أحد أقاربه (بن عمه) قضية متهما له بانتحال وصف شيخ القبيلة، وجرى لاحقا، تسوية تلك القضية، وإغلاقها، ثم عمل لاحقا على استصدار حكم يفيد بأنه شيخ لمشائخ محافظة المهرة.
من خلال الأحاديث والشهادات التي استمعنا له عن باكريت، والتي سردتها عدة شخصيات كانت متصلة به، أو عملت معه في مواقع مختلفة قبل تعيينه محافظا، تظهر شخصيته كرجل عاشق للشهرة، وطامح للمال، ويسعى بكل طاقته، لتحقيق مكانة اجتماعية، وخلق مركز نفوذ لنفسه، بشتى الوسائل، سالكا في ذلك العديد من الوسائل لتحقيق تلك الغايات، رغم إجماع الكثير من هؤلاء على كثير من الصفات الإيجابية التي يتميز بها على الصعيد الشخصي.
دفعه ذلك الطموح لسلوك كل القنوات والطرق التي تمكنه من تحقيق النفوذ، والحصول على المال، مهما كانت الوسائل التي يسلكها، والأعمال التي اشتغل بها، وهي أعمال ومشاغل كثيرة، سعينا قدر الإمكان للتحقق منها والتحري عنها، قدر الإمكان، من خلال الشبكة المقربة منه، والجهات التي تعامل معها، والتي لازال بحوزتها الكثير لتتحدث عنه، مفضلة الوقت المناسب وفق تعبيرها.
مهن متعددة
كانت تجارة السيارات هي المهنة الأبرز التي اشتغل بها أولا كما أسلفنا، وجلبت له تلك المهنة الكثير من المتاعب، أبرزها أنه بات مطلوبا لدولة قطر التي كان يجلب منها السيارات المستخدمة إلى اليمن بعد فراره منها سرا، عقب تمكنه من الحصول على أموال كقروض باسم زوجته القطرية، وأغرقها في الديون، بينما جرى سجن المرأة، بعد عجزها عن تسديد الديون، وأفرج عنها لاحقا بعد تدخل أقاربها، وتدخلت شخصيات يمنية لدى الرئيس السابق علي عبدالله صالح، أبرزهم المرحوم محمد سالم عكوش للتوسط لدى الجهات القطرية للإفراج عن باكريت.
لكن أبرز الأعمال التي مارسها باكريت ويتركز الحديث عنها في محافظة المهرة هي تورطه في عملية التهريب للمخدرات أولا ثم السلاح ثانيا (كما سيأتي)، وهي القضايا الأكثر حساسية في محافظة المهرة، وظلت تؤثر على مكانتها وسمعة أبنائها، ومثلت ذريعة للتواجد السعودي فيها، كما سيأتي تفصيل ذلك لاحقا في عمل صحفي منفصل.
في سرده لهذه التفاصيل يقول أحد المقربين من باكريت –طالبا التحفظ على هويته ووظيفته – أن باكريت عمل في تهريب المخدرات إلى السعودية، وارتبط بشخصية محلية تعد من أبرز الشخصيات العاملة في مجال التهريب داخل المهرة، وجرى تعيينها عند تولي باكريت وحضور السعودية للمهرة مسؤولية إدارة مكافحة المخدرات بالمحافظة، وهي ذاتها التي احتمى بها باكريت بعد تعرضه لإطلاق النار كما أسلفنا.
يشرح هذا الشخص تفاصيل عن عمل باكريت في هذا الجانب، مؤكدا احتفاظه بما يثبت صحة أقواله، قائلا أن باكريت كان ضالعا في عملية التهريب لنوع من أنواع الحبوب التي يطلق عليها (حبوب الهلوسة) إلى المملكة العربية السعودية، ثم انتقل إلى الداخل السعودي، واستعان بشخصية سورية جلبها معه، مع آلات لتجهيز تلك الحبوب، وبعد انكشاف أمره، فر من السعودية، وأصبح أحد الشخصيات المطلوبة أمنيا لأجهزتها الأمنية.
شخصية محلية رفيعة المستوى في المهرة تحدثت هي الأخرى قائلة بأن باكريت متورط في التهريب قبل أن يكون محافظ، وتذكر بأنه قام بتهريب السلاح للحوثيين، وهناك ملف في النيابة موجودة عن هذه القضية، وفق تعبيرها.
وتضيف: بعد تعيينه محافظا للمهرة شكل شبكة لتهريب المخدرات، وترحيل اليمنيين من المهرة إلى الرياض، ثم إلى افغانستان كرهائن، وبنفس الوقت كلف من السعوديين بنهب الأموال العامة، وانهاء المؤسسات الحكومية.
ادعاء المناصب
قدم باكريت نفسه للمجتمع في المهرة بأنه يعمل في مجال الاستخبارات لصالح جهاز الأمن القومي في العاصمة صنعاء، وهي ذات الشهادة التي أدلت بها عدة شخصيات عن الرجل عند إعداد هذه المادة، بأنه كان يرددها على مرتاديه، وبعد عملية بحث واستقصاء لأنشطة راجح بواسطة محرك البحث “جوجل” عثرنا على السيرة الذاتية التي نشرها الموقع المذكور أنفا، بعد تعيين باكريت محافظا للمهرة في الـ 27 من نوفمبر 2017م.
تشير تلك السيرة الذاتية إلى أن باكريت عين مستشارا لمحافظ المهره لشوون الأمن في عام 2013م، كما كلف من قبل وزير الدفاع الأسبق محمد ناصر أحمد كمسؤولا لمكافحه التهريب في المهرة في العام 2014م، إضافة لتكليفه كمدير لفرع الأمن القومي في المهرة في العام 2015م.
نقلنا تلك المعلومات إلى شخصيات عملت في مواقع أمنية وسياسية في المهرة لمعرفة حقيقة تلك المناصب، وإلى شخصيات عملت في مجال الاستخبارات لسنوات، وأخرى كان لها علاقة بالوضع العام في محافظة المهرة.
تنفي شخصية محلية عملت في المهرة على رأس أحد الأجهزة التنفيذية تولي راجح أي مسؤولية كمستشار لشؤون الأمن في المحافظة خلال العام 2013م، وهي الفترة التي كان يدير المحافظة المحافظ السابق علي محمد خودم، ولم تكن حينها المحافظة تعاني من أي اختلالات أمنية تستدعي تعيين شخصية كمستشار في مجال الأمن، وفق تعبير المسؤول المحلي.
ذات النفي جاء من ضابط عسكري متقاعد، والذي سخر في حديثه للمحرر –طالبا التحفظ على هويته – من مزاعم تعيين باكريت كمسؤول عن مكافحة التهريب في المهرة من قبل وزير الدفاع الأسبق محمد ناصر أحمد في العام 2014، قائلا بأن عملية مكافحة التهريب لايمكن أن يصدر فيها قرار تكليف من مؤسسة عسكرية كالدفاع لشخص مدني، ولم يلتحق بالسلك العسكري، وليس له أي صفة أو رتبة، تؤهله لمثل هذه المهمة، التي تستدعي تظافر جميع الجهات الحكومية كالجيش والأمن والسلطة المحلية وأجهزة الاستخبارات للتصدي لها، وفق قوله.
لم نكتفي بتلك الشخصيات، وجرى التواصل مع شخصية رفيعة عملت في إدارة جهاز الأمن القومي بالعاصمة صنعاء، وبعد عدة محاولات لمعرفة الحقيقة جراء تمنعها عن التصريح، بحكم خروجها من منصبها، وفوات الوقت على تلك الأحداث، أفادت بالنفي المطلق بأن باكريت عُين في العام 2015م مديرا لفرع الأمن القومي في المهرة، لكنها استدركت بالقول “ربما جرى استخدامه من قبل الجهاز بما يخدم المهام الأمنية التي عمل عليها الجهاز لفترة معينة فقط كمتعاون”.
تنقلات السياسة
وتظهر الأحداث والمواقف التي عاشها باكريت، وجرى رصدها من قبل المحرر شخصيته الحقيقية التي تتصف بالانتقال من مكان لآخر بحثا عن الجهة والوظيفة التي بامكانها أن تحقق له دورا مهما في حياته الشخصية، وتوفر له النفوذ في مجتمعه بالمهرة، ولذلك كان يتنقل من اليمين إلى الشمال، غير عابئا باي مآخذ يمكنها أن تظهر شخصيته المتقلبة، وتشير المعلومات التي تم التوصل لها إلى سيرة ذاتية مليئة بالمواقف المتناقضة وفقا للمتغيرات السياسية التي شهدتها اليمن خلال السنوات الماضية.
كانت المحطة السياسية الأولى له تعيينه عضو في اللجنة التأسيسية لحزب التضامن الوطني الذي أسسه حسين الأحمر ثم عضوا في مجلسه الأعلى، وممثلا للحزب في محافظة المهرة، وهو المنصب الذي ظل فيه حتى الخامس من نوفمبر 2014م حينما أعلن عن استقالته من الحزب، وانضم لما سمى بالثورة الجنوبية، داعيا لفك ارتباط الشمال عن الجنوب، والاعتذار للجنوبيين، وإدانة حرب 1994 والفتاوى التكفيرية لشعب الجنوب، وفق تصريحات صحفية أدلى بها آنذاك.
جاء إعلان تلك الاستقالة مستبقة قرار الرئيس هادي بتعيين عضو مجلس النواب محمد علي ياسر محافظا للمهرة في الـ24 من ديسمبر 2014م، بعد أن ظلت المهرة بلا محافظ منذ وفاة محافظها وقتذاك علي محمد خودم.
كان هادي حينها يعمل تحت ضغط جماعة الحوثي التي كانت قد بدأت بنسج علاقتها مع شخصيات في أكثر من محافظة يمنية، بما في ذلك المهرة، ومن تلك الشخصيات راجح باكريت التي وافقت استقالته من حزب التضامن فترة سقوط العاصمة صنعاء بيد جماعة الحوثي، وكان ذلك ايذانا لمرحلة جديدة خاضها الرجل في مسيرته الشخصية.
يقول أحد الأشخاص الذي يصف نفسه بالمقرب من باكريت، في تصريحه للموقع بوست طالبا عدم الكشف عن اسمه أن باكريت انضم بعد ذلك لجماعة الحوثي، عبر شخصية قيادية في جماعة الحوثي تدعى (عيسى المراني) وهو تاجر سيارات كان يتردد على الإمارات من قبل، وحضر حفل الإعلان الدستوري الذي نظمته الجماعة في السادس من يناير 2015م بالعاصمة صنعاء كممثل عن المهرة مع شخصيات أخرى، جرى جلبها بطائرة خاصة حطت في مطار الغيضة، وكان على متنها راجح، وصعد إليها أولئك الأشخاص.
يواصل الرجل حديثه بحذر، كاشفا أن العلاقة بين باكريت والحوثيين ظلت ممتدة لفترة طويلة عقب ذلك، وأن جماعة الحوثي كانت قد وعدته بتعيينه محافظا للمهرة أو وزيرا في الحكومة التي كانت تعتزم تشكيلها لاحقا، وتعذر ذلك.
بعد عاصفة الحزم
عندما انطلقت العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن تحت وصف “عاصفة الحزم” كانت محافظة المهرة حينها بعيدة عن مجمل الأحداث التي شهدتها عدة محافظات يمنية، عقب الإنقلاب الذي نفذه الحوثيون، وتمددهم نحو المحافظات اليمنية.
كانت علاقة باكريت حينها مع جماعة الحوثي لاتزال قائمة، وفقا لتصريح شخصية أمنية للمحرر، لكن الوضع لاحقا بدأ يتغير بشكل غير مفهوم، ولم نستطع الوصول لحقيقته بسبب حساسية الوضع، وامتناع الكثير من الشخصيات والأطراف عن الإدلاء بأي تفاصيل عن تلك الأحداث، تحسبا لردود الفعل المتوقعة.
لكن شخصيات أمنية أخرى ذكرت أن باكريت عمل مع الإماراتيين الذين وصلوا للمهرة بعد تحرير محافظة عدن، وتولى العديد من المهام، مرجحة أنه ربما كان يعمل كعميل مزدوج بين الجانب الإماراتي والحوثيين، بحكم علاقته السابقة بجماعة الحوثي.
تشير تلك الشخصيات في أحاديثها إلى القبض على شحنة من أجهزة الإتصالات كانت قادمة من دولة الإمارات العربية المتحدة في طريقها لجماعة الحوثي، وتم القبض عليها في منفذ صرفيت بالمهرة، واعترف سائقها، بتبعيتها لراجح باكريت، والذي قال لاحقا إن تلك الشحنة كانت عبارة عن طعم للحوثيين، حيث سيستخدمونها، لكنها ستكشف مناطق تواجد مستخدميها، الأمر الذي يسهل عملية استهدافهم من قبل التحالف العربي.
تعمقت الشكوك أكثر حول علاقة راجح بالحوثيين، عندما عرض على إحدى الدول الخليجية (نتحفظ على ذكر اسمها) بأن يكون وسيطا بينها وبين الحوثيين في صنعاء، لتهريب السلاح إليها، لكن المسؤولين في تلك الدولة فطنوا للأمر، وأدركوا أنه يريد الإيقاع بهم وتوريطهم خدمة لدولة أخرى، رغم عدم وجود أي نوع من أنواع التعاون في هذا الجانب بين تلك الدولة والحوثيين، ورد عليه المسؤولين في تلك الدولة بطرده من أراضيها، ورفض التعاون معه بشكل تام، بعد اكتشاف تواصله مع الجانب الإماراتي.
وبشكل تدريجي بدأ راجح بالظهور كأحد الشخصيات المؤيدة والمساندة للتحالف العربي في اليمن، وأبرز المسهلين لتواجدها في محافظة المهرة، بدء من تواجد الجانب الإماراتي في المهرة، ثم الجانب السعودي، الذي يبدو أنه ورث راجح كيد طولى له من دولة الإمارات التي غادرت المهرة نهاية العام 2017م، وهي المرحلة التي تواجدت فيها السعودية بشكل مكثف في المهرة، من خلال قواتها التي وصلت المحافظة، وأعقب ذلك تعيين باكريت محافظا للمهرة.
تعيينه كمحافظ للمهرة
تلك القطوف من شخصية راجح المتقبلة في عدة اتجاهات، والمتنقلة لدى أكثر من طرف مثلت عوامل كافية لاختياره كمحافظ للمهرة، لسهولة السيطرة عليه، وتمرير الأجندة من خلاله، خاصة لدى السعودية، التواقة إلى السيطرة على المهرة، والحصول على موطئ قدم فيها، فتناسبت خططها في السيطرة والبقاء في المهرة، مع شخصية راجح وسيرته الذاتية الماضية، والتي انعكست على أداءه كمحافظ للمهرة، وخدمت في مجملها الحضور السعودي في المهرة.
بتأريخ 27 نوفمبر 2017 أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرارا بتعيين راجح باكريت محافظا للمهرة، وفي اليوم التالي أدى راجح اليمين الدستورية أمام هادي، لتبدأ رحلة جديدة من مشوار طويل لايزال يلقي بظلاله على الأوضاع التي تعيشها محافظة المهرة حتى اليوم.
جاء تعيين راجح خلفا للمحافظ السابق محمد عبدالله كدة الذي عمل محافظا للمهرة خلال الفترة (من 2015– إلى 2018 )، وهو شخصية تنتمي لإحدى قبائل المهرة الكبرى (بيت كدة)، وكان أحد أبرز قيادات الحزب الإشتراكي اليمني، قبل تحقيق الوحدة اليمنية، وكان ضمن المطلوبين لنظام علي عبدالله صالح بعد حرب 94م، بسبب اشتراكه مع الحزب الاشتراكي اليمني في إعلان الانفصال.
عين كدة محافظا للمهرة لثلاث مرات، كانت الأولى بعد تحقيق الوحدة اليمنية بين الشطرين، وظل فيها لفترة، ثم جرى نقله إلى محافظة الجوف، وتعيين حسن مقبول الأهدل خلفا له، وبعد احتجاجات شهدتها المحافظة ضد المحافظ الأهدل أعيد كدة إلى عمله كمحافظ للمهرة، وغادرها بعد انتصار نظام صالح في حرب 94م.
في السابع من نوفمبر 2015م جرى تعيين كدة للمرة الثالثة محافظا للمهرة، بقرار من الرئيس هادي، بعد أن أصبح كدة محسوبا على التيار الجنوبي المؤيد لهادي والذي يتزعمه مستشار الرئيس حيدر أبوبكر العطاس، و مستشاره الثاني ياسين مكاوي، في إطار التقارب مع الحراك الجنوبي.
عمل كدة خلال إدارته للمحافظة على تفعيل مؤسسات الدولة، والحفاظ على أمنها، وبدأ يتطلع لبعض المشاريع التي يرى أن المهرة جديرة بها، ومن ذلك المؤتمر الاستثماري الأول، والذي أعلن عنه بعد زيارة قام بها للسعودية.
جرى التحضير لهذا المؤتمر بعناية، ووجهت الدعوة لشركات عالمية من دول أوروبية وأسيوية لحضور المؤتمر، الذي كان الغرض منه تحويله لمناسبة تقدم المهرة للعالم، وما تمتلكه من مؤهلات سياحية واقتصادية، وكان مؤملا أن يحقق المؤتمر نهضة في المحافظة، من خلال الاستثمارات الضخمة التي كان يجري التحضير لها، والشركات التي كانت ستساهم فيه وتحضره، وكان هذا واضحا من الشركات المشاركة، فواحدة من تلك الشركات كانت قد وعدت بانشاء ميناء خلفوت على حسابها، مقابل استثمارها فيه لمدة ثلاثون سنة، ثم يصبح ملكا للمحافظة والدولة في اليمن، ووعدت أخرى بمشاريع لاصلاح وشق الطرق على حسابها أيضا، وفقا لما كشف عنه أحد المنسقين للمؤتمر.
يضيف هذا المنسق في حديثه للمحرر بأن السعودية في حينها أرسلت شخصا من قبلها، وهو يمني يحمل الجنسية السعودية للإشراف على هذا المؤتمر بحجة أن لديه شركة تعمل في مجال المؤتمرات الدولية، بينما في الحقيقة كان أحد أفراد المخابرات التابعين للسعودية، وكان الغرض من حضوره هو معرفة ماذا يريد أن يفعل المحافظ وغرض المؤتمر، ونوعية الاستثمارات والدول المساهمة فيه، ويؤكد في حديثه قائلا: “تم اعطاءه العموميات، والتحفظ على المعلومات الأساسية خشية تسربها، وتعثر انعقاد المؤتمر”.
استمرت التحضيرات للمؤتمر بشكل طبيعي، وقبل انعقاده بثلاثة اسابيع، أسرع السعوديين في استصدار قرار لتعيين راجح باكريت محافظا للمهرة، وإقالة محمد عبدالله كدة، وكان أول قرار أصدره راجح بعد أداءه اليمين الدستورية هو تأجيل المؤتمر إلى أجل غير مسمى، وأعلن عن ذلك في السادس عشر من ديسمبر 2017م، من خلال منشور له في حسابه على فيسبوك، بحجة الظروف الأمنية والسياسية التي تمر بها البلاد عامة والمهرة على وجه الخصوص، مما سيقف عائقاً أمام إنعقاد المؤتمر وحضور الشركات الاستثمارية ورجال المال والأعمال إلى المحافظة، وفق تعبيره، وبالتالي تجمد جراء ذلك كل أعمال اللجنة التحضيرية للمؤتمر وأنشطتها المتصلة بالتحضير له.
ويردف المنسق في تصريحه: “كان التخوف السعودي من هذا المؤتمر كبير، وانزعجت الرياض من هذه الخطوة، وأطاحت بكدة الذي كان له دور في التحضير لهذا المؤتمر، وجاءت براجح الذي ألغى المؤتمر، وحقق للسعودية ما تريد، وهذه الخطوة تفسر أسباب ترشيح راجح كمحافظ من قبل السعوديين، وتعجيل السعودية بالتواجد السعودي في المهرة.
كان الملفت في قرار تعيين راجح محافظا للمهرة، أن راجح نفسه كان يعلم بقرار تعيينه قبل أشهر من صدور القرار بشكل رسمي، ويحكي أحد الذين تدربوا على يد القوات السعودية في مدينة الطائف للمحرر أثناء فترة المحافظ كدة أن باكريت كان يتواصل بهم أثناء فترت التدريب، وأبلغهم بقرب تعيينه كمحافظ، وأنهم سيعملون معه لاحقا.
جاء تعيين راجح محافظا للمهرة بعد وصول أولى طلائع القوات السعودية إلى المهرة، وتمركزها في مطار الغيضة، (ولذلك قصة أخرى ستنشر لاحقا)، وشروعها في التمدد نحو إنشاء المعسكرات والثكنات العسكرية، وهو ما لم يكن راضيا عنه المحافظ السابق “كدة”، والذي صدر قرار إقالته أثناء تواجده داخل السعودية، كما صدر قرار تعيين باكريت وهو مقيم أيضا في الرياض.
يقول مصدر وثيق الإطلاع في حديثه للمحرر طالبا التحفظ على هويته أن تعيين راجح كمحافظ للمهرة كان منسقا له من قبل بينه وبين السعوديين، وكان القرار جاهزا منذ مدة، مؤكد أن العامل الأهم في اختيار وتعيين راجح محافظا للمهرة هي علاقته بالمخابرات السعودية.
شخصية مسؤولة أكدت في حديثها للمحرر أن اللجنة الخاصة السعودية طلبت من الرئيس هادي اصدار قرار بتعيين باكريت محافظا للمهرة، لكن هادي لم يستجيب للأمر، وأهمل الطلب، وبعد ضغوط مكثفة وافق هادي، وأصدر قرار التعيين، رغم وجود معارضة في رئاسة الجمهورية لذلك القرار، وهو نفس التصريح الذي تحدث به هادي أمام وفد من مشائخ المهرة عندما زاروه في مكان إقامته بعدن بشهر أغسطس من العام 2017م، حين قال بأن السعوديين هم من فرض عليه تعيين باكريت محافظا للمهرة.
وتتحدث شخصية أخرى للمحرر قائلة أن باكريت عندما طُلب من الجانب السعودي لزيارة العاصمة السعودية الرياض، بغرض التباحث معه في قرار تعيينه كمحافظ، تردد ولم يستجب لطلب الزيارة، مخافة أن يتم اعتقاله هناك، بسبب سجله السابق في عملية التهريب، لكن – والحديث لتلك الشخصية – جرى التواصل معه من قبل شخصيات في رئاسة الجمهورية على صلة بالجانب السعودي، وأعطته تطمينات وضمانات بعدم تعرضه لأي أذى، فوافق وسافر إلى الرياض.
يعلق المسؤول الأمني على هذه المعلومات بالقول: كانت هناك أخبار تتردد في المهرة عن تعيين راجح محافظا للمحافظة، لكن لم يكن أحد يصدقها، فالناس هنا لم يكن يدر بخلدها أبدا أن هذا الشخص فعلا سيكون محافظا للمحافظة”.
في الحلقة القادمة: ما الذي فعله راجح باكريت أثناء تقلده منصب المحافظ، وما هي تداعيات ذلك؟